محمد القعود
– 1 –
سمير عبدالفتاح.. الروائي، القاص، المؤلف المسرحي.. كما تحتاج أعماله الإبداعية إلى قارئً جاد، وصبور، فهي تحتاج أيضاً إلى ناقدٍ جادٍ وحقيقي.. ناقدٍ يمتلك مقومات وذائقة ما يحتاجه النقد الأدبي.. من تخصصٍ، واطلاع وثقافة نقدية موسوعية،.
تحتاج أعمال سمير عبدالفتاح الإبداعية إلى ناقدٍ مسلح بذخيرة نقدية، فاعلة، وكاشفة، وخارقة لسياقات وأغوار النص، وإلى خلفية ورصيد نقدي وثقافي عميق وإلى أدوات وأساليب وبصيرة يمتلكها الناقد الجاد والحاذق، المروّض للنص واستغلاقه وتركيباته ومعماره وبنيته وعلاقته ببعضه وأغواره ومجاهله، ومدلوله، ونظام تركيبه، وما يمور فيه من رؤى ونبض ودلالات ومعان واسقاطات ورموز وتشكيل وبناء ونسيج وصياغة لغوية.. ناقد يعرف ما هي إمكانياته وقدرته وتعامله مع النص الأدبي..؟!.
– 2 –
أعمال سمير عبدالفتاح الإبداعية، ليست سهلة للتناول النقدي السطحي والعابر، وليست قابلة للانفتاح السهل أمام دعاة ومدّعي النقد، ولا هواة الثرثرة النقدية وسطورهم النقدية البلهاء والمصابة، بالفقر المعرفي..!!
إنها أعمال إبداعية تحتاج إلى ناقد حقيقيٍ، مُلمٍ وعارفٍ ومتمكنٍ بالنقد وفنونه ومدارسه ومفاهيمه واتجاهاته، وصاحب رؤى وقدرة ومعرفة وخبرة وموهبة في تناوله وتعامله مع أعمال إبداعية، لها سماتها الخاصة، وأسلوبها ومعمارها ولونها المميز والمختلف.. ناقدٍ من فئة خاصة وعلى استعداد للترحال والغوص بعيداً /عميقاً في مجاهل ومسالك وأغراض وأغوار النص .. والسير بتحد في مغامرة تستحق التحدي واكتشاف ما يمتلكه النص أو العمل الأدبي من ثراء إبداعي وفكري وفني..!!
لكن للأسف.. إن أغلب من يدعون النقد وعلاقتهم به، مجرد كتبة”عرائض” وهواة ترصيع سطورهم البلهاء بمصطلحات وتقوّلات متنافرة ومتناقضة، ومحشورة بفجاجة بين تلك السطور الفضيحة..!! ويدركون مثل غيرهم أنهم طفيليون، ومن ذوي الإعاقة النقدية وممن يسكنهم الفراغ والبلْه والوهم، والفقر النقدي والإبداعي ولذلك هم دائماً في منأى عن تناول أية أعمال أدبية، مهما كان مستواها.. وفي حالة ابتعادٍ عنها وتجاهل وتغاضٍ، حتى لا تظهر سوءتهم ويُكشف مدى زيفهم وخوائهم وعدم القدرة على تناول نصٍ أدبي، ومحاورته بلغة وأداة وأسلوب ومنهج نقديٍ يتلقى النص ويستوعبه ويتلمس ويفحص ويكتشف مكنوناته وجمالياته ويتوقف عند سلبياته وإيجابياته..!!
أعمال أدبية كثيرة تستحق التناول وتقييمها.. منها الغث، ومنها السمين.. ومنها ذات الجودة الإبداعية.. ومنها ذات الركة والهشاشة والسطحية..
ولكن النقد الحقيقي والجاد لا وجود له ، ولا عمل له، ولا فرسان له، اللهم إلا بعض كتّاب “الشخابيط النقدية” وكثرة من كتّاب المدائح والعرائض المادحة والقادحة حسب طقس العلاقة بين الناقد والمنقود..!!
– 3 –
الروائي والمسرحي سمير عبدالفتاح يختلف عن غيره من الكتَّاب، إنه عندما يكتب نصه الإبداعي، فهو يكتبه بحرفية عالية، وبتخطيط مسبقٍ، وبتقنيةٍ مغايرة للسائد.
حيث نجده من خلال إبداعات نصوصه، يبحث عن القارئ الذي يتميز بالصبر والباحث عن المعرفة، ذلك القارئ الصبور الذي يرحل مع النص ولا يملّ، القارئ الذي يغوص في مجاهل النص ويكتشف خباياه.. القارئ الذي يحترف قراءة الأعمال الإبداعية الجادة والمثقلة بدلالاتها وايحاءاتها ومضامينها، لا ذلك القارئ الباحث عن الكتابات والنصوص الهشة والسهلة والعابرة نحو النسيان.
إن سمير عبدالفتاح من فئة الكتّاب الذين لا يعقدون صداقة مع القراء الذين يستسيغون الكتابات القابلة للتلقي بصورة سهلة وكيفما اتفق مضمونها.. قراء من أجل التسلية وتمضية أوقات الفراغ مع نصوص وكتابات لا تغني من جوع ولا معرفة، ولا تحمل في طياتها أية متعة إبداعية أو إضافة ثقافية..!!
لذلك نجد أن معظم الأعمال الإبداعية “رواية – قصة – مسرح” للسارد المبدع سمير عبدالفتاح تمتاز بميزة مختلفة عن غيرها.. فهي عميقة الفكر، وكثيفة الدلالة، ومتطورة التقنية والفنية، من حيث معالجتها وتناولها لمواضيعها، ومن خلال قوالبها وأشكالها الفنية المتفردة في ملامحها وبنائها ومعمارها الفني.
– 4 –
خلال عقدين من الزمن استطاع المبدع سمير عبدالفتاح أن يصدر مجموعة متميزة من الأعمال الروائية والقصصية والمسرحية، من الروايات: رواية السيد “م” ورواية “ابن النسر” ورواية ” نصف مفقود” ورواية ” تماس.. حياة أخرى” ومؤخراً رواية ” فندق”.
وأصدر عدة مجموعات قصصية هي: ” رنين المطر – رجل القش – لعبة الذاكرة – راء البحر” بالإضافة إلى ست مسرحيات.
وفي أعماله تلك يسعى مؤلفها إلى مخاطبة عقل ووعي القارئ، والدخول معه في تحدٍ معرفي، من أجل تلقي النص بذهن ووعي وإدارك وتركيز كاملٍ وإشراك القارئ في رحلة عميقة وفاعلة في ثنايا وخبايا النص.
إنها أشبه بكتابة ذهنية / فكرية تخاطب وتنشد القارئ الجاد وأخذه إلى فتنة النص وروائعه، ودفعه لاكتشاف مكنونات وخبايا ودلالات النص والتي لا تتجلى إلا لقارئ جاد تستهويه النصوص البعيدة عن الابتذال والاستسهال والاسهال.. النصوص التي تمت كتابتها لتكون جديرة بالمتابعة والقراءة والحياة.
– 5 –
هذا هو المبدع سمير عبدالفتاح، المؤلف الذي يجيد بناء أعماله الإبداعية والمبدع الذي يجيد احتراف الإبداع.. ويدرك أن الكتابة الحقيقية هي تلك التي تحمل في طيّاتها سر خلودها وسر جمالها كما تحمل في مضمونها الإضافة النوعية والفنية المتميزة.. ويجعلها جديرة بالاقتناء والقراءة والمتابعة.