
أسفنا لمصرع أحد أبطال ملحمة السبعين عبدالرقيب عبدالوهاب واستنكر لها الشعب اليمني
,فضل القاضي الارياني الذي كان زاهداٍ عن الحكم أن يتخلى عن السلطة ويغادر البلاد على أن تسال المزيد من الدماء على أن تتولى القوات المسلحة قيادة البلاد
تميزت فترة حكم الرئيس الحمدي بتحقيق الكثير من الإنجازات الاقتصادية والتنموية لمسها الشعب اليمني وكان الشهيد يحمل مشروعاٍ لبناء دولة مدنية حديثة
,شغلت منصب المسؤول العسكري والأمني في مكتب شؤون الوحدة منتصف الثمانينيات حتى تحقيق الوحدة وشهدت توقيع إعلان الوحدة في مدينة عدن
يواصل اللواء يحيى محمد الكحلاني حديثه عن الأحداث التي توالت بعد إنهاء حصار السبعين والصراعات السياسية التي تتابعت خلال تلك الفترات وأحداث أغسطس من العام 1968م التي أدت إلى قرار إبعاد المتسببين في هذه الأحداث إلى الجزائر كما تعرض في سياق حديثه عن النهاية المأساوية لأحد أبطال ملحمة السبعين النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب وكيف انتهت به المؤامرات إلى التصفية بطريقة بشعة كما تحدث عن علاقته بالشهيدين الرئيس إبراهيم الحمدي والقائد عبدالله الحمدي قائد قوات العمالقة حيث كان اللواء يحيى الكحلاني أركان حرب قوات العمالقة أثناء تأسيسها وما تلى ذلك من تبعات أدت إلى اعتقاله لمدة عام ونصف العام ودوره في مكتب شؤون الوحدة:
* بعد فك الحصار في فبراير 1968م حصلت أحداث أغسطس من نفس العام حدثنا عن هذه الأحداث وتبعاتها¿
– بعد فك الحصار عن العاصمة صنعاء عدت إلى صنعاء عدد من الشخصيات التي فرت أثناء الحصار ووجدوا أنفسهم بدون أعمال وليس لهم قيمة فأوجدوا الصراع الطائفي والعنصري وبدأ الدور الحزبي فانقسم الناس إلى بعثيين وإلى ناصريين فاستغلوا هذه الظروف واستغلوا طيبة الفريق العمري وأوهموه بأن هناك أشخاصاٍ حركيين ويريدون أن ينفردوا بالسلطة وأنهم موالون للجبهة القومية ولعبوا لعبة كبيرة جداٍ وأنا أشهد لله أن الشهيد عبدالرقيب عبدالوهاب وزملاءه الذين تم اتهامهم بذلك ليس لهم فكر سياسي أو انتماء سياسي أو طموح للانفراد بالسلطة وكانوا يكنون الاحترام والتقدير للفريق العمري وللقاضي الإرياني.
كما أوجدوا الفوارق بين أبناء الوطن الواحد سواء على مستوى أفراد القوات المسلحة أبناء الوطن الواحد وحاولوا بكل الوسائل لإيجاد صدام بين مختلف الوحدات العسكرية وقد اقترح أحدهم أن يتم توزيع أسلحة على أبناء صنعاء القديمة لإيجاد احتكاك وصراع مع أبناء القوات المسلحة لكن أبناء صنعاء القديمة لم يستجيبوا لهذه الأفكار – ومرت الأيام وحاولت نفس الشخصيات تكرارها في العام 2011م حيث تم توزيع أسلحة في صنعاء القديمة.
ونتيجة للشائعات التي أطلقت في أغسطس 1968م حدثت صدامات بين بعض الوحدات العسكرية الموالية لهذه الشخصيات وبين الموالية لعبدالرقيب عبدالوهاب فذهبت أنا وعبود مهدي إلى منزل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر واتفقنا على عقد اجتماع في السابعة مساءٍ من نفس اليوم لتفادي أي وضع قد يحدث ولكن صنعاء اشتعلت في تلك الليلة واستغل الموالون للملكيين الوضع وبدأوا بضرب صنعاء فكانت تلك الوحدات تتوقف عن الاشتباك وتعود لضرب القوى المعادية..
وقد استشهد في هذه الأحداث النقيب محمد صالح فرحان قائد سلاح المشاة ومن ثم هدأت الأمور إلا من بعض المناوشات بعد ذلك وبعد يومين تم استدعاء جميع الفرقاء إلى اجتماع في القصر الجمهوري مع القاضي عبدالرحمن الإرياني وتم الاتفاق على أن يتم مغادرة كل القادة المشاركين في الاشتباكات إلى الجزائر مع الأخوة الذين عادوا من سوريا والقادة المؤثرين في الأحداث والحزبيين والمساندين لهم وكان عددنا 24 شخصاٍ.
