معلوم أن الكتابة عن شخصية لها أدوار في مجالات عدة، سياسية وأكاديمية وتربوية وأدبية وثقافية وشعرية، قد يشوبها النواقص لقلة الإلمام بتفاصيل حياة هذه الشخصية، وهذا ينطبق على شخصية الفقيد الدكتور/ أحمد صالح محمد النهمي، أمين الأمانة المصغرة لاتحاد القوى الشعبية، نائب رئيس جامعة ذمار، عضو مجلس الشورى عضو لجنة التعليم، أمين عام منتدى جهران الثقافي، فقد توزعت حياته بين طلب العلم أولاً.. ثم التعليم الأكاديمي ثانياً، والعمل السياسي ثالثاً، والإسهام الأدبي والثقافي الفاعل رابعاً، إضافة إلى كتابة المقالة الصحفية وقرض الشعر وإجادته.
ولكي نلقي بعض الضوء على شيء من اهتمامات الفقيد النهمي التي توزعت بين ما هو وطني، وما هو سياسي وأكاديمي، وأدبي وثقافي، سنقرأ معاً بعضاً من رؤاه مستعرضين فقرات مما خطه قلمه من مقالات وكتابات..
كتب المادة وأعدها للنشر: محمد علي المطاع
النهمي يستقرئ
كتب الفقيد الدكتور أحمد صالح النهمي العديد من المقالات التي استقرأ فيها العديد من الطروحات التي تناولت الأوضاع المجتمعية والإسلامية في الوطن العربي، ولعل أبرز ما تنازله الفقيد –رحمة الله عليه- أفكار المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير، ففي إحدى كتاباته تسأل الفقيد النهمي: “هل آن الأوان لمعاني الشهادتين أن تشرق أضواؤها (على مشارف القرن الخامس عشر الهجري) فتضيء لنا الطريق “لكي لا نمضي في الظلام” وترسم منهجاً للحياة (بدلاً من التيه) فما تزال القدس شاهدة على استلاب الكرامة العربية وما تزال (البوسنة والهرسك.. عار للمسلمين وجرح في ضمير الإنسانية) وما تزال (الطائفية آخر ورقة للعالين في الأرض).
وهنا من الجدير الإشارة إلى أن ما ورد بين قوسين في الفقرة السابقة هي أسماء لمؤلفات للمفكر الوزير.
ولكي يعرف بالمفكر الإسلامي الوزير بإيجاز يلم بكل ما عاصره من أحداث وممرات يختار الفقيد النهمي العبارات العميقة الدالة: “…… واحد من أفذاذ الإنسانية المعاصرين، تخلقت شخصيته من رحم المآسي العظيمة، والنكبات الأليمة، وعاش حياته في حركة دائبة، من أجل الآخرين، كالسحب التي تعصر نفسها لتمنح الحياة للأرض، والخير للأوطان والجمال للأدوية والخضرة للصحارى القاحلة.. فقد شهد في مطلع حياته نكبة الثورة الدستورية عام 1948م وعايش مشاهد فصولها التراجيدية الممتدة من فشل الثورة إلى إعدام الاستبداد لوالده الأمير الشهيد علي بن عبدالله الوزير وعدد غير قليل من أهله وأقاربه ثم الزج به وبأخوته في غياهب سجون الاستبداد الإمامي ثم امتدت الرحلة بعد ذلك إلى سجون الغربة ومعاناة الشتات في عهد الاستبداد الجمهورية.
ثورة الاتصالات
ونجد أن الفقيد الدكتور أحمد النهمي قد تناول ما وصلت إليه ثورة الاتصالات والإعلام من كسر للحواجز وتقريب للمسافات وإلغاء احتكار الرأي وكبت حريته بالعبارات الجميلة التالية: “…… لعل من أهم محاسن التنامي المتسارع لتكنولوجيا الاتصالات وثورة الإعلام التي شهدها عصرنا الحاضر أنها استطاعت أن تحيل العالم المترامي الأطراف إلى قرية صغيرة بما أنتجته من وسائل التواصل الإعلامي والاجتماعي المتعددة التي تعبر القارات وتتجاوز الحدود وتختزل المسافات بين المجتمعات والأفراد والأفكار، وهو الأمر الذي أدى إلى إنتاج معطيات جديدة عملت على توفير مساحة من الحرية للرأي الآخر بعد أن قضت إلى حد كبير على منظومة الرأي الواحد والفكر الواحد والإعلام الموجه وسياسة الإقصاء والتغييب للآخر المغاير التي ظلت تمارسها قوى الهيمنة ومراكز الاستبداد على مدى الفترات الماضية.
شهادات وإضاءات
ولأن النهمي – رحمه الله – كان واحداً ممن اكتووا بنار التسلط السلطوي، والسلوك الفرعوني، نجده ينصف الآخرين ومنهم الشهيد عبدالكريم الخيواني والشهيد الدكتور محمد عبدالملك المتوكل والشهيد جار الله عمر، والمرحوم محمد الرباعي ويقدمهم في إضاءات على هذا النحو: عن الخيواني يقول النهمي: “بعد أن نشر ملف التوريث وملفات أخرى عن فساد هذه القوى استعرت معركتهم معه وحاولوا إسكات صوته لكنهم فشلوا فقد وجدوا أنفسهم أمام صحفي من طراز فريد لم تجد نفعاً في استقطابه وشراء مواقفه أساليب الترغيب ومغريات المال والسلطة، لذلك لجأوا إلى أساليب الترهيب، فأودعوه السجن مرات ومارسوا معه البطش والتعذيب والتنكيل…. لكنه كان يخرج كل مرة أكثر صلابة وأجهر صوتاً في فضح الفساد وأدواته”.
