كوريا الجنوبية واليمن.. نقاط التقاء كثيرة
يونج هو لي –
بصفتي سفير كوريا الجديد لدى اليمن أود أن أقدم تحياتي إلى أبناء الشعب اليمني بمناسبة الاحتفال «بالعيد الوطني لكوريا” الذي يصادف السادس من نوفمبر من كل عام.
فمنذ أن توليت منصب السفير في يوليو الماضي تشرفت بلقاء فخامة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ودولة رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة وعدد من رجال الدولة في كافة الدوائر اليمنية وقد لقيت استقبالا حارا وحْسن ضيافة كما لو أنني كنت واحداٍ من أفراد الأسرة. وفهمت حق الفهم التحديات التي تواجه اليمن حاليا من خلال هذه اللقاءات كما أنني أفكر بعمق في سبل تطوير العلاقات بين البلدين الصديقين..
إن شباب وشابات اليمن الذين يتميزون بالإيجابية والإمكانات اللامحدودة تركوا لدي انطباعا عميقاٍ.
إن كوريا الجنوبية واليمن لديهما نقاط الالتقاء الكثيرة وتفتخر كل منهما بتاريخها العريق وتقاليدها الثقافية المتألقة. لقد قاومت كلتاهما الغزو الخارجي بمثابرة وصمود واستقلت من الحكم الاستعماري. وتعرضتا للانقسام إلى شطرين وخاضتا حربا. من هذا المنطلق أعتقد أن كلا منهما فهم الآخر وأصبح صديقا حميما له لمدة طويلة.
في الحقيقة شهدت كوريا الجنوبية واليمن تطورا مطردا في العلاقات الودية والتعاونية منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1985م وقد بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 1.2 مليار دولار وتشغل كوريا الجنوبية ثالث أكبر سوق للصادرات اليمنية. فكوريا الجنوبية بصفتها عضوا في مجموعة “أصدقاء اليمن” تشارك مشاركة نشطة في جهود المجتمع الدولي لتقديم الدعم من أجل الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية في اليمن.وفي اجتماع لمجموعة أصدقاء اليمن عقد في سبتمبر عام 2012م الماضي وعدت كوريا الجنوبية بمساهمة إضافية مقدرة بمليوني دولار أميركي وتقوم حاليا بتقديمها من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
كما تقيم كوريا الجنوبية مشروعا لبناء المعهد اليمني الكوري التقني العالي يْقدر بـ 15 مليون دولار أميركي وتجري مشاورات مع الحكومة اليمنية بشأن تقديم مائة مليون دلار أميركي من القروض.
علاوة على ذلك يشارك حوالي 20 موظفا حكوميا وطالبا يمنيا في برنامج تعليم وتدريب تعده الحكومة الكورية كل سنة ويتعلمون من خلاله المعارف المتخصصة والخبرات الكورية في التنمية الاقتصادية. ويلعب الخريجون من برنامج كويكا(الوكالة الكورية للتعاون الدولي) دورا رئيسيا في أنشطة (KAAFY جمعية الخريجين والأصدقاء في اليمن) والأمر يدل على أنهم يمثلون ثروة نفيسة لتطوير العلاقات بين البلدين.
إن رئيسة جمهورية كوريا بارك كون- هيه التي تولت الرئاسة بصفتها أول رئيس للدولة من النساء في دول شمال شرق آسيا في فبراير العام الحالي أطلقت مبادرة “تحقيق السعادة في الكوكب الأرضي” كمشروع وطني رئيسي لمزيد من إسهاماتها في المجتمع الدولي. على الأخص قد تحولت كوريا الجنوبية من الدول الأكثر فقراٍ إلى الدولة المانحة لتقديم المساعدات إلى المجتمع الدولي في فترة نصف قرن فقط وكانت ومازلت تعمل على تقاسم خبراتها الفريدة هذه في التنمية الاقتصادية مع الدول الأخرى بما فيها حركة سيماول (حركة تجديد القرى) التي لعبت دورا أساسيا لمكافحة الفقر في كوريا الجنوبية. ونتمنى لمزيد من القيادات اليمنية في المستقبل أن تأخذ فرصة لتجربة هذه الخبرات بنفسها إن شاء الله.
وتهدف الحكومة الكورية إلى بناء “الشراكة الشاملة نحو فتح آفاق جديدة” في السياسات الكورية تجاه العالم العربي. ومن أجل تحقيقه تسعى لإقامة العلاقات للتكامل الاقتصادي المتبادل وإقامة العلاقات السياسية للإسهام في استقرار الأمن والسلام وإقامة العلاقات الثقافية للتواصلبين كوريا والدول العربية بما فيها اليمن.
