أحمد يحيى الديلمي
أفضل من وضع صيغة عظيمة لاستقبال شهر رمضان المبارك في شكل دعاء ومناجاة هو زين العابدين وسيد الساجدين الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، للآسف هذا الدعاء كان عدد كبير من اليمنيين يحفظونه عن ظهر قلب ، بمجرد الإعلان عن رؤية هلال شهر رمضان يتدافع الناس إلى المساجد لاستقبال الشهر الكريم وتبدأ مراسم الاستقبال بأن يقوم أحد العلماء بقراءة الدعاء من الصحيفة السجادية ويتابعه الحاضرون بإنصات وخشوع يرددون الصلوات حيثما يرد أسم الرسول وصفة من صفاته صلى الله عليه وآله وسلم ، على مدى قرون شكَّل الفعل ثقافة ذاتية عكست طبيعة الهوية الإيمانية ومدى الالتزام الصادق بتعاليم الدين القويم والامتثال بتلقائية للأحكام والتكاليف العبادية بأفق بعيد يلتمس الفوز برضا الخالق سبحانه وتعالى واقتفاء أثر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بالسير على نهجه القويم وتحويل سنته المطهرة والروايات الثابتة في المتن والسند عنه إلى موجِّه حاكم للسلوك يضبط إيقاع الممارسة في الحياة اليومية ويعتبر التكاليف العبادية الموسمية مثل الصوم والحج محطات هامة لتصفية القلوب من الأدران والذنوب وتقويم أي اعوجاج في السلوك.
كل المقاصد والغايات العظيمة التي أسلفنا هي مبعث حفاوة الاستعداد وصولاً إلى مراسم الاستقبال كلما هل هلال الشهر العظيم كآخر محطات الاحتفاء بقدوم شهر الصوم.
هذا التقليد الإيماني المُميز تناقص الاهتمام به مُنذ أطلت الوهابية بقرونها الخبيثة وتحول إلى بدعة وضلالة بحسب وصف جماعات التكفير والتفسيق وأدوات الغزو الفكري الخطير ، فلقد وُجهت السهام صوب هذه المظاهر بما في ذلك الصحيفة السجادية واستعداء سلطات الحكم ضدها بدعوى أنها تحرِّض على الحق الإلهي في الحكم والاستشهاد بنصوص بعض الأدعية مثل دعاء يوم عيد الفطر والتركيز على قوله عليه السلام ( اللهم إن هذا المقام لخلفائك وأصفيائك ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزوها وأنت المقدر لذلك لا يُغالب أمرك ولا يُجاوز المحتوم من تدبيرك.. إلى أن يقول.”حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزين يرون حكمك مبدلاً وكتابك منبوذاً وفريضتك محرفة عن جهات أشراعك وسنن نبيك متروكة”.. اللهم العن أعداءهم من الأولين والآخرين ومن رضي بفعالهم وأشياعهم وأتباعهم…إلخ) حيث أحسن الوشاة توظيف الفقرة واعتبارها شاهد حال على رفض النظام والتحريض عليه ، ما آثار حفيظة رأس النظام وأصدر توجيهات حازمة بمصادرة أي نسخ في الأسواق ومنع دخولها إلى اليمن ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد من التعسف لكنه شمل في و قت لاحق كل كُتب ومؤلفات آئمة وعلماء الزيدية ، ما جعل نقيب الصحفيين السابق الصحفي والكاتب القدير الأستاذ عبدالباري طاهر يستغل حضور كبار المسؤولين أربعينية الصحفي القدير والعالم الجليل المرحوم عبدالوهاب المؤيد للتنديد بإجراءات منع الكتب الزيدية عندما أسهب رئيس الوزراء آنذاك الأستاذ عبدالقادر باجمال في الحديث عن المرحوم وتمجيد صفاته وموروثه الفكري ، نهض الأستاذ طاهر وقال ما جدوى هذا الكلام والدولة تمنع دخول مؤلفاته ومنها المجلدان الخامس والسادس من كتاب الانتصار للإمام الحُجَّة المجدد يحيى بن حمزة؟ وعندما نفى باجمال علمه بالأمر، أضاف الأستاذ طاهر كيف لا تعلم وكل كُتب الزيدية ممنوع تداولها في الأسواق ولا يسمح بدخول أي طبعات جديدة منها من المنافذ في ظاهرة جحود وإقصاء للآخر المخالف قل نظيرها في التاريخ الإنساني.
أوردت الواقعة للدلالة على فداحة وخطورة ما حدث في تلك الفترة وكيف أن حزب الإصلاح تنمر بعد اختراقه أجهزة الدولة وتحالفه المشبوه مع سلطة الحكم وتأييده المطلق لحروب صعدة الست الظالمة باعتباره المحرّض عليها والدافع إليها ، رغم التعاطف الظاهري الذي كان يبديه في إطار مجاملة أحزاب المشترك وإيجاد منطقة مشتركة للتفاهم معها إلا أنه ظل يمارس سلوكاً مخزياً في استهداف الزيدية بترصد وإصرار على محو الهوية من خلال دفع أجهزة الأمن إلى منع حلقات الدرس المعهودة في بعض المساجد على قلتها ومنع الاحتفال وتخليد ذكرى المناسبات العظيمة مثل استقبال ووداع شهر رمضان وإحياء مأساة عاشوراء وميلاد واستشهاد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي عليه السلام وامتد الاستهداف ليشمل رفض الاحتفال بميلاد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وواقعة الإسراء والمعراج بدعوى أنهما من أعمال البدعة والضلالة المخالفة للسنة ، وكان هدف ذلك التوجيه الخاطئ السطو على إرادة اليمنيين وإيقاظ النزعات الطائفية وإذكاء العداوات وتمزيق النسيج الاجتماعي المتجانس.
للموضوع بقية إن شاء الله… والله من وراء القصد..
أحمد يحيى الديلمي