الأمم المتحدة وجرائمها في اليمن
د. يوسف الحاضري
عندما نتكلم عن الأمم المتحدة وعن الدور الذي يجب أن نضطلع به وتقوم به تجاه ما وصفته هي (أكبر مأساة إنسانية في الأرض) وعندما نقوم بالتنديد والاستنكار لمواقفها السيئة السلبية ونقوم أيضا بالوقفات الاحتجاجية أمام مقرها في العاصمة وعندما نطالبها بالقيام بدورها الإنساني والقانوني، فنحن لا نقوم بذلك من منظور الاستجداء أو من منظور أننا نأمل منها شيئا أو نستغيث بها ونركن إليها ولو حتى شيئا قليلا ، لا على الإطلاق ، فنحن منذ أول لحظة ندرك تماماً بأن الأمم المتحدة هي سلبية في التعاطي وبأن أدوارها سلبية دائما فخلال حوالي 75 عاما منذ أن تأسست حتى يومنا هذا لم تنصر مظلوما أو مستضعفا ولم تقف مع دولة تستحق أن تكون معها ، فتاريخها يفضحها في جميع الدول وملايين الجثث التي سقطت ظلما في كثير من الدول وشلالات الدماء التي سفكت وملايين الكيلومترات من الأرض التي تجزأت وتقسمت وتشرذمت وآلاف المجرمين الذين لم يمسهم أي سوء أو يتلقوا أي اتهام بل مازال الكثير منهم يمارس إجرامه لليوم تحت مظلتها كل هذا وأكثر شاهد ودليل عن هذه المنظمة والتي لم تدخل أي دولة إلا وكانت النتيجة لهذا الدخول والتدخل كارثية على هذه الدول وعلى أبنائها لصالح الدول الاستكبارية الاستعمارية أصحاب الأموال والنفوذ ، ولنا في الصومال وأفغانستان وكوريا وفيتنام ويوغسلافيا والبوسنة والهرسك والعراق واليمن وقضيتنا الأم فلسطين وغيرها أدلة واضحة وفاضحة لهذه الهيئة وأدوارها .
ففي اليمن نعيش أكبر فضائح هذه الهيئة الأممية على الإطلاق وسنذكر بعض الأمور في هذا الخصوص وذلك كالتالي :-
أولا :- رفضت الأمم المتحدة مع مجلس حقوق الإنسان في أكثر من مرة طلب اليمن تشكيل لجنة تحقيق دولية تقوم بالتحقيق الشفاف والعادل في الجرائم التي ارتكبت في اليمن من أي طرف كان ، حيث كان أول طلب مقدم إليها في بداية العدوان 2015م والذي لو تشكلت اللجنة أن أكثر من عشرة آلاف جريمة لاحقة ارتكبت في الأعوام اللاحقة 2016 و2017 و2018 و2019 و2020م ما ارتكبت ، وكذا رفضت الطلب في 2016م وفي كل مرة تتقدم بها اليمن (ممثلة بحكومة صنعاء) ولعل آخرها ما طالبنا به بالأمس القريب الموافق 15 يونيو 2020م بتشكيل اللجنة إثر جريمة تحالف العدوان الأمريكي السعودي في مديرية الحزم بمحافظة الجوف وسقط إثرها عشرات الأطفال والنساء شهداء ، وهذا الرفض ناتج بطبيعة الحال من منطلق حماية المجرم وتذليل الوضع ليرتكب جرائم أكثر وأكبر فلو كانت الأمم المتحدة تدرك أن هناك جريمة واحدة ارتكبها الجيش اليمني ولجانه الشعبية لكانت قد ملأت الأرض صراخا للتحقيق والإدانة والاستنكار!
ثانيا :- قامت الأمم المتحدة ممثلة بأمينها السابق بان كي مون (2016م) وأمينها الحالي غوتيرتش (2020م) بإخراج النظام السعودي وتحالفها من قائمة العار (البلاك لست ) لقتلة أطفال اليمن وهذا يعني تسهيلاً مقدماً على طبق من ذهب للتحالف المجرم ليستورد أي كمية من الأسلحة من أي دولة لتصبها فوق رؤوس أبناء اليمن ، لذا فإن الجرائم التي ارتكبت بعد القرار الأول في 2016م يتحملها الأمين السابق وأيضا الأمم المتحدة لأنه أعطى ضوءاً أخضر لهذه الجرائم وغطاء شرعياً ودولياً لها وأيضا أي جرائم ارتكبت القرار الثاني 2020م يتحملها الأمين الحالي والأمم المتحدة وهذه تبعات وجرائم تضاف إلى سابقاتها.