وعن الدكتور محمد عبدالملك المتوكل كتب المرحوم النهمي: “ارتبط حلم بناء الدولة المدنية الديمقراطية العادلة باسم الشهيد الدكتور محمد عبدالملك المتوكل ارتباطاً قوياً، إلى درجة أن حضور أحدهما يستدعي حضور الآخر فابن محافظة حجة الذي أمضى حياته متنقلاً بين المناصب الرسمية والحزبية، ظل ثابتاً على دعوته الدائمة لإقامة دولة مدنية ديمقراطية عادلة ولعل هذا الثبات من وجهة نظري يعود إلى أمور منها:
الأمر الأول: أن فكرة بناء الدولة المدنية الديمقراطية العادلة بالنسبة للشهيد المتوكل لم تكن ناتجة عن ترف فكري أو ترويج لشعار سياسي، أو التغني بمصطلح براق بل كانت ناتجة عن استيعاب عميق لطبيعة الصراع السياسي على السلطة بين اليمنيين عبر العصور المختلفة وطبيعة النسق الذي يحكم دورات هذا الصراع، فمن يصل إلى السلطة يسعى إلى إقصاء معارضيه والتنكيل بهم، والسعي إلى اجتثاثهم، فيتوسل الطرف المنهزم بالخارجي ويستقدمه لمحاربة الطرف الذي نكل به، ويعمل على إسقاطه، وحين تمتد شهوة الطرف الخارجي إلى الاستنثار بالحكم والسيطرة على البلاد، يتوحد اليمنيون لقتاله وطرده وتحرير البلاد منه، وتصعد إلى السلطة قوى جديدة تعمل على إقصاء شركائها في التحرير… وهكذا تعود دورة الصراع من جديد وقد عايش الدكتور المتوكل معايشة حقيقية لمحطة من محطات الصراع السياسي بين اليمنيين في ستينيات القرن الماضي فقد خلالها أقرب الناس إليه.
الأمر الثاني: الفهم العميق الذي امتاز به الدكتور المتوكل لمشكلات المجتمع اليمني المعاصرة فكل المشكلات (حروب صعدة، قضية الجنوب، الأزمة السياسية والاقتصادية، وغيرها)، هي عبارة عن ظواهر ناتجة عن غياب الدولة المدنية.
الأمر الثالث: الاطلاع الواسع على تجارب الأمم في الحكم، وأسباب الاستقرار والتنمية في المجتمعات البشرية، فالمتوكل وهو حاصل على الماجستير في الإعلام الإداري من الولايات المتحدة الأمريكية، وحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة كان واحداً من أقطاب الفكر وعمالقة السياسة في اليمن والوطن العربي، وله حضور قوي وبارز في المنتديات والمحافل الدولية العربية والإسلامية.
كل ذلك أسهم في ترسيخ اليقين في فكر الدكتور المتوكل أنه لا يمكن ان تستقر اليمن إلا بدولة مدنية ديمقراطية عادلة، تستوعب جميع اليمنيين وتحافظ عليهم بغض النظر عن اختلاف انتماءاتهم…”.
وتحدث الدكتور النهمي عن الشهيد جار الله عمر بالقول: “جار الله عمر.. العقل الذي لم تحتمل أطروحاته الفكرية ورؤاه السياسية قوى الإرهاب والتطرف وأجندة الاستبداد فسارعت في وقت مبكر إلى وأد هذه الرؤى والأفكار قبل أن تأخذ طريقها في النمو والتوسع والانتشار بالتخلص من العقلية التي تعمل على إنتاجها والترويج لها فخططت لاغتياله وهو يلقي خطابه الأخير على منصة المؤتمر العام الثالث للتجمع اليمني للإصلاح في العاصمة صنعاء في 28 ديسمبر 2002م.
وفيما كان الشهيد جار الله عمر – رحمة الله عليه – يؤكد في خطابه على مفاهيم التسامح السياسي والحوار الوطني والتعاطي مع الديمقراطية كمنظومة متكاملة أساسها المواطنة المتساوية واحترام العقد الاجتماعي بين الحكام والمحكومين والتصدي لثقافة العنف وتنظيم حيازة السلاح لتجنب الصراعات والحروب الأهلية، كانت أدوات الإرهاب ومخالب الاستبداد تطلق صفارة الإنذار، ليقوم القاتل بإطلاق رصاصاتهم الغادرة على الجسد الطاهر، على مرأى ومسمع من الحضور وأمام كاميرات شاشات القنوات الفضائية التي نقلت الحدث بصورة مباشرة”.
وعن المرحوم محمد عبدالرحمن الرباعي قال الفقيد النهمي: “لم تكد تمضي فترة قليلة على انتخاب الأستاذ الرباعي أميناً عاماً للاتحاد حتى استطاع أن يلقي بظلاله على أحزاب المعارضة اليمنية والحياة السياسية في الوطن بعامة صانعاً من خلال اتحاد القوى الشعبية وصحيفة الشورى تحولاً مفصلياً في المشهد السياسي ومسارات أحزاب المعارضة اليمنية، فقد جعل من مقر حزب اتحاد القوى الشعبية منتدى سياسياً يتقاطر إلى ندواته قيادات الأحزاب على اختلافها وعمل مع صديقه القيادي الاشتراكي البارز الشهيد جار الله عمر، على إعادة صياغة القواسم المشتركة بين الأحزاب السياسية المتباينة، إدراكا منهما بأن المصلحة العليا للوطن تقتضي خلق توازن سياسي من خلال تشكيل معارضة سياسية قوية تستطيع أن تكبح جموح السلطة التي كانت تعيش حالة من جنون العظمة بعد تخلصها النسبي من حزب الإصلاح شريكها السابق في إقصاء الحزب الاشتراكي وانتصارها في حرب 94م، وتوجت جهودهما بإعلان تشكيل تكتل اللقاء المشترك في لحظة سياسية فارقة، وبالإجماع أوكلت إلى الأستاذ الرباعي رئاسة تكتل اللقاء المشترك تقديراً لرصيده النضالي الحافل بالمواقف المبدئية الشجاعة، وخبرته السياسية المتراكمة التي تمتد منذ خمسينيات القرن الماضي.
