الجامع الكبير بصنعاء… روحانية غامرة وميقات معلوم

 

عندما تسمع صوت مؤذن الجامع الكبير بصنعاء القديمة ، تذهب روحك إليه قبل جسمك ، الصوت الآتي من هناك يحمل قدسية المكان وظلال الروحانية الغامرة لكل شيء في محيط هذا الصرح الديني العظيم ، تتوق النفس لزيارته و أنك ستزوره حتما عند ذهابك إلى مدينة الروح صنعاء، تصلي فيه وتقرأ القرآن ، وتطّلع على معالمه الأثرية وزخارف العمارة الإسلامية الرائعة ومكتبته التي تحتوي على أقدم المخطوطات والمصاحف.
الثورة /

جامع بأمر نبوي مباشر:
يقول العلامة محمد المروني : “بني الجامع الكبير بصنعاء بأمر مباشر من رسولنا محمد عليه أفضل الصلوات والتسليم ، وذلك عندما أرسل وبر بن يحنس الأنصاري إلى صنعاء في العام السادس الهجري وقال له: “ادعهم إلى الإيمانِ، فإن أطاعوا لكَ بِهِ، فاشرع الصلاةَ، فإذا أطاعوا لك بِها فمر ببناء المسجد لهم في بستان باذان ، من الصخرة (الململمة) التي في أصل غمدان، واستقْبِل بها الجبل الذي يُقالُ له (ضين)”.
ويضيف : بناء المسجد كان إعجازاً نبوياً ؛ فقبلته تساوي الكعبة المشرفة تماما، ونلاحظ اليوم الكثير من الباحثين والزائرين يقومون باستخدام ” قوقل إرث” للتأكد من تساوي الكعبة وقبلة الجامع الكبير.. لكنني أقول لهم : نحن من يوم سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنين أقوى الإيمان بأن الكعبة وقبلة الجامع في خط واحد، والله سبحانه وتعالى قد أوحى للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ببناء المسجد وتحديد القبلة ؛ فهي معجزة من معجزاته صلوات ربي عليه وسلم.
ويشير المروني إلى أن المكان الذي بني عليه الجامع كان مكاناً مقدساً صلى عليه أبناء وأحفاد الأنبياء والرسل والدليل على ذلك قبر أحد أبناء نبي الله هود عليه السلام والمسمى بقبر ” ابن حنظلة بن صفوان بن هود” الكائن في الجهة الغربية للجامع الكبير.

وجاء في كتاب تاريخ المساجد الشهيرة لمؤلفه عبدالله سالم نجيب أن مسجد صنعاء (الجامع الكبير) هو من أقدم المساجد في الإسلام فقد بني في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبأمره، ويؤكد العلامة المروني أن الجامع الكبير بصنعاء كان أول مسجد بني في اليمن، وثالث مسجد بني في الإسلام بأمر من الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.

المسمورة والمنقورة:
يذكر المروني أن “المسمورة والمنقورة “هما الحدود الأساسية للبناء الأصلي للجامع والتي حدد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعمدتهما كإطارات خارجية تحتوي هيئة المسجد , بحيث تكون قبلة الجامع في الوسط، مردفاً القول : هذا الاختيار للمكان وكذلك أمر البناء من النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء من حبّ النبي وتكريمه لأهل اليمن “.
وتحتل المسمورة والمنقورة مكانة مقدسة عند اليمنيين ؛ فيكثرون الصلاة وقراءة القرآن في حدودهما، والأعجب من ذلك أنهم يؤكدون أيمانهم المغلظة في معاملاتهم الحياتية في ما بينهما وذلك لقدسية وعظمة مكانهما في قلوب اليمنيين.

