الموقف التركي الشجاع الذي تجلت أنصع صورة له في وثبة هذا البلد الإسلامي الكبير¡ في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية والانتهاكات الصارخة التي يتعرض لها أبناء الشعب الفلسطيني من قبل الكيان الصهيوني على مرأى ومسمع العالم ومنظماته الدولية¡ هذا الموقف المشرف لاشك وأنه كان محل احترام وتقدير كل الشعوب العربية والإسلامية وجميع الشرفاء والأحرار في أرجاء المعمورة¡ لكونه قد جاء صادحا◌ٍ بالحق وقيم العدل والانصاف.
وقد اكتسب هذا الموقف بعده الإنساني النبيل من ذلك التعبير الجريء والتأكيد الصريح على إدانة الحصار الجائر والظالم المفروض على قطاع غزة والرفض القاطع للبلطجة والقرصنة التي مارستها القوات الإسرائيلية بحق نشطاء “قافلة الحرية” عرض المياه الدولية¡ وما نتج عن ذلك الفعل الشنيع والقبيح من مجزرة بشعة أسفرت عن استشهاد عدد من المواطنين الاتراك وإصابة آخرين في عمل إرهابي جبان كشف بجلاء النزعة الإجرامية والإرهابية المتأصلة في سياسات الكيان الصهيوني.
لقد انتزعت تركيا بذلك الموقف الشجاع إعجاب العالم الذي استمع لأول مرة ومن قطب إسلامي كبير لخطاب عصري وحضاري ينادي بالحرية والعدالة لشعب اغتصبت أرضه وصودرت حريته وس◌ْلبت حقوقه في العيش الكريم والسيادة على ترابه الوطني وتعرض ويتعرض لأبشع صنوف الإرهاب والإذلال والخنق والحصار.
وهو خطاب كان ضروريا◌ٍ لتنبيه المجتمع الدولي إلى الحقيقة المرة التي ظل الكثير من صناع القرار في هذا المجتمع يتجاهلها أو يصم الآذان عنها إما بفعل تأثير ضغوط اللوبيات الصهيونية أو رغبة في الإبقاء على الكيان الإسرائيلي بمثابة شوكة في خاصرة هذه المنطقة بحيث تظل تراوح مكانها بين التوتر واللاسلام¡ مرتهنة في أمنها واستقرارها لذلك الكيان المتعجرف الذي استطاع من خلال آلة الزيف الإعلامي تقديم نفسه للرأي العام الغربي على أنه رسول الحضارة الغربية في المنطقة¡ مع أن الحقيقة أن هذا الكيان ليس أكثر من نبت شيطاني خبيث أساء ويسيء للحضارة الإنسانية عموما◌ٍ¡ ويكفي أنه يمثل اليوم أبشع صور الدولة الإرهابية على الإطلاق.
ولعل ما تضمنه الخطاب التركي بهذا الشأن قد استوعب الكثير من الحقائق التي ينبغي فهمها واستيعابها خاصة من جانب تلك الأطراف الدولية التي ظلت تهادن الكيان الإسرائيلي بل وتدافع عنه وتبرر ممارساته واحتلاله للأرض الفلسطينية¡ إذ لم يعد من مصلحة هذه الأطراف الدولية توفير الغطاء السياسي والإعلامي لهذا الكيان بعد أن أثخن سجله الدموي بالجرائم والمجازر والمذابح البشعة¡ وصار بأفعاله العدوانية يسيء إلى تلك الأطراف التي أمدته بالدعم المادي والمعنوي والعسكري والاقتصادي وهيأت أمامه فرص البقاء محتلا◌ٍ وغاصبا◌ٍ أراضي الغير¡ أكثر مما قد يخدمها أو يقدم لها أي صنيع تستفيد منه.
والأحرى بالضمير العالمي أن يستفيق من سباته ويعي أن التطرف والإرهاب الإسرائيلي لم يعد يستفز العرب والمسلمين وحدهم¡ بل أنه بتماديه وغطرسته صار يستفز حتى اليهود المعتدلين في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وغيرهما الذين صاروا لا يجدون مبررا◌ٍ لاستخفاف الكيان الإسرائيلي باستحقاقات السلام العادل والشامل¡ فما بالنا بالرأي العام العالمي الذي وصل إلى قناعة حقيقية بأن هذا الكيان يسوق منطقة الشرق الأوسط والعالم بأكمله إلى هاوية سحيقة بعد أن وصل به الغرور إلى منحى خطير جعله يضع نفسه فوق القانون الدولي¡ وما لم تسارع الدول الكبرى إلى الضغط على هذا الكيان وإرغامه على التسليم والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني¡ فإنه سيبقى يقابل كل النداءات بأذ◌ْنö من طين وأخرى من عجين¡ وذلك سيكون ثمنه باهظا◌ٍ على العالم كله¡ وقد بدأت نذر ذلك تلوح في الأفق بالفعل.
وها هو العالم الحر أمام مفترق صعب ومنعطف تاريخي بالغ الأهمية ومصداقيته على المحك.. فإما أن ينحاز إلى الحق والعدل والإنصاف¡ وإما أن ينتظر المزيد من الفوضى التي ستتولد عن حالة الإحباط التي تشعر بها الشعوب العربية والإسلامية جراء استمرار سياسة الكيل بمكيالين والانحياز الأعمى للكيان الصهيوني الذي لا يؤمن باستراتيجية السلام ولا يسعى في طريقها¡ بل أنه يزداد صلفا◌ٍ ورعونة وإصرارا◌ٍ على تأجيج الصراع في المنطقة وإشعال حريق هائل في العالم بأسره.
وهذا هو ما نبه إليه الخطاب التركي بلغة صريحة وشجاعة.. ومن الموضوعية أن يصغي الجميع إلى ذلك الخطاب لكونه قد اتسم بمنطق العقل والصواب وشخøص الوضع في منطقة الشرق الأوسط كما يجب.. وتركيا بذلك تستحق التحية والتقدير والإعجاب.
Prev Post