ثورة وثورة
بحكم ارتباطه الحزبي كان للدكتور أحمد النهمي العديد من التناولات عن الثورة الدستورية، ثورة فبراير 1948م، وكان له العديد من القراءات والكتابات حولها، ومنها: “حدثني المناضل الكبير الشاعر الأستاذ محمد عبدالله الفسيل عن ظروف ثورة الدستور، وتطلعات الأحرار، وأحلامهم في الانتقال بالشعب اليمني إلى حياة يعيش فيها اليمنيون كسائر عباد الله في هذا الكون… حدثني عن الظروف العصيبة التي مرت بها الثورة في أسابيعها الثلاثة، حتى سقوطها، عن أسباب الفشل، عن الأثر الذي تركته في مسار الحركة الثورية، وعن ظروف اعتقاله في ذمار، وعن (الدردحة) التي قال أن الذماريين مارسوا طقوسها على أصولها مع الثوار، وهم مكبلون بالقيود في الطريق إلى حجة، وحدثني عن السجن والاعتقال بعد الثورة وعن قضايا أخرى لا مجال لذكرها أو حتى الإشارة اليها في هذا المقام”.
وأضاف:” الثورة الدستورية على الرغم من مرور تسعة وستين عاماً على قيامها ، فإنها ما تزال كغيرها من القضايا التي يعج بها تاريخنا اليمني القديم والمعاصر بحاجة إلى كشف النقاب عن كل ما يحيط بها من خفايا وأسرار ،وتناولها بالقراءة الموضوعية التي تتعاطى مع الأحداث بمنهجية علمية لا تراعي سوى المعطيات والبراهين ، ولا تعترف بغير الحقائق التي تشير إليها الأدلة بعيداً عن القراءات الموجهة التي تعاطت مع الثورة الدستورية بحسب أمزجة النظام القائم، أو عواطف الكتاب يمنيين وأجانب التي قرأت الأحداث من مواقع أكثر بعداً”.
وحول ذلك يرى الفقيد النهمي أنه “آن الأوان أن نقيم تاريخ الحركة الثورية المعاصرة في اليمن منذ نشوئها في شكل حركة إصلاحية تستهدف إصلاح النظام الحاكم في ثلاثينيات القرن الماضي، مروراً بتحولها في منتصف الأربعينيات إلى حركة معارضة تستهدف إسقاط نظام الإمام مطلق الصلاحيات ، وبناء نظام الإمام الدستوري ، محدود الصلاحيات ، وتشكيل مجلس الشورى وصياغة الميثاق المقدس، والفصل بين السلطات مروراً بما تلا ذلك من أحداث وثورات قدم الشعب اليمني في سبيلها كثيراً من التضحيات”..
وعن محاولات اختزال وتجيير ثورة الدستور بشخص أو أشخاص كتب المرحوم النهمي قائلاً: “على غير عادة شهدت ذكرى ثورة الدستور 1948م هذا العام منذ 17 فبراير الجاري معركة فيسبوكية ساخنة بين من يمدحون الثورة ومن يقدحون فيها ، شارك فيها كتاب وشعراء ومثقفون وأكاديميون ، بيد أن أغلب هؤلاء سيطرت على كتاباتهم أهواء العاطفة ، وغابت عنها حقائق التاريخ، فهي بذلك تزيف الوعي وتجني على الحقيقة.
فالذين يمتدحون ثورة الدستور ويمجدونها يختزلون الثورة في شخصية الشاعر القردعي، متجاهلين من سواه ، وكأنه من خطط للثورة وصاغ دستورها ، وأدار معركتها من ألفها إلى يائها ، فلم تتناول كتاباتهم عن ثورة الدستور غير الحديث عن الصراع المتطور بين القردعي والإمام يحيى ، الذي انتهى بقتل الإمام يحيى.
إن هؤلاء يسيئون إلى ثورة الدستور ويقزمونها إلى مجرد صراع شخصي متطور بين القردعي والإمام يحيى ،فهم يستدعون هذا الصراع لتوظيفه في معارك الحاضر، ولا يخلو هذا الاستدعاء من التعبير عن الرغبة في التشفي ، تنفيساً عن أنفس تعاني حالة مرضية وأحقاداً وكراهية مكبوتة.
وهذا كل ما يعنيهم من الاحتفال بثورة الدستور، الطرف الآخر تعاطى في قدح ثورة الدستور والنيل منها بردة فعل متطرفة أيضاً، فهؤلاء لم يكتفوا بالنيل من القردعي ووصفه بالقاتل المأجور ، بل عمدوا إلى النيل من ثوار 1948م، ووصفهم بالعملاء المأجورين لحركة الإخوان المسلمين التي هي الأخرى عميلة مأجورة لبريطانيا ، مضيفة كل صفات القداسة والوطنية على شخصية الإمام يحيى.
وهؤلاء يحملون على كاهلهم تبعات غيرهم ، ويلزمون أنفسهم بما لا يلزمها ، وكأنهم بتنزيه الإمام ونظام حكمه عن أي خطأ أو تقصير أو تفريط يوجب استبداله والخروج عليه، ينزهون أنفسهم”.
