الثابت والمتغير .. بعد نصف عقد من العدوان على اليمن
السفير/ محمد محمد السادة*
بعد نصف عقد من عدوان التحالف السعودي على اليمن أضحت صنعاء أكثر بعداً للنيل منها عسكرياً ،فيما أضحت المدن السعودية والإماراتية بما فيها من بنك أهداف عسكرية وحيوية في مرمى قوات الجيش واللجان الشعبية ، أما سياسياً فقد أبدت حكومة الإنقاذ الوطني قدراً عالياً من المرونة والاستعداد للتقارب مع كل الأطراف وفي مقدمتها النظام السعودي لوقف العدوان وإحلال السلام العادل والمشرِّف للجميع ،وفي إطار ذلك قدمت حكومة صنعاء مبادرتها الشاملة للحل من خلال تقديمها رؤية وطنية لإيقاف العدوان، وهو الأمر الذي افتقدته بقية الأطراف ،لاسيما النظام السعودي الذي يكتفي بمجرد محاولات لإيجاد وسطاء لإجراء حوار لا يرقى إلى المفاوضات مع حكومة الإنقاذ الوطني.
صنعاء تتفوق عسكرياً وسياسياً
خلال خمس سنوات من العدوان تمكنت قوات الجيش واللجان الشعبية من تطوير قدرات عسكرية نوعية، جعلتها تُمسك بزمام المبادرة وتُثبت قدرتها على ضرب الأهداف العسكرية والحيوية في العمق السعودي والإماراتي دون اعتراض ،لذا باتت القدرات الصاروخية الهاجس المؤرق للنظام السعودي الذي عجز عن حماية مُدنه من تلك الضربات، حيث أصبحت كل المنشآت العسكرية والحيوية السعودية في مرمى قدرات الجيش واللجان الشعبية ، ولا ضمان لوقف الضربات الباليستية والطيران المسيِّر إلا بمفاوضات سعودية جادة مع حكومة الإنقاذ الوطني، ما لم فالأمر وارد لتكرار ضربات لا يُمكن تحملها كتلك التي استهدف مُنشآت نفطية تابعة لشركة أرامكو في بقيق و خريص على بُعد أكثر من 1400 كم من صنعاء.
وعلى صعيد العمليات القتالية البرية فقد أثبت الجيش واللجان الشعبية تفوقه الذي يشهد له الجميع ،وما العملية الكُبرى المسماة “نصر من الله” في نجران إلا مثال لصفعة عسكرية لا مثيل لها في تاريخ الحروب، حيث كانت حصيلتها أكثر من 3000 ما بين قتيل وأسير ومنهم عشرات من الضباط والجنود السعوديين ،واغتنام كميات هائلة من السلاح الحديث ، أضف إلى ذلك الانتصارات العسكرية الاستراتيجية الأخيرة المتمثلة باستعادة مدينة الجوف ،والعمليات العسكرية الدائرة حالياً لاستكمال استعادة مدينة مارب التي تشكل معقل عمليات التحالف وقوات هادي ،ومركز الثقل العسكري لحزب الإصلاح، الأمر الذي يعني خسارة أهم الجبهات العسكرية التي راهن من خلالها تحالف العدوان وحزب الإصلاح على دخول صنعاء، بل إن سيطرة الجيش واللجان الشعبية على الجوف ومارب تعتبر حسماً للمعركة الرئيسية، وضربة في مقتل للتحالف وحكومة هادي وحزب الإصلاح ،بالإضافة إلى انكشاف الحدود الجنوبية للسعودية أمام الجيش واللجان الشعبية.
