هل ضريبة القيمة المضافة عبء على المستهلك
أحمد ماجد الجمال
ظهر مفهوم ضريبة القيمة المضافة بقوة خلال العقدين الماضيين بعدما عملت به كثير من الدول النامية لمواجهة الأزمات وعجوزات المالية العامة من هذا المصدر المتجدد جراء ضعف وتدني أوعية إيراداتها لخفض عجز الموازنة, مع العلم أن هذا النوع الضريبي موجود ومفروض في معظم دول العالم الصناعي المتقدم منذ خمسينيات القرن الماضي وساهم تطبيقه في تنويع مصادر الدخل وعوائد خزينة تلك الدول ,باعتباره احدث ما توصلت اليه مسيرة الأداء الضريبي ,وكان لذلك أثر بالغ في انتشاره في العالم وتحسين منظومة العمل التجاري من خلال الضبط الدفتري والمستندي والمحاسبي المترتب على تطبيقها.
سميت ضريبة القيمة المضافة بهذا الاسم لأنها تستهدف كل قيمة مضافة على كل عملية إنتاجية أو تجارية (أو خدمية التي تعني أي شيء تم توريده أو تقديمة غير السلع) لذا يقال إن هذه الضريبة مركبة وتراكمية تمر بها السلعة أو الخدمة من انتاج وتوزيع واستهلاك حتى تصل إلى رفوف المحال أو المراكز أو المكاتب لبيعها للزبون.
لتوضيح المفهوم العام لهذه الضريبة من المهم معرفة الأدوار الحقيقية للأطراف المتأثرة بضريبة القيمة المضافة مثل (التاجر، المستهلك ,الإدارة الضريبية) حيث تفرض هذه الضريبة على كل عملية إنتاجية أو تجارية للسلع والخدمات إذا قام بها شخص خاضع للضريبة ويمكن بيان ذلك من خلال القيدين (توريد سلع وخدمات /من قبل شخص خاضع للضريبة).
في حالة توريد سلع وخدمات والتي تعني نقلها لغرض بيعها وتقديم الخدمات لأن الضريبة مرتبطة بهذا الأمر وببعض المقدمات المتعلقة به مثل استلام المقابل المالي أو إصدار الفاتورة المتعلقة بعملية التوريد بمعنى تنشأ الضريبة إذا أنشأت عملية التوريد أو استلمت قيمتها أو أصدرت فاتورتها وهذا ينطبق على جميع توريدات السلع والخدمات إلا المستثنى منها قانوناً وحتى تنشأ الضريبة لا بد أن يقوم بعملية توريد السلع والخدمات شخص خاضع لضريبة القيمة المضافة وعلى ذلك إذا قام بعملية التوريد شخص غير خاضع لها فلن تنشأ الضريبة.
فالشخص الخاضع لضريبة القيمة المضافة هو شخص يضيف على كل توريد يقوم به ضريبة على قيمة التوريد ومن ثم تورد هذه الضريبة للإدارة الضريبية فهو بمثابة المحصل للضريبة عن الإدارة الضريبية وعلى المكلف قبل تحصيل الضريبة أن يكون لديه ما يثبت أنه خاضع ولديه رقم ضريبي.
وفي المقابل إذا كان التاجر الخاضع للضريبة ملزماً بتحصيل الضريبة على أي توريدات و يقوم بتحويله للإدارة الضريبية ربما يكون قد دفع مسبقاً ضريبة على المشتريات والمصروفات التي تتعلق بنشاطه إذا تلقاها من أشخاص خاضعين للضريبة وبالتالي يجوز له خصم ضريبة القيمة المضافة التي يتحملها في سياق ممارسته لنشاطه التجاري فتكون المحصلة أن هذا التاجر يقوم بتحصيل الضريبة على الاستيراد التي يقوم بها (تسمى ضريبة المخرجات) ، وقبل أن يقوم بتحويلها للإدارة الضريبية يقوم بخصم الضريبة التي تحملها في سياق ممارسته للتجارة تسمى (ضريبة المدخلات) وهذا ما يعرف بمبدأ الخصم الضريبي.
وبالتالي هي ضريبة تدفع مجزأة على مراحل متعددة من مرحلة إنتاجها أو تداولها عند انتقالها من المنتج إلى المستهلك فتفرض على مبيعات كل المنتجين وتجار الجملة وتجار التجزئة والمستوردين ولكنها لاتفرض على إجمالي قيمتها بل على القيمة المضافة التي يضيفها كل منهم في مرحلة المحاسبة الضريبية لتكون مجموع القيم المضافة إلى هذه السلعة تساوي القيمة النهائية للمنتج بمعنى (الضريبة الواجبة الأداء =الضريبة المحصلة – الضريبة الواجبة الخصم).