وكان الفقيد النهمي قد عدد مزايا وأخلاق الثورة الدستورية في ما يأتي: “الانطلاق من أجل قضية وليس أشخاص .. استبدال نظام فردي استبدادي بنظام شوروي دستوري وليس استبدال أشخاص بآخرين .. التسامح الثوري ، امتازت الثورة الدستورية بأنها ثورة حضارية قائمة على مبدأ التسامح الثوري ، فلا مجال فيها للانتقام ولا خصوم للثورة إلا من يقاومون مشروعها الوطني الساعي إلى تحقيق المصلحة العامة للشعب .. ترسيخ سيادة القانون وتطبيقها على الأشخاص مهما علت منزلتهم الوظيفية.. المواءمة الصادقة بين موجبات الشريعة الإسلامية السمحة الصحيحة ومقتضيات الأخذ بأساليب العصر الحديث.. تمسك الثوار الصلب بأهداف الثورة ومبادئها وتقدم التضحيات الجسمية وتحمل الصعاب الشاقة في سبيلها”..
أما عن ثورة 11 فبراير فكتب المرحوم الدكتور أحمد صالح النهمي قائلاً: “في 2011م، لم تكن اليمن بمنأى عن رياح التغيير التي عصفت بالمنطقة العربية فتفاعلت معها قطاعات واسعة من فئات الشعب ومكوناته المختلفة، واشتعلت ثورة 11 فبراير الشبابية مدفوعة بحلم التخلص من بؤس الحاضر المختنق بالفساد ، واحتكار السلطة والثروة والسعي نحو بناء دولة المؤسسة والارتقاء بالاقتصاد الوطني وزيارة دخل الفرد وسوى ذلك من الأحلام التي ترسمها الثورات في مراحل التكوين على المستوى النظري”.
“التحدي الخطير الذي يواجه اليوم ثوار فبراير، ومعهم شرفاء الوطن ونخبه الفكرية والسياسية الوطنية هو تحقيق السلام الداخلي بين اليمنيين على قاعدة الوطن يتسع للجميع، وإيقاف العدوان الظالم ورفع الحصار الجائر ومن ثم إعادة بوصلة الثورة إلى اتجاهها الصحيح لتحقيق الأحلام الثورية التي ضحى من أجلها اليمنيون كثيراً ، وبناء دولة العدالة والمساواة ، التي تستمد شرعيتها من اختيار الشعب، وبدون ذلك سوف تستمر حلقة الصراع البيني الذي لا يخدم سوى أنظمة خارجية تعمل على تحقيق أجندتها، الاستعمارية في ظل تشجيع الاقتتال الداخلي وما ينتج عنه من تقسيم البيني إلى أجزاء متناحرة ، وضياع الوحدة والسيادة والديمقراطية وكل الأحلام الجميلة التي ظل اليمنيون يحلمون بها منذ ثلاثينيات القرن الفائت حتى اليوم”.
قضية الأمة
عن قضية الأمة –القضية الفلسطينية –كتب المرحوم الدكتور أحمد النهمي: “بين عامي (1917-2017م) مائة عام هي المسافة الزمنية الممتدة بين وعد بلفور وقرار ترامب، أثبتت خلالها الأحداث والوقائع التي مرت بالأقصى والقضية الفلسطينية ،أن القدس كانت في الماضي ولم تزل في الحاضر هي قضية الشعوب وقواها الحية، وأن المقاومة الحقيقية للاحتلال لم تكن إلا من حركات المقاومة ، كتائب المتطوعين ، بدءاً من ثورة القدس عام 1920م وحتى الموقف المناهض لقرار ترامب المشؤوم بجعل القدس الموحدة عاصمة لدولة الاحتلال الذي صدر قبل أيام من شهرنا الحالي ديسمبر 2017م، وما بينهما من ثورات وانتفاضات ومقاومة ، نذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر ، ثورة البراق عام 1929م، وانتفاضة الفلسطينيين عام 1933م وثورة عزالدين القسام ورفاقه من المجاهدين الفلسطينيين والعرب ، وكتائب المتطوعين التي زحفت من عدة أقطار إسلامية للمشاركة في حرب فلسطين 1948م، وعمليات المقاومة التي قادها الشيوخ من الحدود الأردنية في أواخر عام 1968م وصولاً إلى الانتفاضة الأولى التي بدأها أطفال الحجارة عام 1978م والثانية عام 2000م وما صاحبها وتبعها من العمليات الفدائية والاستشهادية التي أجبرت الاحتلال على الانسحاب من قطاع غزة وصولاً إلى انتصارات المقاومة على الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان.. وفي كل مرحلة من مراحل المواجهة كانت حركات المقاومة تجترح ملاحم النصر وتقدم أنصع صفات البطولة والتضحية والعظمة التي تستمدها من عدالة القضية وموجبات الدفاع المقدس عن مقدسات الأمة وشرفها وترابها الطاهر ، مما جعلها تكتسب عن استحقاق احترام مناضلي العالم وأحرار الإنسانية في كل أقطار الدنيا ، ومما يجعلها أيقونة الخلود التي يفخر بها الحاضر وتستلهم منها أجيال المستقبل معاني الاعتزاز والتضحية.
على الطرف الآخر وإذا ما استثنينا بعض الومضات الخاطفة التي كانت تلمع هنا أو هناك من بعض الأنظمة ،و بغض النظر عن حساب المعطيات والنتائج فإن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه في مقامنا هذا هو: ماذا يمكن لأنظمة ديكتاتورية فاقدة للشرعية والمشروعية ، تستمد قوتها في الحفاظ على عروشها وتيجانها من رضا إسرائيل ومباركة سيدها في البيت الأبيض أن تقدم للأقصى والقضية الفلسطينية؟
هل تعرضت القدس للاحتلال والتهويد.. إلا بتواطئ من بعض حكام الأنظمة والحكومات العربية ؟ وهل دافع عن الاحتلال وحدوده وأمنه إلا بعض الحكومات العربية التي اعتبرت أمن الصهاينة وحمايتهم أهمّ من أمن بلدانهم وشعوبهم؟.