توسعات الجامع الكبير:
تشير الكتابات والدراسات والأبحاث التاريخية التي تناولت بناء وتصميم الجامع الكبير بصنعاء إلى أنه كان مربع الشكل طول ضلعه (12) متراً، له باب واحد من الناحية الجنوبية وبه (12) عموداً أشهرها المنقورة وهو العمود السادس من ناحية الجوار الشرقي الحالي، والمسمورة، وهو العمود التاسع من ناحية الجوار الشرقي – أيضاً – ومقسم من الداخل إلى ثلاثة أروقة، وكان يوجد بالرواق الشمالي المحراب الأصلي، وتعرض الجامع خلال العصور الإسلامية المتتابعة إلى تجديدات وتوسيعات عديدة.
وكان من أوائل هذه التوسيعات هي التي قام بها الخليفة الوليد بن عبد الملك (86 – 96هـ) – (705 – 715م) في ولاية أيوب بن يحيى الثقفي، شمل التوسع في الاتجاه الشمالي من ناحية القبلة الأولى إلى موضع القبلة الحالية، وفي فترة أول والي لبني العباس في صنعاء الأمير عمر بن عبد المجيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، نقلت أحجار أبواب الجامع من قصر غمدان ومنها المدخل الذي يقع على يمين المحراب وبه صفائح من الفولاذ متقنة الصنع من ضمنها لوحان مكتوبان بخط المسند.. وفي عام 186هـ أجري توسيع على يد الأمير علي بن الربيع بأمر من الخليفة المهدي العباسي، وفقاً للوحة المكتوبة في صحن المسجد.
وفي عام 265هـ أجري على يد الأمير محمد بن يعفر الحميري توسيع كان من ضمنه السقوف الخشبية المصنوعة من خشب الساج، خاصة في عمارة الرواق الشرقي والذي يتكون من مصندقات خشبية غاية في الدقة والإبداع، إلاَّ أن بعض المؤرخين اليمنيين ينسبون عمارة الرواق الشرقي في الجامع إلى الملكة أروى بنت أحمد الصليحي في عام 525هـ .
وفي عام 1012هـ قام الوالي العثماني سنان باشا ببناء الصرح المعروف اليوم بالشماسي برصفه بالحجار.. كما بنى قبة الزيت الكائنة في الفناء، وهنا يوضح العلامة محمد المروني في حديثه مع ” سبأ نت” أن اليمنيين رفضوا الصلاة في الجامع بعد تحسينات وتوسعات سنان باشا، ولم يعودوا للصلاة إلا بعد أن أقسم لهم سنان باشا أن البناء والتجديد وتسوية “الصوح ” من ماله الخاص.
وفي عام 1355هـ – 1936م بنى الإمام يحيى بن محمد بن حميد الدين المكتبة التي تقع جنوب شرق الجامع ، وكذلك السقف الأوسط في الجناحين.. كما حفر البئر الغربية للجامع وأصلح سواقيها إلى المطاهير، وقد وسعت المكتبة للجهة الجنوبية الغربية للجامع في عهد الإمام أحمد بن يحيى بن حميد الدين في عام 1374هـ للجهة الجنوبية الغربية لجامع .
وتذكر الدراسات والمراجع التي وثقت للجامع الكبير بأن أبعاده الحالية ينطبق تقريباً على شكل الجامع الذي أمر بإنشائه الوليد بن عبد الملك.. فالجامع مستطيل الشكل، تبلغ مساحته حوالي (65) بنيت جدرانه الخارجية بحجر الحبش الأسود والشرفات العليا بالطابوق والجص، ويحتوي على (12) باباً ثلاثة في جدار القبلة منها باب يعود تاريخه إلى فترة التاريخ القديم، نقل من أبواب قصر غمدان وهو على يمين المحراب، وفي الجدار الجنوبي مدخل واحد يعرف بالباب العدني تتقدمه قبة صغيرة، وفي الجدار الشرقي خمسة مداخل، وفي الجدار الغربي ثلاثة مداخل يتوسط مساحة الجامع فناء مكشوف مساحته حوالي (38 ) متراً تتوسطه كتلة معمارية مربعة الشكل طول ضلعه ستة مترات، تغطيها قبة محفوظة فيها وقفيات الجامع ومصاحفه ومخطوطاته .

الجامع منارة علم
يشكل الجامع الكبير مدرسة فقهية وعلمية في اليمن يتفاخر بها الطلاب الدارسون فيها ؛ بأنهم تخرجوا وتلقوا علومهم الدينية والفقهية على أيدي علماء ومشايخ الجامع الكبير، ويبين العلامة محمد عبدالرحمن أن الطلاب يأتون من كل مناطق اليمن للدراسة والتعلم في الجامع وعلى يد كبار علماء الجامع ، وكان منهم القاضي العلامة عبدالرحمن أحمد السياغي رحمه الله.
والعلوم التي تدرس في الجامع الكبير , علوم القرآن والتفسير والحديث والتاريخ والسيرة النبوية والنحو والصرف وعلوم الفرائض والجغرافيا والفلك وكل العلوم , وتجدها مكتوبة في بعض المخطوطات بماء الذهب، كما يؤكد المروني.
ويضيف : في الجهة الغربية للجامع عدد كبير من المنازل أو الغرف الصغيرة وهي مخصصة لطلاب العلم الذين يأتون من خارج صنعاء والمناطق البعيدة ، ويجمع الجامع الكبير علماء الزيدية والشافعية حتى يومنا هذا دون أي تفرقة مذهبية تذكر، وكان هناك علماء كبار من علماء الشافعية درسنا على أيديهم .

الجامع الكبير ميقات لعموم اليمن:
ينتظر اليمنيون لسماع الأذان والتكبير الآتي من الجامع الكبير ليدخلوا في صلواتهم الخمس، وكذلك ليعلنوا نهاية أيام صيامهم، فالأذان الذي يتم رفعه من الجامع يسري على كل الجوامع والمساجد في اليمن ؛ فهو الميقات والموعد الذي عليه تم تحديد أوقات دخول الصلوات في اليمن ، ولذا نجد الكثير من أئمة ومقيمي المساجد في المحافظات اليمنية يرتبطون بالإذاعة (الراديو) لسماع تكبير الحاج الفاضل حمود السفرجل والحاج الفاضل محمد الاكوع (رحمه الله)؛ ليعلنوا دخول الصلاة في مساجدهم.

قد يعجبك ايضا