الولاء لليمن 

لا يجد أكثر المتابعين للمشهد السياسي مبررا◌ٍ أو حكمة لتلك المواقف السلبية التي تبديها بعض المكونات الحزبية في الساحة اليمنية تجاه بعض القضايا الوطنية التي تتعلق بحاضر ومستقبل اليمن ولحمته الداخلية.
إذ ليس من الحصافة والرشد السياسي والمسئولية الوطنية أن تتقاعس بعض القوى الحزبية عن دورها حيال مسائل جوهرية واستراتيجية كمسألة تعزيز الوحدة الوطنية وتعميق روح الولاء الوطني لليمن بين صفوف الأجيال الجديدة وجميع شرائح المجتمع¡ لمجرد أنها خارج السلطة¡ معتقدة أن وجودها في المعارضة يعفيها عن هذه المسؤولية الوطنية الحيوية التي ت◌ْعد مسئولية جماعية ولا تقع على طرف بعينه¡ فالجميع أحزابا◌ٍ ومنظمات¡ مؤسسات ونقابات¡ أفرادا◌ٍ وجماعات¡ سلطة ومعارضة.. معنيون بدرجة متساوية باستنهاض قيم الولاء الوطني عند الفرد والمجتمع وغرس هذه القيم في عقول ونفوس النشء والأجيال الجديدة وبما يحرك مشاعر الارتباط بوطنهم والاعتزاز بهويتهم ويحصنهم من كل الأفكار الدخيلة والنزعات المتطرفة والدعوات المنحرفة والتعبئة الخاطئة التي تتسلل منها المفاهيم الهدامة المثيرة للفتن والأحقاد والضغائن بين أبناء المجتمع الواحد.
ويصبح الأمر أكثر غرابة في نظر هؤلاء المتابعين وهم يرون تلك المصفوفة الحزبية تتملص من واجباتها في هذا الجانب مع أنه كان من المفترض أن تكون مثل هذه الواجبات على رأس سلم أولوياتها¡ باعتبار أنها وما لم تقم بواجب كهذا فما الجدوى من وجودها¿!.. وما الفائدة من البرامج التي وضعتها لنفسها ما دامت هذه البرامج قد وضعت على الرفوف ولم تنتقل إلى واقع التطبيق والتجسيد العملي¡ وهو ما يدل على أن هذه الأحزاب لا تميز بين اختلافها وتباينها مع الحزب الحاكم ومسئولياتها نحو الوطن والمجتمع.
وأمام هذه المسلكية المتخاذلة والاتكالية¡ فإن من المستبعد أن تتمكن مثل هذه المنظومة الحزبية من إحداث أية إضافة للتحديث والتغيير داخل كياناتها¡ ناهيك عن أن تغدو مساهمة في إحلال وتكريس مساقات الحداثة في الواقع الاجتماعي.. وستبقى مثل هذه الكيانات الحزبية تدور في حلقات التذمر والشكوى والشعارات المطاطية الفارغة من أي محتوى أو معنى¡ بل أنها من باتت تنتج الوسائل المعيقة للانفتاح الديمقراطي ودوران عجلته¡ إن لم تصبح بجمودها وخمولها وإفراطها في المناكفة والكيد السياسي حجر عثرة أمام توجهات التحديث والتغيير!!.
ومن الأجدى لتلك المكونات الحزبية أن تسارع لمراجعة مواقفها وإعادة ترتيب أولوياتها وتقويم توجهاتها بما يمكنها من صياغة استراتيجية جديدة نابعة من روح الانتماء إلى اليمن وثوابته الوطنية والمبادئ التي ناضل من أجلها أبناء الشعب اليمني إذا ما أرادت تقوية علاقات اتصالها بمختلف الشرائح المجتمعية وذلك يتطلب منها الابتعاد عن الحسابات السياسية والحزبية الضيقة والنظرة القاصرة والمصالح الشخصية والخطابات التقليدية والشعارات الجوفاء التي لم تعد مثار اهتمام أبناء المجتمع لتحليقها بعيدا◌ٍ عن الواقع¡ ولن يتسنى لهذه الأحزاب والتنظيمات السياسية كسب ثقة الناس إذا ما ظلت تغرد خارج السرب وبقيت أيضا◌ٍ مغيبة لنفسها عن أي دور في تشكيل الوعي الوطني.
والغريب أيضا◌ٍ أن هذه المكونات الحزبية لم تفقه بعد أنها لن تكبر إلا بالوطن وجعلت من الولاء له هو الرابطة الوثيقة التي لا ترقى إليها أية رابطة أخرى.
وبالتأكيد أن أية أحزاب أو تنظيمات سياسية تصم الأذان عن النصائح الحريصة عليها وعلى مستقبلها هي أحزاب ستظل عاجزة عن تطوير نفسها والاضطلاع بمسؤولياتها في التصدي لكل الدعوات الشاذة والنزعات المناطقية والانفصالية والجهوية والعنصرية الهادفة للاضرار بالسلم الاجتماعي والوحدة الوطنية وأحزاب بهذه السلبية لا حاضر ولا مستقبل لها ولا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تقنع الناس أن لديها أي استعداد أو أهلية لبذل أي جهد صادق ومخلص لتحقيق النهوض التنموي والاقتصادي والسياسي والثقافي والعلمي والتربوي في هذا الوطن.. حيث وأن “فاقد الشيء لا يعطيه”!!.
فمتى يعي هؤلاء أن المستهدف اليوم هو الوطن أرضا◌ٍ وشعبا◌ٍ وتاريخا◌ٍ ووجودا◌ٍ وحضارة◌ٍ¡ وليس طرفا◌ٍ بعينه كما قد يتوهمون¿! فما كشفت عنه الأحداث أكان ما جرى منها في محافظة صعدة وحرف سفيان أو تلك التي شهدتها عدد من المديريات في بعض المحافظات الجنوبية¡ يؤكد تماما◌ٍ على أن المطلوب هو اليمن وأمنه واستقراره ووحدته وليس شيئا◌ٍ غيره¡ وأن من يحركون مثل هذه الأحداث¡ حتى وإن كانت محدودة¡ يستهدفون هدم المعبد على رؤوس كل من فيه خدمة للشيطان الرجيم.

قد يعجبك ايضا