وعلى صعيد التعاون الاقتصادي تتطلع كوريا الجنوبية لتوسيع نطاق التعاون ليس فقط في المجالات القائمة مثل النفط والغاز الطبيعي بل أيضا في المجالات الجديدة مثل الطاقات المتجددة والجديدة والصحة والطب والحكومة الإلكترونية والطاقة الكهربائية والبنية التحتية للمواصلات والنقل. ونتوقع أن نشهد زيادة في حجم التبادل التجاري وتعزيز التعاون الاقتصادي مع تحقيق الاستقرار في اليمن ونرغب في أن تنقل الحكومة والشركات الكورية خبراتها وتكنولوجياتها إلى اليمن إسهاماٍ في التنمية الاقتصادية اليمنية.
وعلى صعيد التعاون السياسي كوريا كانت ومازالت تشارك مشاركة نشطة في جهود المجتمع الدولي لإحلال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط مثل مشاركتها في عمليات قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في لبنان والصومال وجمهورية جنوب السودان. لقد أدركت كوريا الجنوبية على الأخص أهمية الاستقرار والتنمية الاقتصادية اليمنية في منطقة الشرق الأوسط بل في العالم بأسره فتسعى للعب دور بناء كعضو في مجموعة أصدقاء اليمن وعضو غير دائم في مجلس الأمن للأمم المتحدة.
وتتقدم كوريا الجنوبية بخالص الشكر والتقدير إلى الحكومة اليمنية على تمسكها بالموقف ضد تطوير كوريا الشمالية الأسلحة النووية من أجل إحلال السلام في شبه الجزيرة الكورية والأمن في المجتمع الدولي. واتخذت حكومة الرئيسة بارك كون- هيه “سياستها الدبلوماسية لبناء الثقة” بحيث تتخلى كوريا الشمالية عن برنامجها النووي وتتخذ نهج الإصلاح والانفتاح ويبدو أن إرسال المجتمع الدولي – الذي يشمل اليمن – رسالة موحدة إلى كوريا الشمالية لدفعها إلى التخلي عن برنامجها النووي يساعد الحكومة الكورية مساعدة كبيرة.
وعلى صعيد التعاون الثقافي تحظى الثقافة الكورية بشعبية كبيرة تحت راية موجة الثقافة الكورية المعروفة بـ “هاليو” في جميع أنحاء العالم ولا تستثنى الدول العربية بما فيها اليمن منها. والثقافة الكورية متشابهة مع الثقافة العربية التي تولي أهمية قصوى لأفراد الأسرة والأصدقاء وتحترم التقاليد. ويتوفر في مركز الوسائط المتعددة الكوري التابع لجامعة صنعاء الذي افتتح في مارس هذا العام الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والكتب الكورية للتمتع بالثقافة الكورية.
وقد بلغ عدد المسلمين والمسلمات في كوريا حوالي 140 ألف فرد في الوقت الحاضر ومثل هذا الأمر يؤدي إلى رفع مستوى فهم الإسلام والثقافة الإسلامية ومنطقة الشرق الأوسط. ونتوقع أن يْولي عدد متزايد من الكوريين اهتماماتهم إلى اليمن ذات التقاليد الثقافية المتألقة والحضارة العريقة والإمكانات الاقتصادية مع تحقيق الاستقرار في اليمن وزيادة نطاق التبادل التجاري.وكان الوفد اليمنيقد شارك في معرض يوسو الدولي الذي أقيم في عام 2012م في مدينة يوسو الكورية لتقديم جمال الطبيعة والثقافة والبضائع اليمنية إلى الزائرين له. وإذا تم افتتاح السفارة اليمنية لدى كوريا الجنوبية مرة أخرى فإن هذا قد يساهم في تقديم حقائق عن اليمن للمجتمع الكوري مساهمة كبيرة.
ونظراٍ للتقاليد التاريخية والثقافية في اليمن وهوى وطموح الشباب اليمنيين فإنني أعتقد أن اليمن لديها إمكانات كبيرة. إنني أتقدم بخالص الاحترام والتقدير إلى اليمن حكومة وشعباٍ لأنها تعمل حاليا بتضافر الجهودعلى التغلب على كثير من التحديات. وتتعهد كوريا الجنوبية بصفتها صديقا حميماٍ لليمن بأن تكون شريكا ورفيقا في مسيرتها العظيمة لتحقيق الاستقرار والديمقراطية والازدهار في يمن جديد.
سفير كوريا بصنعاء