من المتعارف عليه أن أبسط المقومات التي يجب أن تتوفر في الشخص الذي يمارس العمل السياسي¡ هي القدرة على تسمية الأشياء بمسمياتها¡ بعيدا◌ٍ عن الشطحات والأطروحات المتشنجة التي تسعى لإثارة اللغط أو البلبلة لدى الرأي العام¡ الذي يستغرب لاندفاع بعض السياسيين في بلادنا إلى التنظيرات التي تعكس ببساطة شديدة¡ أن هذا الصنف من السياسيين يمارسون الحزبية والعمل السياسي وفق مفاهيم التوائية يغلب عليها طابع التلاعب بالألفاظ والطرح الانتقائي¡ فهم عندما يتحدثون عن الديمقراطية¡ نجدهم يستخدمون “القفازات” التي يحاولون من خلالها تفصيل الديمقراطية وفق أهوائهم ورغباتهم وتقديراتهم دون إدراك من هؤلاء أن الديمقراطية ليست قميصا◌ٍ يفصله كل منø◌ِا على مقاسه¡ وأن النهج الديمقراطي هو خيار حضاري للرقي بالمجتمع والسير به في اتجاه الأفضل والغد المنشود¡ موحد الإرادة والقدرات والطاقات كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا وليس الارتداد به إلى الخلف وابتداع الصيغ التي تسعى لتحويل هذا المجتمع إلى حقل تجارب. كما أن الديمقراطية عندما تصبح منفذا◌ٍ للترويج للترهات والأقاويل التي لا تحترم مسيرة النضال للشعب اليمني والتضحيات التي قدمها أبناؤه على دروب التحرر وتحقيق أهداف ثورته الـ26 من سبتمبر والـ14 من أكتوبر¡ وفي مقدمتها النضال الذي خاضه من أجل إعادة وحدته ولحمته الوطنية¡ فإن هذا النموذج من الديمقراطية ليس سوى منفذ لهتك الثوابت الوطنية وشرعنة الفوضى التي يسهل عبرها الانقضاض على كل منجزات الوطن. ولذلك فإن السياسي الذي يتحدث عن قضايا الواقع لمجرد استعراض مخزونه من الشعارات القديمة والبدائية أو لرغبته في الظهور كشخصية قيادية¡ فإنه لا يمكن أن يقنع الناس بأنه مثقف ويمتلك القدرة والموهبة وابتكار الحلول¡لأن أطروحاته تصبح مصدر استفزاز لمشاعر العامة الذين عمد إلى تخديرهم بالشعارات الصاخبة. ولا ندري كيف لسياسي يدعي إلمامه بالثقافة السياسية أن يحظى بالقبول الاجتماعي لما يطرحه وهو من يبني توجهاته وأفكاره بمعزل عن حقائق التاريخ¡ شأنه في ذلك شأن من يأملون جعل الحوار مدخلا◌ٍ لإضعاف المؤسسات الدستورية للدولة¡ مع أن هذه المؤسسات هي مؤسسات الشعب¡ وقد ب◌ْنيت لصيانة حقوق هذا الشعب¡ ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يأتي الحوار على حساب تهميش هذه المؤسسات الدستورية. وإذا كان على المجتمع وقواه الفاعلة حماية الديمقراطية¡ من محاولات التشويه والاغتيال¡ فإن من صلب أولويات هذا المجتمع أيضا◌ٍ صيانة مؤسساته الدستورية¡ والتصدي لأية أفكار شيطانية ترمي إلى التطاول على هذه المؤسسات¡ وكما انتفض هذا الشعب حينما حاول البعض الانقضاض على وحدته المباركة والانقلاب عليها¡ فإنه لن يتهاون أمام كل الأطروحات المهزوزة التي تتجاوز الخطوط الحمراء¡ حتى يعي أولئك الذين يتطاولون على الثوابت الوطنية¡ أن وحدة 22 مايو غير قابلة للمساومة¡ وأنها قدر الشعب اليمني ومصيره¡ ونابعة من إرادته الحرة¡ وأنه لا أحد يملك الوصاية على هذا الوطن – أو جزء منه – شماله أو جنوبه شرقه أو غربه¡ وأن الشعب اليمني لم يعد قاصرا◌ٍ حتى يظهر بعض من يدعون الوصاية عليه ليتحدثوا باسمه. وهل نحن بحاجة لنذكر هؤلاء الأوصياء الجدد بأن الشعب اليمني قد شب عن الطوق وصار على درجة من الوعي تمكنه من تحديد خياراته والدفاع عنها¡ وقد أثبت ذلك بالقول والفعل وهو يعبر عن إرادته وخياراته في صناديق الاقتراع¡ لإيمانه الذي لا يتزعزع بأن الديمقراطية هي الوسيلة العصرية والحضارية للانتقال إلى المستقبل الأفضل. ومن الأجدى لأولئك الذين جعلوا من أنفسهم أوصياء على هذا الشعب¡ دون وجه حق¡ الامتثال لإرادة الشعب والانشغال بإعداد أنفسهم للجولات الانتخابية¡ والتنافس الشريف بالبرامج¡ باعتبار تلك هي الآلية الضامنة لإقناع الشعب بالتحولات والتغيرات التي يريدون إحداثها¡ بدلا◌ٍ من إهدار أوقاتهم بتلك السيناريوهات الملبدة بالضبابية والغيوم والشعارات القديمة والبالية¡ خاصة وأنه لابديل لهم عن الاحتكام لإرادة الشعب¡ وقبل هذا وذاك التسليم أيضا◌ٍ بأن الوحدة ثابت من ثوابت الشعب اليمني ماضيا◌ٍ وحاضرا◌ٍ ومستقبلا◌ٍ¡ وأن الديمقراطية هي النهج القويم الذي لن يفرط به هذا الشعب¡ وأن الانتخابات هي حق للجماهير وليس للأحزاب أو أية جماعة أو أفراد¡ وأن العمل الحزبي هو وسيلة¡ وليس من شروط الحزبية أن يمتطي البعض صهوة البطولة للتغريد خارج السرب فقط ليستفز الناس بأطروحاته العقيمة والسقيمة التي لا تحمل مضمونا◌ٍ ولا معنى!!