ثالثا :- التعاطي السلبي واللامبالاة بعد كل جريمة يرتكبها التحالف بحق المدنيين اليمنيين وأعيانه المدنية رغم فضاعتها وشناعتها وبشاعتها ووضوحها وضوح الشمس والتعامل معها وكأن تلك الدماء والأشلاء لا قيمة لها ولا وزن لأن تتحرك وفي بعض الأحيان وتحت الضغط الإعلامي لأحرار العالم تصدر بيانا مبهما فيه (ندعو جميع الأطراف لاحترام القوانين الدولية وحماية المدنيين) وآخرها بيان للمبعوث الأممي تجاه أشلاء 31 طفلا وامرأة تناثرت أجسادهم بعد قيام طيران العدوان السعودي باستهدافهم في منزلهم في الجوف بتاريخ15يوليو2020م ، وهذا أيضا يحملها المسؤولية الكاملة عن كل جريمة ارتكبت في اليمن بعد أول جريمة في فجر الـ26مارس2015م والتي لو قامت بواجبها المفروض عليها منذ أول طفل وامرأة سفكت دماءه لما كانت بقية الجرائم قد ارتكبت وهذا يجعلها في دائرة التحمل الكلي للمسؤولية كما تتحمله أنظمة دول العدوان على اليمن جملة وتفصيلا .
رابعا :- الحصار المضروب على اليمن وبتواطؤ أممي أدى لسقوط وفيات بين الأطفال والنساء والرجال اليمنيين يفوق ضحايا القصف المباشر للتحالف بـ10 أضعاف سواء بالأمراض أو بالجوع أو بنقص الأدوية أو غيرها ، فمثلا عندما قام تحالف العدوان في منتصف 2016م بنقل المعاملات البنكية لليمن من عاصمة اليمن صنعاء إلى مدينة عدن الواقعة تحت الاحتلال من قبلهم قامت به من داخل الأمم المتحدة وبمباركتها وتعهدت الأمم المتحدة بالاستمرار بدفع الرواتب لأكثر من 2 مليون موظف كما كان عليه الوضع عندما كان في صنعاء بيد أنصار الله ، ولكنه منذ تلك اللحظة (سبتمبر2016م حتى هذه اللحظة يوليو 2020م) حوالي 47شهرا لم يتم تسليم الرواتب لهؤلاء الموظفين وهذا أمام مرأى ومسمع ومباركة الأمم المتحدة والتي لم تحرك ساكنا تجاه هذه الجريمة الشنعاء معرضة ملايين اليمنيين لخطر الفقر وهذا ما اتضح في بيان منظمة الغذاء العالمي (التابعة لها) عندما وصفت بأن المحتاجين لمساعدات غذائية عاجلة ارتفع من (2مليون يمني) قبل 2015م (أي قبل العدوان) إلى 12 مليون يمني في 2020م والسبب الحصار والعدوان على اليمن وإيقاف الرواتب أي أن الأمم المتحدة ساهمت بارتفاع نسبة الجوع والفقر في اليمن بنسبة 600%.
خامسا :- المشتقات النفطية والتي منعت منها اليمن منذ أكثر من شهرين ويعيش اليمن اليوم على مشارف كارثة تزيد وضعها الحياتي مأساة أشد مما هي عليه (رغم أنها توصف اليوم بأكبر كارثة إنسانية عالمية) ، كل ذلك بمباركة أممية بل كان بتوجيه أممي عندما هددوا حكومة صنعاء بأنها لو دفعت نصف راتب لموظفي اليمن (ركزوا على كلمة نصف راتب) بأنها ستقوم بمنع السفن النفطية من الوصول إلى أبناء اليمن وبالفعل نفذت تهديدها هذا أمام مرأى ومسمع وسلبية المجتمع الدولي وتقمصت هذه المرة وبكل وضوح ثياب وعقال قيادة تحالف العدوان وتزعمتهم بكل وضوح وخبث وإجرام .
هذه الأمور وغيرها من الأمور تضع الأمم المتحدة على قائمة قيادة تحالف العدوان والحصار على أبناء اليمن وهذا أيضا يحملها المسؤولية القانونية والجنائية والإنسانية والأخلاقية والتاريخية تجاه ما حصل ويحصل وسيحصل في اليمن .
افتضح دور هذه المنظمة وأجندتها الخفية في اليمن وأصبحت مرئية رأي العين ، والتي كانت تقوم بها وتنفذها في دول سابقة بشكل خفي فتعرت لأسوأ حال فأصبح العالم يدرك دورها الإجرامي بحق أبناء اليمن ومساندتها لدول العدوان على اليمن تارة بإعطائها الضوء الأخضر لارتكاب جرائم وتارة بإعطائها المسوغ القانوني وتارة بإظهارها بصورة إنسانية وأنها يد ممددة للخير وإنقاذ أبناء اليمن وتارة بمنع المشتقات النفطية وتارة بنقل البنك إلى عدن وهكذا.
لذا أضع بين أيدي الجميع من الأحرار في العالم كل هذا ليفكروا جديا برفع ملفات جنائية ضد القائمين على هذه المنظمة مثلهم مثل قيادات أنظمة تحالف العدوان السعودي والإماراتي والأمريكي وغيرها ، فكل هذه الجرائم لن تسقط بالتقادم على الإطلاق .