وفيما يتعلق بالمستهلك النهائي غير الخاضع للضريبة (غير مسجل وليس لديه رقم ضريبي) فإنه يقوم بدفع الضريبة عند قيامه بشراء واستلام السلعة أو الخدمة من شخص خاضع للضريبة التاجر ولا يحق للمستهلك النهائي استرداد أو خصم أي ضرائب يقوم بدفعها وبذلك يكون هو المتحمل للعبء الضريبي ,ولا يحق لهذا المستهلك النهائي تحصيل أي ضريبة على توريدات يقوم بها إلا إذا قام بالتسجيل واصبح خاضعاً للضريبة.
وعلى الرغم من أن هذه الضريبة تساعد إلى حد كبير في الحد من الهروب والتهرب الضريبي في المجتمع بشكل عام لأن كل مكلف يصبح حريصاً على تنظيم فواتيره الضريبية وبياناته ومعلوماته المالية والمحاسبية عند الشراء أو البيع من أجل إثبات ذلك عند قيامه بتقديم الإقرار الضريبي لمعرف حجم أعماله عن فترة المحاسبة الضريبية وطلب الخصم والاسترداد وبالتالي فإن تطبيقها يلزم الجميع بمسك سجلات ودفاتر وسندات وفواتير على مستوى عال من الانتظام مالياً ومحاسبياً لأنه يدخل على جميع المعاملات التجارية والخدمية بكل أشكالها وتعمل على إدخال المجتمع الاقتصادي غير الرسمي إلى دائرة الاقتصاد الرسمي ويكشف عن الكثير من المعاملات الضريبية المخفاة أو المتسربة خارج منظومة الضرائب وبخاصة على ضرائب الدخل لأن خاصية الخصم الضريبي فيها تشجيع للمكلفين على إظهار كافة المعاملات ويجبرهم على ذلك مما يؤدي إلى ارتفاع في حصيلة هذا النوع من الضرائب عموما
في المقابل يجب على الإدارة الضريبية أن تكون الجاهزية لديها مكتملة من كل الجوانب لإدارة هذا النوع الضريبي لحاجته إلى كفاءه عالية لتكون قادرة على تحصيل الضريبة، وكوادر بقدر عال من الكفاءة وسجلات وبيانات ومعلومات مالية ومحاسبية دقيقة عن مراحل الإنتاج أو الاستيراد التي تمر بها السلعة في الاقتصاد لتتبع العملية الإنتاجية والتسويقية كاملة, حتى لا تسمح باختراق هذا النظام الضريبي جزئيا وفي نفس الوقت لاتترك مجالا للأجزاء الأخرى للتسيب والانفلات وتفسد ما يتم إصلاحه.
الشيء الأساسي في الموضوع لحظة التطبيق الفاصل ومعرفة مدى الوضوح أو الغموض فمن المؤكد أن تظهر جلياً سلبيات الضريبة على القيمة المضافة فمن يتحملها هو المستهلك النهائي على شكل زيادة في سعر بيع السلعة أو بدل تأدية الخدمة الخاضعة للضريبة أياً كان بقيم متساوية وبشكل كامل ويعفى المنتج أو المستورد من أي حصة لهذه الضريبة, إذ من المؤكد أنها تدفع وتقدم من قبل أشخاص يعلمون جيداً بأنهم لا يتحملونها بل يتحملها أشخاص قاموا بشراء سلع أو خدمات نهائية وهذا يفيد بشكل كبير دافعي الضرائب ذوي الدخل المرتفع الذين ينفقون عادة أقل بكثير مما يكسبون ويحفظون جزءاً كبيراً من دخلهم وبما أن الموظفين وأصحاب المهن الحرة والمتقاعدين والعمال وبقية شرائح المجتمع من ذوي الدخل المنخفض غالباً ما يعيشون من الراتب أو الأجور والتحويلات والمساعدات الذي يتحصلونه وغالباً ينفقون كامل دخلهم كل شهر فإنهم يدفعون نسبة أعلى من دخلهم بصورة غير مباشرة لنظام ضريبة القيمة المضافة وبالتالي تفرض عليهم عبئاً اقتصادياً متزايداً وتؤدي إلى رفع كلفة المعيشة, كما أن عدم وجود نظام محاسبي قوي يمكن بواسطته الفصل بين سعر السلعة والضريبة المضافة لها يعتبر تحدياً فالسلع تعرض على المستهلك مشتملة على الضريبة ولهذا القصور المحاسبي الكبير مشاكل مختلفة منها زيادة في غش المستهلك فلن يفرق بين الضريبة والتضخم مثلا وهو ما يدفعه للشراء دون وعي عن سعر السلعة الحقيقي وأفضل عمل يقوم به المستهلك هو البحث عن بدائل تلك السلع وترك شراء السلع المبالغ في أسعارها حتى تتغير لأسعار مناسبة لقدراته الشرائية والمتوافق مع أسعار السوق الطبيعية.
* باحث في وزارة المالية