في الحروب العدوانية التي شنها الاحتلال الصهيوني على غزة وعلى لبنان ، هل حاربت هذه الأنظمة مع أهلنا في غزة ومع حزب الله في لبنان ، أم كانت تحرض الصهاينة على مواصلة عدوانهم ،وتعرض عليهم خدماتها وإمكانياتها!”.
العدوان
عن العدوان كتب الفقيد أحمد النهمي العديد من المقالات نختار منها: “أرادت السعودية وتحالفها من العدوان على اليمن أن تجترح انتصار خاطفاً مؤزراً يمكنها من النفوذ إلى قيادة الأنظمة العربية وحماية حمى العالم الإسلامي ، والظهور كأهم قوة عربية إسلامية في المنطقة.
خلال أربعة أعوام من العدوان انكشف المستور وصحا العالم على صوت (ترامب) وهو يعلن أن السعودية دولة فاشلة ضعيفة لا يستطيع أن يستمر نظامها بدون الحماية الامريكية لأيام، أو بعض أسابيع..
خلال أربعة أعوام رأى العالم أجمع السعودية وهي تغرق في وحل جرائمها وعمالتها: جرائم حربها على اليمن واليمنيين..
جرائم الإعدام الوحشي والاعتقال التعسفي في حق بعض أبناء شعبها من العلماء والمفكرين (خاشقجي ، نموذجاً).
خلال أربعة أعوام.. شاهد العالم أجمع حجم سفاهة نظام السعودية وهو يبدد أموال شعبه في شراء الذمم وتقديم الرشاوي والقرابين صاغراً ذليلا لمن يستمد منهم شرعية حكمه من أعداء الأمة..
خلال أربعة أعوام تعاظم إجرام النظام السعودي في حق بيت المقدس والقضية الفلسطينية ورأى العالم خدام الحرمين الشريفين وهم يروجون علناً لفضيحة صفقة القرن، ويدفعون الفلسطينيين والعرب بالترغيب والترهيب إلى التطبيع مع إسرائيل….. إلخ.
– نعم سقطت المملكة وتحالفها.. وما زالت في طريقها إلى مزيد من السقوط بفعل جرائمها وعمالتها.
– وسقط معها أولئك الذين كانوا يراهنون عليها وعلى تحالفها الأجرب في إعادة الشرعية ،وحماية النظام الجمهوري .. بعد أن ظهرت الأجندة الاحتلالية الخفية للتحالف الإماراتي السعودي، ووجد القوم أنفسهم مجرد دمى لا تستطيع أن تمتلك قرار تحديد فندق الميت.. فضلاً عن قرار قيادة دولة وسيادة وطن”.
“بعد أربع سنوات من العدوان والجوع والحصار والموت اليومي والتشظي الاجتماعي في الوطن تتجلى حقائق أربع أفرزتها الفترة السابقة لا ينكرها إلا أعمى:
1 – أن تدخل قوى العدوان الخارجية في الشأن اليمن لم يكن إلا من أجل أجندتها الخاصة وأطماعها غير المشروعة التي لا تتحقق إلا في ظل انقسام اليمنيين واقتتالهم، وخلق الصراع البيني وإدامته، والعمل على إفقار اليمنيين، وتجويعهم ونهب مواردهم، والسيطرة على اليمن أرضنا وإنساناً.
وبالتالي يجب أن تتوحد كل القوى لتخليص الوطن من لعبة الصراع الدولي، وتحريره من رجس الاحتلال وأطماعه.
2 – على كل الأطراف الداخلية أن تفهم جيداً أن الوطن لن يحكمه أحد بالغلبة والقوة، وأن الشعب وحده هو من يختار حكامه عبر صناديق الانتخابات والشعب وحده هو مصدر السلطة ومالكها.
3 – إن استمرار اليمنيين على هذا الوضع لا يعني سوى استمرار العدوان والحرب والحصار والمزيد من القتل والدمار، والإفقار والتجويع وإهلاك الحرث والنسل، وتمزيق المجتمع والقضاء على ما تبقى من بنيته الاجتماعية والاقتصادية وما تبقى في روحه من حياة..
4 – إن صناعة السلام في اليمن من قبل الخارج أمر طال انتظاره، ولم يتحقق شيئا فعليا حتى الآن لذا يجب أن يكون السلام مسؤولية وطنية تقع على عاتق اليمنيين أنفسهم على قاعدة أن الوطن لن يكون لائقاً لك ولأبنائك إلا إذا كان لائقاً لجميع اليمنيين”.
“وصفت الرياض السعودية في عددها الصادر بتاريخ يوم الخميس 21 يونيو 2018م حزب الإصلاح بأنه “كيان خبيث” وأن جماعة الإخوان التي ينتمي إليها الإصلاح “حركة وصولية انتهازية” تريد أن تستثمر انتصارات التحالف لصالحها في إشارة إلى معركة الحديدة وبيان الإصلاح الأخير المساند للتحالف جملة وتفصيلا.
الإصلاح الذي يقاتل منذ ثلاث سنوات، وقدم آلاف القتلى من عناصره، بين يدي قوات التحالف ما يزال في نظرهم مجرد كيان خبيث، وصولي انتهازي، وهذه النظرة لن تختلف كثيراً بالنسبة إلى بقية الكيانات الأخرى التي تقاتل في صفوفه.
