بقدر ما يحظى به اليمن من تمجيد وإكبار لدى الكثير من أبناء الأمة العربية والإسلامية الذين يشعرون بعظمة هذا البلد العريق ودوره الحضاري الذي يشكل مصدر فخر واعتزاز لأجياله المتعاقبة¡ بالقدر الذي يأسف فيه المرء أن يتلاشى مثل هذا الإحساس لدى البعض من أبنائه الذين قادتهم أنانيتهم الذاتية أو السياسية والحزبية الضيقة إلى التحلل من الرابطة الوثيقة التي تجمعهم بهذا الوطن¡ مع أنه لا وطن لهم غير هذا الوطن الذي يتنكرون له ويجحدون أفضاله عليهم ويسعون إلى الانتقاص منه وتشويه صورته والإساءة إليه وكأن بينهم وبين هذا الوطن عداوة أو ثأر شخصي ويريدون الانتقام منه كل ما حانت لهم الفرصة لذلك إلى درجة أن العديد من الأشقاء باتوا يستغربون ما يسمعونه من إساءات في بعض المؤتمرات واللقاءات والفعاليات تصدر من يمنيين بحق وطنهم الذي كل ما ذ◌ْكöر أطلقوا ألسنتهم الحداد للنيل منه ووصفه بأقذع الصفات دون إدراك منهم أنهم بذلك الانفلات القيمي والوطني والأخلاقي لا يسيئون لهذا الوطن وإنما يسيئون لأنفسهم ولشخوصهم لدى من يريدون تغيير مواقفهم والصورة الإيجابية المرسومة عن اليمن في عقولهم¡ والذين لا شك وأنهم يستقبلون مثل ذلك الطرح الأبله والبليد بازدراء وسخرية من هؤلاء الذين استبدت بهم أنانيتهم ونرجسيتهم السياسية والحزبية حدا◌ِ◌ٍ جعلهم يمارسون أبشع أنواع العقوق والعصيان لوطنهم الذي يحملون هويته¡ بل ويمعنون إلى درجة الفجور في قلب الحقائق وتزييف الوقائع كل ما تحدثوا عن وطنهم اعتقادا◌ٍ منهم أن ذلك يعد شجاعة أو بطولة مع أن الصحيح هو عكس ذلك. فمن لا يعتز بهويته ووطنه لا يمكن أن يكون محل احترام أو تقدير أي من أبناء الأمة العربية التي تعتز أيما اعتزاز بأن أصلها الأول يعود إلى اليمن. ومع أن مثل هذه التصرفات هي محط استهجان عام كما أن ما ينتج عنها من إساءات هي مردودة على أصحابها ولا تؤثر على سمعة ومكانة الوطن اليمني¡ إلا أن ما يثير التساؤل هو تلك المفارقة التي نجد فيها مثقفين وسياسيين ومفكرين لا ينتمون لهذا الوطن ولا يحملون هويته يتصدرون للدفاع عنه وعن إنجازاته ووحدته وتجربته الديمقراطية¡ في حين لا يجد بعض بنيه حرجا◌ٍ وهم يكيلون له الإساءات ويستخدمون كل أساليب المخاتلة والخداع والمصطلحات المضللة بهدف تشويه صورة هذا الوطن الذي لولاه لما كانوا ولولا الحرية التي منحها لهم لما تجرأوا عن الحديث عنه بذلك السوء. فمتى يعلم هؤلاء أن الانتماء والولاء للأوطان لا يرتبط بمصلحة أو منفعة أو متاع من متاع الدنيا الفانية¿! بل إن حب الوطن من الإيمان وأن من لا إيمان له لا دين له. ومتى يعي هؤلاء أن رابطة الوطن ليست بنكنوتا◌ٍ أو رصيدا◌ٍ ماليا◌ٍ في أحد المصارف الداخلية أو الخارجية أو دكانا◌ٍ سياسيا◌ٍ نسميه “حزب” ولا وظيفة أو جاها◌ٍ أو وكالة تجارية أو سلعة نبيع فيها ونشتري¡ بل إن تلك الرابطة هي أسمى الغايات على الإطلاق لكونها العروة الوثقى التي نستمد منها وجودنا وكرامتنا ومعنى الحياة نفسها¡ وقد أورثنا الله هذا الوطن لكي نعمره ونبنيه ونجتهد من أجل ازدهاره ورقيه وليس للتآمر عليه والعمل على تدميره وتخريبه والإضرار به وكيل الشتائم بحقه. ومتى يدرك هؤلاء أنه ومهما كان الخلاف أو التباين في الرؤى فإن هذا الخلاف لا ينبغي أن يدفع بأي شخص إلى التخلي عن وطنه والنيل من هويته¡ فالخلاف مع الحزب الحاكم يجب أن يظل محصورا◌ٍ داخل اليمن أما في الخارج فالجميع يمنيون ولا يجوز لأحد أن يسيء لوطنه بأي حال من الأحوال. والخروج على هذه القاعدة تحت أي ذريعة كانت ليس سوى جهالة عمياء تبعث على التقزز وتجعل من يقدم عليها محط احتقار الجميع داخل وطنه وخارجه باعتبار أن مثل تلك التصرفات هي نوع من أنواع الخيانة إن لم تكن الخيانة نفسها والتي لا يمكن أن تكون ضمن حرية الرأي والتعبير أو الحرية الفكرية أو التعددية السياسية أو ما يتصل بالأسس التي ترتكز عليها قيم الديمقراطية ولا توصيف لهذا العقوق سوى أنه كفر بواح يرفضه الدين والقيم وكل ذي ضمير حي.