لعلها المرة الثانية التي يستشعر فيها العالم حجم الخطر الكارثي الذي يحيق به جراء فكر التطرف كانت المرة الأولى أثناء تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م وترتسم الثانية فيما توعد به قس فلوريدا المهووس عزمه القيام بإحراق نسخ من القرآن الكريم بعد غد السبت مدفوعاٍ بنزعة متعصبة جنونية وعبثية لا هدف لها سوى إذكاء فتنة جديدة ستقود العالم إلى منزلق خطير وهوة سحيقة من الصراع والعنف والكراهية والبغضاء بين أبناء الديانات السماوية في وقت يبدو فيه هذا العالم أحوج ما يكون إلى تعميق روح التعايش وتكريس روح التعاون بين المجتمعات الإنسانية بعيداٍ عن ثقافة الانتقام التي تزداد استعاراٍ حينما يترك لبعض المتطرفين من أصحاب العقليات المريضة المساس بالمقدسات كما هو شأن ذلك القس الذي يسعى إلى التعبير عن حريته من خلال انتهاك أهم مقدس لأكثر من مليار ونصف المليار مسلم.
وأمام هذه الحالة من الانحراف نجد أن العالم بأكمله اليوم يواجه امتحاناٍ صعباٍ وشاقاٍ يتمثل في الخطر الداهم الذي بات يشكله فكر التطرف والذي لا شك أنه قد دخل مرحلة جديدة توقظ مشاعر ردة الفعل السلبية التي ربما تفضي إلى استغلال هذه الحادثة في تعميم مبدأ التطرف والتطرف المضاد وذلك إذا ما خرج إلى العلن فإن كل البراكين الساكنة ستنفجر.
ووفقاٍ لهذه المعطيات فإن الضرورة تقتضي تغليب العقل في مواجهة التطرف والإرهاب باعتبارهما آفة عالمية لا يمكن ربطها بدين أو عقيدة أو بأمة أو مجتمع أو وطن أو شعب فمن يعتنقون هذا الفكر التدميري موجودون في كل المجتمعات والديانات ومع ذلك فإن التعامل مع هؤلاء المنحرفين لا بد وأن يتخذ طابع الشدة والحزم وبما لا يمنحهم أية فرصة لممارسة طقوسهم العدوانية في إشعال الحرائق التي سيكتوي بنارها الجميع ويدفع ثمنها المجتمع الإنساني برمته.
وإذا ما سلمنا جميعاٍ أن العناصر الإرهابية المتطرفة التي تمارس أعمال القتل وسفك دماء الأبرياء من أبناء مجتمعاتها العربية والإسلامية منذ عودة هذه العناصر الإجرامية من أفغانستان هي بكل تأكيد خارجة عن دين الإسلام وتعاليمه السمحاء التي تنبذ التطرف والتعصب والغلو والإرهاب فمن غير المنطقي أن يظهر من يحاول الربط بين هذه العناصر الضالة والمضلة التي انقطعت علاقاتها كلياٍ بالمجتمع الإسلامي ولم تعد لها صلة به مطلقاٍ وبين الإسلام كدين وعقيدة واتخاذ تفجيرات الـ11 من سبتمبر ذريعة للإساءة لهذا الدين واستفزاز مشاعر من ينتمون إليه انطلاقاٍ من ذلك التصرف الأهوج الذي ينوي قس فلوريدا القيام به لاثارة نيران الحقد والغضب في صدور مليار ونصف المليار مسلم.
وأصل المأساة أن من يتوعد اليوم بإحراق القرآن الكريم قد اختار لارتكاب جريمته الشنعاء موقعاٍ هو في الأساس مقر للعبادة لأتباع الديانة المسيحية وفي ذلك اشارة واضحة على أن القس المهووس يجهل عن ظهر قلب تعاليم الديانة المسيحية إن لم يكن لا يعرف عنها شيئاٍ بدليل عدم علمه أن القرآن الكريم هو كتاب الله الذي قال فيه سبحانه وتعالى «إنِا نِحúنْ نِزِلúنِا الذكúرِ وِإنِا لِهْ لِحِافظْونِ» وأن هذا القرآن هو من يدعو كل من يؤمن به إلى احترام وتقديس الرسالات السماوية وكل الرسل بمن فيهم المسيح ابن مريم مما يؤكد على أن المتطرفين والإرهابيين سواء ادعوا انتماءهم للمسيحية أو الإسلام أو اليهودية إنما هم الذين استبدلوا الحق بالباطل وانحرفوا عن الصواب وجعلوا أهواءهم تتحكم بتصرفاتهم الهوجاء وسواء كانوا هنا أو هناك فإنهم يلتقون على ملة واحدة .
وطالما أن هؤلاء المتطرفين لا هدف لهم سوى إلحاق الأذى بمجتمعاتهم وأوطانهم وخلق الصراع الدامي بين الأمم والمجتمعات الإنسانية فلا حرية لهؤلاء لكونهم لا يحترمون حرية الآخر ومتى ما خرجت الحرية عن سياقها واتخذت منحى الاساءة للمقدسات فإن الواجب كبح جماح من يستغل هذه الحرية لإشاعة الخراب والدمار في أي مكان في العالم.
وإذا كانت الولايات المتحدة قد دفعت ثمناٍ باهظاٍ حينما استهدفها الارهاب في الـ11 من سبتمبر 2001م فإن الدول العربية والإسلامية ما زالت تدفع مثل هذا الثمن مضاعفاٍ حتى اليوم من خلال ذات العناصر المتطرفة التي ترى في كل ما يخالف فكرها مستباحاٍ في دمه وعرضه.
وليس من مصلحة الولايات المتحدة جعل قس مهووس ينكئ الجراح من جديد ويثير الكراهية والحقد مع ملايين من المسلمين الأمريكيين والشعوب الإسلامية الآخرى التي تقيم علاقات حسنه مع الولايات المتحدة.
ومنعاٍ لهذه الكارثة فلابد من التصدي لمشروع القس الأمريكي تيري جونز بإحراق القرآن الكريم وهي الجريمة التي إذا ما حدثت فإنها ستفتح باباٍ لا يقفل عن الإرهاب الديني وسيكون ذلك مكسباٍ لتنظيم القاعدة الإرهابي الذي صار منبوذاٍ من كل المسلمين على طول وعرض الكرة الأرضية .
فلا تمنحوا المتطرفين من هنا وهناك الفرصة لصب الزيت على النار.. ولا تفتحوا على هذا العالم أبواب جهنم!!
Prev Post
Next Post