الحقيقة التي بات كل ذي عقل يدركها هي أن التحالف لم يغامر في عدوانه على اليمن، ويضحي بهذه الخسائر الفادحة إلا من أجل أجندته الخاصة وأطماعه اللا مشروعة وخدمة لقوى النفوذ العالمي في ممرات اليمن المائية وجزره الاستراتيجية والحقيقة الأخرى هي أن التحالف ينظر باحقتار لليمنيين الذين يقاتلون في صفوفه ولهذا يقدمهم لمحارق الموت في معارك لا حيطة فيها لتجنب حساب الخسائر البشرية، والأدهى من ذلك أن طيران التحالف نفسه قصفت غاراته عشرات المرات من يقاتلون في صفوفه، وقتلهم مع سبق الإصرار والتعمد، دون أن يصدر منه مجرد أسف أو اعتذار في تصريح باهت.
النظام الجمهوري الديمقراطي الذي تزعمون اليوم أنكم تخوضون المعركة من أجله مع أنكم تعلمون أنه ظل مجرد شعار شكلي ديكوري يتخفى خلفه الاستبداد الذي كنتم أدواته طوال الفترات السابقة”.
” يكشف استقراء الماضي القريب والبعيد أن ما يجري اليوم من حرب عدوانية على اليمن تقودها السعودية بعد ثورة 21 سبتمبر 2014م وسقوط أدواتها التي ظلت تتحكم بواسطتهم في القرار اليمني لعقود من الزمن- وإن كانت الأكثر همجية وبشاعة وإجراما وإرهابا- فإنها ليست نشازاً، أو استثناء بل هي امتداد للعدوان السعودي وأطماعه التوسعية ومؤامراته الخبيثة على اليمن عبر المراحل المختلفة فالكيان السعودي عادة ما يصاب بجنون البقر تجاه أي محاولة يمنية تستهدف قيام نظام يمني ديمقراطي موحد قوي يمكن أن يستقل بقراره السيادي ويتحرر من الهيمنة السعودية والوصاية الخارجية ويمنع قوى النفوذ العالمي وأدواتها الوظيفية في المنطقة العربية من الاستيلاء على ثرواته وممراته المائية والعبث بأمنه واستقراراه، فلا يهدأ له بال حتى يتم سحق هذه المحاولة والقضاء عليها أو على الأقل تفريغها من محتواها لتبقى شكلاً بلا مضمون”.
“الخلاصة ما لم تستوعب الأطراف اليمنية المختلفة خطورة المرحلة الراهنة التي تستوجب التخلص من الارتهان للقوى الخارجية والسعي إلى تحقيق مصالحة وطنية شاملة من خلال حوار يمني يمني يقدم مصلحة الوطن العليا على كل المصالح الحزبية الضيقة فإن هذه الأطراف ستظل وقوداً للصراع البيني الذي ينتج عنه التفريط بسيادة الوطن وتسليمه للقوى الخارجية”.
“21 طعنة أحسستها تخترق جدران روحي، وأنا أشاهد صور 21 شهيداً معلقة على لوحة بمدخل كلية الآداب بجامعة ذمار الحادية عشرة صباحا اليوم.
21 شهيداً كلهم من قرية واحدة في مغرب عنس وأغلبهم من آل الجهيزي وآل الجنبي، وكلهم من ضحايا قصف تحالف الإرهاب العدواني على لوكندة مديرية أرحب .
21 شهيداً، أغلبهم طلاب جامعيون أنهوا قبل أيام امتحانات الفصل الثاني، وانطلقوا يبتغون من فضل الله مصاريف العام الجامعي الجديد، كما يفعلون في إجازة كل عام.
21 شهيدا كانوا يغطون في نومهم آمنين بعد يوم شاق في مزارع أرحب بانتظار أذان الفجر وصلاة الصبح ومعاودة العمل بأجر يومي زهيد، تنتظره أسرة عفيفة كادحة لتشتري كسرة خبز أو علبة دواء.. لكن صوت مقاتلات أكبر مجرمي العصر، وأنذل إرهابيي العالم كانت أسبق من صوت الأذان فتناثرت أجسادهم النحيلة المثقلة على الأرض وصعدت أرواحهم إلى السماء.
21 شهيداً تشرعن قتلهم شرعية فنادق الرياض، وتتسابق بغالها الإعلامية على خلق المبررات للقتلة، وتزوير الحقائق لقاء مكرمة ملكية تتفضل عليهم بفتات الفتات.
21 شهيداً وعشرات الجرحى، من قرية واحدة، وأسر متقاربة، وضعف العدد من أماكن متفرقة وأضعافهم من الجرحى، لم يأبه لهم العالم ولا منظماته التي باعت ضمائرها للنخاس السعودي في مزاد علني.
حتى أطراف الداخل.. أي والله حتى الأنصار والمؤتمر تعاطت مع الجريمة ببرودة أعصاب والتفت كل منهم إلى استعراض عضلاته، في سباق على “فتوة” الوهم، وهيلمان الوهم الآخر.
يا وجعي… أي زمنٍ هذا”..
زراعة السلام
عن السلام كتب الفقيد المرحوم الدكتور أحمد صالح النهمي ما يلي: “معركة السلام مثل معركة الحرب.. تحتاج إلى قيادة منظمة تدير عملياتها وفقا لخطط مدروسة وفريق مدرب متفان في خدمة الأهداف وإعلام مساند، وجماهير تتفاعل شعبيا وإمكانيات تسهل العقاب.
ولأن السلام في الحالة اليمنية أضحى مطلبا شعبيا وإنسانيا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من محارق الموت والهلاك والدمار، فقد تعالت به الأصوات وتوالت المبادرات الجمعية والرؤى الفردية من هنا وهناك، بيد أن هذه الأصوات والمبادرات على أهميتها ونبل غايتها ظلت جهوداً مشتتة، وأفكاراً وقتية مبعثرة، لا يجمعها جامع، ولا ينتظمها كيان واحد فاعل، ومن هنا فإن الخطوة الأولى في صناعة السلام في اليمن تكمن في استيعاب هذه الجهود والمبادرات والرؤى وانتظامها في كيان وطني واحد تقوده إدارة كفؤة من شخصيات اليمن الوطنية، وقياداتها الفكرية والسياسية والاقتصادية والعسكرية المستقلة التي تحظى بثقة الجماهير وتقدم مصلحة الوطن على كل المصالح الأخرى.
