الأخطاء المتراكمة وإهمال بعض أصحاب المنازل الأثرية ضاعف الخسائر
فيما تتواصل عمليات حصر الأضرار الناجمة عن الأمطار والسيول: تناغم بديع بين الجهدين الرسمي والمجتمعي لحماية الكنوز الأثرية بصنعاء القديمة
الثورة / حمدي دوبلة
المعالم التاريخية بمدينة صنعاء القديمة واحدة من أهم وأبرز الكنوز الأثرية النفيسة التي تمتلكها اليمن والتراث العالمي بأسره.. هذا الكنز الثمين كما يقول مسؤولو ومختصو حماية التراث الصنعاني تعرض مؤخرا لأحد اخطر التهديدات في الوقت الراهن بسبب الأمطار الغزيرة التي هطلت على العاصمة ومختلف محافظات البلاد وكان للمدينة التاريخية المسجلة في قائمة التراث الإنساني التابع لمنظمة اليونسكو النصيب الوافر من الاضرار التي طالت الكثير من المباني والمعالم الأثرية الهامة فيها.
ولاتزال اللجان المشكَّلة من عقال الحارات والأحياء في صنعاء القديمة تعمل على حصر وتوثيق الأضرار والخسائر .. فيما تشير المعطيات الأولية إلى أن الخسائر فادحة حيث تهدمت الكثير من المنازل الأثرية الكبرى بشكل كامل كما تعرضت المئات من المنازل لتهدِّم جزئي.
وسارعت الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية إلى تشكيل فريق فني متخصص برئاسة رئيس الهيئة المهندس مجاهد طامش والذي تواجد ميدانيا في كافة أحياء وأزقة صنعاء القديمة طيلة أيام الأمطار وأسهم هذا الفريق – كما يقول مختصون وسكان المدينة – في الحد من الأضرار والخسائر إلى حد كبير وملحوظ.
ويؤكد المهندس مجاهد طامش الذي تم تعيينه حديثا لرئاسة قيادة الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية أن الجهد المشترك بين الجهات الرسمية ممثلة بالهيئة ووزارة الثقافة وأمانة العاصمة وبين منظمات المجتمع المدني ممثلة بجمعية حرفيي البناء التقليدي بصنعاء القديمة، كان له الأثر الواضح في الحد من الخسائر والأضرار التي كانت ربما تكون افدح مما حصل بعد فيضان السائلة إلى وسط المدينة التاريخية واستمرار هطول الأمطار الغزيرة لعدة أيام متواصلة.
وأشار المهندس طامش في حديثه لـ”الثورة” إلى أن هذا التفاعل والزخم في التعاون والجهد المشترك يجب أن يتواصل خلال الأيام المقبلة للإسراع في أعمال الترميم وإصلاح الأضرار وتعزيز جهود الحفاظ على صنعاء القديمة بشكل عام.
أخطاء وتراكمات
الأضرار التي لحقت بمنازل ومعالم صنعاء القديمة لم تكن بسبب الأمطار والفيضان فقط وإنما لعبت الأخطاء الرسمية المتراكمة منذ سنوات طويلة وكذلك إهمال بعض أصحاب المنازل الأثرية دورا واضحا في مضاعفة الخسائر.
ويقول الاسطى أحمد سعد نواس رئيس جمعية حرفيي البناء التقليدي المتخصصة في البناء الصنعاني الأصيل: إنه الممر الضيَّق للسيول اسفل جسر باب السباح وعدم وجود المصدات اللازمة كان السبب الرئيسي في تدفق مياه السائلة إلى المدينة التاريخية وهو ما أحدث أضرارا فادحة في منازلها وبيوتها التاريخية، مشيرا إلى ضرورة أن تسارع الجهات المختصة إلى وضع الحلول والمعالجات الفنية السريعة لهذه المشكلة من خلال حفر وتعميق ممر هذا الجسر المحاذي للمدينة الأثرية.