مؤتمر الرياض للمانحين.. ذروة النفاق والسقوط الأخلاقي
في الوقت الذي عجز فيه نظام محمد بن سلمان عن تحقيق أي مكاسب عسكرية ،أو تقديم رؤية واقعية للحل السياسي في اليمن ذهب لمحاولة لتحسين صورته القبيحة أمام المجتمع الدولي والظهور بالمظهر الإنساني و الأخلاقي الداعم لليمن من خلال استضافته لمؤتمر المانحين مطلع شهرنا الحالي يونيو ،دون أدنى اعتبار لما سيحققه هذا المؤتمر من نتائج، لذا فقد شكل انعقاد المؤتمر في الرياض استفزازا لمشاعر الملايين حول العالم وفي مقدمتهم اليمنيين الذين لم ينلهم من تحالف العدوان السعودي سوى الحصار والتجويع، وارتكاب أبشع الجرائم والانتهاكات التي لا تقرها كل القوانين والأعراف والشرائع السماوية، لذا فقد هذا المؤتمر مصداقيته ،وكان أكثر مؤتمرات المانحين فشلاً بشهادة مارك لوكوك مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية الذي وصف نتائج مؤتمر الرياض بأنها غير مرضية، حيث فشل المؤتمر في تحقيق الهدف المعلن منه وهو جمع 2.4 مليار دولار ،وكانت تعهدات المانحين هي الأقل منذ أول مؤتمر للمانحين لليمن ، وبالمحصلة فهذا المؤتمر كما وصفه البعض بأنه ذروة نفاق المجتمع الدولي ، كما أن إضفاء الأمم المتحدة الشرعية على هذا المؤتمر، وإعلان الأمين العام للأمم المتحدة مؤخرا قرار رفع اسم ما يُسمى التحالف العربي بقيادة السعودية من القائمة الأممية السوداء الخاصة بقتل الأطفال، هو ذروة النفاق الأممي.
ما لبث مؤتمر الرياض للمانحين أن ينتهي حتى أفرغه النظام السعودي من محتواه الإفتراضي من خلال قيام تحالف العدوان بتشديد الحصار على اليمن ومنع دخول سفن المشتقات النفطية برغم تفتيشها وحصولها على تراخيص أممية لاسيما في ظل جائحة كورونا وما قد يسببه ذلك من جريمة إنسانية جديدة من خلال تعطيل ما تبقى من إمكانيات بسيطة للقطاع الصحي لمكافحة هذا الوباء المستشري ،خصوصاً المستشفيات التي تعتمد كلياً في تشغيلها على مادة الديزل ، لذا فاليمن ليس بحاجة لمؤتمرات فاشلة، كون المساعدة الحقيقية التي يحتاجها هي الترجمة العملية للإجماع الدولي على أن إنهاء المعاناة الانسانية لليمن يبدأ بوقف إطلاق النار ورفع الحصار المفروض على اليمن.
مستقبل السلام
لاشك أن انهيار اتفاق السويد وفشل المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفث في تحقيق تقدم ملموس مرتبط بالاعتقاد الخاطئ لدى النظام السعودي في أن خيار السلام أو استمرار الحرب هما أمران أحلاهما مُر ، فالحوار وصولاً للحل يعني فشل عاصفة الحزم ،كما سيُعري النظام السعودي بشكل أكبر، لاسيما وأن الموقف التفاوضي لحكومة الإنقاذ الوطني أصبح أقوى من أي وقت مضى، فيما استمرار الحرب سيزيد الكلفة العسكرية والاقتصادية التي لم يعد النظام السعودي قادراً على تحملها ، وهذا يعني أنه لم تعد هناك خيارات جيدة لمغادرة المستنقع اليمني برأس مرفوع، ومع ذلك يظل الحل السياسي هو الأسلم ،كما يبدأ بتغيير النظرة السوداوية للنظام السعودي بأن اليمن تهديد وجودي لأمنه، وأن حدوده الجنوبية لن تكون آمنة ، وأنه لا يمكن أن تكون هناك حكومة صديقة في صنعاء، كما عليه أن يعي جيداً أن مصدر التهديد الفعلي للمملكة وأمنها هو مشروعه الهادف إلى تقسيم اليمن ،وأن أمن واستقرار المملكة لا يتجزأ عن أمن واستقرار اليمن.
ختاماً، ما يشهده النظام السعودي من تغييرات عميقة في بُنيته وما يُحدثه ذلك من شروخ على المستوى الديني والثقافي والاقتصادي ،و العجز المالي الذي لم يشهد له مثيلاً منذ قيام الدولة السعودية بالإضافة إلى تزايد وتيرة الانتفاضة الشعبية في العديد من المدن السعودية كالعوامية والمدينة والطائف، بسبب تزايد الفقر والبطالة ، وما يمارسه النظام السعودي من سياسات خاطئة، هذه المعطيات الداخلية كافية لانشغال هذا النظام بشؤونه الداخلية لتدارك ما يمكن تداركه، وكبح جماح السياسة العدائية تجاه اليمن خصوصاً والمنطقة عموماً.
* نائب رئيس دائرة المنظمات والمؤتمرات الدولية بوزارة الخارجية