ينطلق هذا الكيان من إيمان مطلق بأن السلام في اليمن لن يتحقق إلا من خلال إيقاف الحرب والانتصار للسلام، فالحسم العسكري أضحى مستحيلاً، والاستمرار في الحرب لا يعني سوى المزيد من القتل والدمار وإهلاك الحرث والنسل، وتمزيق المجتمع والقضاء على ما تبقى من بنيته الاجتماعية والاقتصادية وما تبقى في روحه من حياة بعد الحرب.
إن السلام في اليمن هو مسؤولية اليمنيين أنفسهم، فلن يجلبه لهم غيرهم، وقد أثبتت الفترة الماضية من عمر الحرب أن القوى الخارجية لم تتدخل في الشأن اليمني من أجل مصلحة اليمن واليمنيين بل كان تدخلها من أجل أهدافها الخاصة ومشاريعها وأهدافها وأجندتها التي لا تتحقق إلا في ظل انقسام اليمنيين واقتتالهم، وبعض هذه القوى الخارجية تعمل جاهدة على استمرار الحرب ومدها بالوقود والحطب الذي يزيد من اشتعالها لتغذية الصراع اليمني اليمني وإدامته.
إن إيقاف الحرب مسؤولية وطنية يجب أن تنهض بها قوى الشعب المختلفة التي تنشد السلام وتشكل في مجموعها التكتل الوطني للسلام.
وعليها من أجل القيام بمسؤوليتها أن تشترك في صياغة مبادرة وطنية عادلة شجاعة تقدم مصلحة الوطن على مصالح الأطراف المتصارعة والعمل على حشد التأييد الشعبي لها وبالتالي الضغط على أطراف الصراع لإيقاف الحرب والجنوح للسلم الذي ينتصر فيه الشعب اليمني للحياة والأمن والاستقرار والقضاء على أشباح الموت والهلاك والدمار، فالانتصار الحقيقي والدائم هو انتصار السلام وليس انتصار الحرب، ومن تخلف عنها فهو عدو الشعب جميعا.
إن السلام الحقيقي الذي يمكن أن تلتف حوله الجماهير اليمنية وقوى المجتمع عامة هو ذلك السلام المتحرر من هيمنة أطراف الصراع عليه، القائم على العدل والشراكة ومراعاة المصالح الوطنية العليا.. إنه السلام الذي يشكل فاتحة الطريق إلى المستقبل وبناء الدولة اليمنية العادلة التي يرتضيها الشعب وتتحقق من خلالها آماله المنشودة.
دعونا نزرع الأمل”.
الفساد
تناول الدكتور النهمي الفساد في كتاباته، وحول ذلك نختار ما يلي: “يقولون: معزية بعد شهرين مجددة كل الأحزان.. فما بالك بإصدار قانون طوارئ لملاحقة الطابور الخامس بعد عامين..
إنني على قناعة بأن أي طابور لم ولن يستطيع أن يخلخل موقف الناس من العدوان وحقارته ومناهضته لأنهم يشاهدون جرائمه بشكل يومي أو شبه يومي.. ولهذا لم تتناقض نسبة المناهضين للعدوان بل زادت..
وحده.. طابور الفاسدين الذين يستغلون ما بأيديهم من سلطة في تقديم النموذج الأسوأ في إدارة الشأن العام بما يمارسون من سلوك فاسد وعبث بالوظيفة العامة.. هم الذين يستفزون مشاعر الناس ويجعلونهم يترحمون على كل الفاسدين قبلهم..
يا هؤلاء: إن تحصين المجتمع من أي طابور يخدم العدوان يكون بتطهير المؤسسات من الفاسدين، وتقديم النموذج المثالي في إدارة الشأن العام وتحقيق العدل وإنصاف المظلومين، والمساواة في الوظيفة العامة، والحفاظ على الموارد المالية وصرف مرتبات الموظفين أو ما استطاعوا منها بكل إخلاص وأمانة.. وسوى ذلك من الإجراءات التي تعود بالنفع على المجتمع بشكل عام.
وقبل هذا وبعده: أليس قانون الطوارئ هو الذي يحكم البلاد بعد العدوان، وقبل العدوان وقبل قبله أيضا..؟.
وتحت عنوان : “طبع العملة.. والأربعون حرامي” كتب الفقيد الدكتور أحمد النهمي”
“من يظن أن شرعية (هادي) ومن يدور في فلكها هي صاحبة القرار في الطبع المتتالي للعملة النقدية المحلية، فهو كمن يمشي على أربع.
(هادي) و(بن دغر والأربعين حرامي) لا يفعلون إلا ما يؤمرون، وأقصى ما يتوخون إنجازه أمام هكذا قرار هو تحسين حصة الكبار من الأوراق المطبوعة واستبدالها بأوراق النقد الأجنبي أو الذهب، وتسهيل إيداعها في بنوك خارجية.. مقابل ما يقومون به من خدمات.