كما ساهم إهمال بعض أصحاب المنازل – حسبما يؤكد الأسطى نواس – في تداعي وانهيار منازلهم بسرعة أمام وطأة الأمطار والسيول، موضحا أنه كان ينبغي على أصحاب المنازل تفقد منازلهم وتجهيزها بالإجراءات اللازمة قبل حلول موسم الأمطار وذلك بإزالة الأعشاب من على السطوح وسد التشققات والفجوات من على الأسطح والجدران، مؤكدا أن المنازل الأثرية يجب أن تعامل من قبل مالكيها كما يتعامل المزارع مع أرضه الزراعية إذ يقوم ومنذ وقت مبكر بتجهيز الأرض وتهيئتها قبل حلول موسم الأمطار.
تحذيرات
يحذر مسؤولون ومختصون من استغلال بعض أصحاب المنازل الأثرية بصنعاء القديمة لكارثة الأمطار والسيول في إعادة البناء بعيدا عن أعين الجهات المختصة وبالتالي الأضرار بالنمط والنسيج العمراني المميز للمدينة التاريخية .
ويقول الأسطى نواس: إن هناك من يحاول استغلال هذا الظرف للقيام بالبناء والإنشاءات العمرانية التي قد تحدث تشوهات كبيرة بالخصوصية المعمارية لصنعاء القديمة، كما أن هناك منازل عديدة تم إخلاؤها منذ سنوات طويلة وخاصة في حي الجامع الكبير وبقيت هذه البيوت الأثرية خالية وهذا الواقع يعرِّضها للتلف ويجعلها عرضة للسقوط والانهيار اكثر من غيرها، ويتساءل عن سر إبقاء هذه المنازل على حالها منذ اكثر من 15عاما.
ويضيف رئيس جمعية حرفيي البناء التقليدي: إن القيادة الحالية لهيئة المحافظة على المدن التاريخية ممثلة في المهندس الشاب والمثابر مجاهد طامش وهو ابن الهيئة والخبير بتفاصيل وشؤون جهود الحفاظ على صنعاء القديمة كانت لها جهود ملموسة في حماية المدينة والتخفيف من حدة كارثة السيول والأمطار رغم الفترة البسيطة التي تسلَّمت فيها مهام قيادة الهيئة وعملت بالتنسيق مع مكاتب أمانة العاصمة بمديرية صنعاء القديمة ومع نائب وزير الثقافة محمد حيدرة، وكان لذلك الجهد المشترك الأثر الكبير في حماية المواطنين من مخاطر كبيرة كانت ستحل بهم أثناء الكارثة الأخيرة، مؤكدا على ضرورة توفير الدعم اللازم للهيئة من قبل أمانة العاصمة ووزارة الثقافة للقيام بمسؤولياتها في حماية كنوز صنعاء الأثرية على اكمل وجه.. مشيرا إلى أن هيئة الحفاظ على المدن التاريخية وجمعية حرفيي البناء التقليدي بصدد التوقيع على اتفاقية تعاون وشراكة شاملة من شأنها الارتقاء بالأداء وتطويره في حماية آثار ومعالم صنعاء القديمة حيث سيتم بموجب هذه الاتفاقية رفع مهارات “الأساطية” الشباب إلى مستوى يمكنهم من تنفيذ الأعمال والمهام العمرانية الأثرية في المدينة بالشكل المطلوب.
تناغم بديع
وفي انتظار نتائج لجان الحصر والتقييم للأضرار والخسائر الناجمة عن الأمطار والسيول بصنعاء القديمة والمتوقع ان تصدر خلال الأيام القليلة المقبلة يبقى التناغم في التنسيق والتعاون المشترك عنوانا بارزا في أداء الجهات الرسمية والمنظمات المجتمعية، مما يبشِّر – كما يقول خبير حماية التراث والمستشار بهيئة الحفاظ على المدن التاريخية جمال معجم – بمستقبل مشرق وواعد لجهود الحفاظ على معالم صنعاء القديمة تحديدا وعموم مدن ومعالم اليمن التاريخية بشكل عام.