عودة للمعايير الإلهية
عبدالملك سام
لم يسرد القرآن قصة أمة كما سرد قصة بني إسرائيل وما فعلوه بالأنبياء؛ وذلك لما في قصصهم من عبرة وشرح للنفسيات التي يمكن أن تتكرر بأوضح أسلوب وتصوير.. تاريخ يدور ويعيد نفسه في عصور متعاقبة، وهذا ما يجعلنا ننتبه لأهمية قراءة هذه القصص بتمعن بدلاً من قراءة القرآن كيفما اتفق وبحثا عن ثواب لا يمكن أن نناله إلا بالتدبر والتطبيق.
في مراحل معينة من الصراع بين أهل الحق والباطل، وغالبا ما تكون عند نقطة صعبة ومفصلية، تتطلب هذه المرحلة رجالاً مؤمنين من نوع خاص جدا، فنتيجة هذه المرحلة تؤسس لتغيير جذري فيما يليها من مراحل، فتتغير المعادلات وينتج وضع جديد لا مكان فيه للذين يقفون بحسب المصلحة وطمعا في المال والنفوذ.
منطقيا ووفق رؤية عامة الناس، ما أمر به طالوت وهو يعبر بجيشه النهر كان غير منطقي، بل وكان فيه استفزاز لمشاعر الجنود العطشى! وطبعا هؤلاء اعتبروا أنه من حقهم أن ينالوا ما هو من أبسط حقوقهم ألا وهو شرب الماء، ولكن لم يدرك هؤلاء مدى قبح فعلهم إلا عندما سقط معظم هذا الجيش في الامتحان، ومن عبر النهر طائعا لله ولنبيه وللقائد الذي اختاره الله استطاع الصمود واستحق النصر والعزة ونال خير الدنيا والآخرة، ففتحت أرض كنعان بخيراتها لأولئك الذين صمدوا وصبروا.
الإمام علي – عليه السلام – كان رجلا بسيطا، ولم يكن يمثل في عيون أولئك المخدوعين بالمظاهر والأبهة ألا نسخة من طالوت الفقير، وهذا ما جعل هؤلاء يخدعون كما خدع بنو إسرائيل، ووصل الأمر بهم عندما اختلفوا عليه أن ضربوا بعضهم بالنعال في مسجد رسولهم، وما لحق بالأمة من ظلم حتى تولى شرار الناس مقاليد السلطة، فاتخذوا عباد الله عبيدا وتقاسموا أموال الأمة بينهم، فهذا لقريبه وهذا لصاحبه، وما نزال إلى اليوم ندفع ثمن ما اقترفه أولئك يوم رفضوا أوامر الله..
النهر الذي منعهم طالوت من الشرب منه كان فاسدا كرأي كبار القوم يوم اجتمعوا في السقيفة، ولو أنهم رضوا بمن اختاره الله لهم – وهو من يجمع الكل على علمه وقوته وتقاه وعدله – لما وصل الأمر إلى قتل الخلفاء وضربت الكعبة واستبيحت الأعراض وسفكت الدماء، وما وصل الانحدار بنا إلى التشرذم والانقسام والضعف والهوان حتى وصلنا إلى درجة أن نكون أمة ذليلة من قبل من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة!!
اليوم، ونحن نرفع اليد التي رفعها رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فنحن نقول إن هذه هي المعايير هي التي يجب أن تنطبق على من يتولى أمور المسلمين، وهو ما سيحقق لنا العزة والكرامة والعيش الكريم، وليس هؤلاء الزعماء والرؤساء الذين اختارهم لنا أعداؤنا، فيجلسون من يشاؤون ويقصون من يشاؤون في الوقت الذي يريدون !!
لا سبيل للنصر ونيل الخير في الدنيا والآخرة إلا بالرضا بما أراده الله، وقد جربنا كل السبل والحلول التي قدمها “جهابذة” الطرف الآخر، فإلى أين وصلنا؟! من أراد أن يواصل على طريق الضياع فليواصل، ومن أراد أن يسلك طريق الحق والخير فنحن معه، لنغير واقعنا بالعودة لطريق الله ومشيئته.. قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسولَهُ وَالَّذينَ آمَنوا فَإِنَّ حِزبَ اللَّهِ هُمُ الغالِبونَ﴾.