إغراق البلاد بين فينة وأخرى بأوراق النقد المحلي سياسة عدوانية تمارسها دول التحالف في حربها الاقتصادية على الشعب اليمني لا تقل في بشاعتها عن العدوان العسكري إن لم تكن أشد. فهي تصب الزيت على نيران الأسعار التي تلتهب يوميا بفعل تسارع انخفاض قيمة الريال اليمني المنخفضة أصلا، وتدهورها المستمر أمام الدولار في مجتمع مئات الآلاف من موظفيه بلا مرتبات منذ سنوات لصنع مجاعات كارثية قاتلة لن تقف آثارها عند حدود المناطق التي تحكمها سلطة صنعاء، بل ستحاصر نيرانها كل اليمنيين، ولن تستثني أحداً…
دول تحالف العدوان لن ترفع يدها عن اليمن إلا بعد أن تتأكد من تدميره على كل المستويات وأنه لن يتعافى ويعود إلى ما كان عليه قبل عقود من الزمن على الأقل.
فماذا ستفعل حكومة (الإنقاذ) بصنعاء؟
هل تمتلك سياسة اقتصادية وطنية قادرة على حماية المواطن اليمني من سياسة العدوان التدميرية القاتلة بتوفير الحد الأدنى من المرتبات وبطاقات السلع الغذائية بشكل منتظم؟
أظن ومن خلال نكث الحكومة في وقت سابق بتعهداتها أمام البرلمان أكثر من مرة بمعالجة صرف مرتبات الموظفين – وأتمنى أن يخيب ظني- أن من يؤمل فيها خيراً فهو كمن يزحف على بطنه”.
الدولة المنشودة
عن الدولة المنشودة كتب الدكتور أحمد النهمي – رحمه الله-: “منذ ثلاثينيات القرن الماضي كانت الدولة المدنية التي يتحقق في ظلالها العدل وتتجسد المساواة، ويحكم الشعب فيها نفسه بنفسه، هي الدولة التي ناضل وما يزال يناضل في سبيل تحقيقها مفكرو الطلائع النخبوية الثقافية والسياسية في اليمن، وما تزال هي الحلم الذي لم يتجاوز إطاره النظري في حركات التغيير الثورية التي شهدتها الساحة اليمنية منذ ثورة الدستور 1948م ومرورا بثورتي سبتمبر وأكتوبر وما تلاهما من أحداث وحركات تغيير حتى اليوم، فيما ظل الاستبداد بالحكم واحتكار السلطة والثروة وإقصاء الآخر هي القواسم المشتركة بين السلطات المتعاقبة على حكم اليمن، باستثناء بعض الومضات المحدودة في تاريخ اليمن المعاصر.
في مؤتمر الحوار قدم الشهيد البروفيسور أحمد شرف الدين رؤية سياسية عن شكل الدولة المنشودة، محددا ملامحها بأنها الدولة المدنية التي يغيب فيها الخطاب الديني في مواجهة الشعب، فالدين يكون للشعب، والدولة ينبغي أن يغيب عنها الخطاب الديني معللا ذلك بأننا جربنا الدولة الدينية على مئات السنين، وكانت الدولة عندما تتبنى الدين فإنها تتقمصه في صورة مذهب معين وتلغي المذاهب الأخرى فينتج ذلك صراعا.. فيما الإسلام قراءات متعددة، ولذلك نقول الدين للشعب بتنوعاتها المختلفة.. والدولة تكون بعيدة عن الخطاب الديني ولكن من واجب الدولة أن ترعى الحقوق الدينية.. الخ”.
لم يتحمل أعداء الحياة فكرة الدكتور شرف الدين ورؤيته التقدمية في صياغة البرنامج النظري لبناء الدولة المدنية الديمقراطية العادلة، ولم يحتمل تجار الحرب الدور الحيوي للشهيد في القضاء على أسباب الفرقة وتبديد دواعي الاقتتال بين الخصوم السياسيين الذي كان يحذر منه في كل خطاباته وحواراته فسارعت أيادي الإجرام إلى اغتياله والتخلص منه قبل أن يخرج مشروعه التنويري التقدمي للناس، فيتشكل الوعي العام بهذا المشروع ويصبح مطلبا جماهيريا لا نخبويا، قبل الشهيد شرف الدين وبعده طالت أيادي الغدر والخيانة عدداً من زملائه الحالمين بالدولة المدنية العادلة من العقول المفكرة التي ظنوا أن التخلص منهم يعني وأد ما يمتلكون من رؤى فكرية ومشاريع وطنية وحس سياسي، يمكن أن تفضح مؤامرات العدو المتربص بالوطن من خارج الحدود، وتمنع الاقتتال الداخلي بين أبناء الوطن الواحد.
لقد اعتقدوا أن التخلص من هذه العقول سيجعل الطريق ممهدة للسيطرة على اليمن وفرض من يريدون حكاما عليها، وأن الحرب لن تتجاوز أياما أو أسابيع يستعرضون فيها قواتهم المرعبة من الجو والبحر والبر لكنهم فوجئوا بما لم يكن في الحسبان فما يزالون منذ ما يقرب من عامين يدورون في حلقة مفرغة ويقترفون جرائم حرب يومية بحق المدنيين في ظل صمت وتواطؤ عربي وعالمي، وما يزال اليمنيون يسطرون ملاحم الدفاع عن الوطن، ويلقنون الغزاة دروساً قاسية في بسالة لا نظير لها تشهد بعظمة هذا الشعب وشجاعة أبنائه البواسل.
يوما ما ستنتهي الحرب، ويتوقف العدوان عن جرائمه، لكن حلم قيام الدولة المدنية الديمقراطية العادلة التي رفع لواءها مفكرو اليمن أصبحت اليوم مطلبا شعبياً، لا يمكن التنازل عنه بعد هذه التضحيات الكبيرة، ولا يمكن لأنظمة السعودية والخليج الرجعية التي شكلت عائقاً كبيراً دون تحقيق هذا الحلم على مدار عقود من الزمن أن تقف اليوم دون تحقيق حلم اليمنيين ببناء دولتهم المدنية الديمقراطية العادلة».