وقد سافرنا إلى الجزائر ولكن الحكومة الجزائرية رفضت استقبالنا مع أنها وافقت في البداية ودخلنا كأشخاص غير مرغوب فيهم وتم الاتصال بسفيرنا في الجزائر المرحوم محمد علي الأسدي الذي رتب لنا الإقامة في فندق تابع لأحد اليمنيين يعمل هناك واستقرينا هناك لمدة شهر كامل ثم عدنا إلى القاهرة.
وفي القاهرة عادت مجموعة إلى عدن مثل عبدالرقيب عبدالوهاب وحمود ناجي سعيد قائد المظلات وعبدالرقيب الحربي.. بينما التقينا بالفريق العمري أثناء وجوده في القاهرة وأخبرناه أنه لا داعي لوجودنا في القاهرة بعد أن غادر البعض إلى عدن فأمر بعودتنا إلى صنعاء مع نهاية العام 1968م.
وبعد عودتنا لم يسمح لنا بتولي أي منصب وكانت الأعين مركزة علينا بينما استغل البعض الوساطات والمحسوبية وتولوا بعض المناصب.
* كيف عاد بطل ملحمة السبعين النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب من عدن وكيف كانت نهايته¿
– فوجئنا بعودة النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب إلى صنعاء وكان ذلك بداية العام 1969م وقد التقيت به بحكم الزمالة والصداقة التي بيننا وسألته لماذا عدت من عدن فأخبرني بأنها المعاملة السيئة التي لاقاها لدى الأخوة في عدن وأضاف بأنه أحب أن يعود إلى صنعاء وعند عودته إلى صنعاء وصل إلى عيبان موقع عمله الأول قائداٍ للصاعقة فوجد بأنه قد تم تعيين قائداٍ آخر اسمه حسين الهمامي وكان على خلاف مع عبدالرقيب وكادت أن تحصل مشاكل في ذلك الموقع وحبذا أن ينزل من الموقع تفادياٍ لأي صدامات ما بين المواليين له والمواليين للقائد الجديد.
إلا أن الذين تآمروا عليه في السابق عادوا ليتأمروا عليه مرة أخرى وأوعزوا إلى الفريق العمري بأن عبدالرقيب قد عاد من عدن مدفوعاٍ من القوى الجنوبية ويريد إثارة الوضع في الشمال وعمل انقلاب عسكري وبنفس النغمة قبل أحداث أغسطس 1968م.
وكان النقيب عبدالرقيب قد استأجر بيتاٍ في الدائري وكان بيتاٍ منعزلاٍ وحيداٍ أمام سور الجامعة القديمة وكانت تأتي أفراد من الصاعقة في الليل وتقوم بضرب رصاص من الجهة التي يسكن فيها عبدالرقيب باتجاه مدينة صنعاء بينما يقوم الآخرون بالإيعاز إلى الفريق العمري بأن هذا الضرب يأتي من عند عبدالرقيب فيأمر الفريق العمري بإرسال حراسته لمعرفة الأمر إلا أن هؤلاء الأفراد يفرون من هناك فلا تعرف الحراسة مصدر الضرب فيعودون إلى الفريق العمري ويخبروه أنهم لم يجدوا أحداٍ.
وتستمر الأوضاع هكذا وفي ذات ليلة التقيت بالنقيب عبدالرقيب عبدالوهاب في شارع جمال قبل مقتله بيومين وقلت له ياعبدالرقيب لماذا تسكن في هذا البيت المنعزل¿ تعال واسكن في بيتي أو اسكن في فندق صنعاء أو لدى أحد الزملاء.. لأن هؤلاء حاقدون عليك وسيخلقون لك المشاكل وقد أصبحت وحيداٍ فقال لي: أنا ليس لي علاقة بما يحصل وليس لدي أي أغراض أخرى ولا أسعى إلى أي انقلاب.
وأقولها للأمانة بأن الفريق العمري كان يحب عبدالرقيب عبدالوهاب أكثر من أولاده ويقدره ويعزه وكان معجباٍ به وببطولاته لأنه يعرف أنه بطل وكان له دور كبير في حرب السبعين لكن السيئين المحيطين بالفريق العمري حاولوا بقدر الإمكان إثارة الفريق العمري ضد عبدالرقيب واستغلوا طيبته وأخلاقه وقبيلته.
وحصل في إحدى الليالي أن قامت أفراد من الصاعقة التي يقودها حسين الهمامي بهجوم على منزل عبدالرقيب فهرب من البيت واتجه إلى منزل العقيد علي سيف الخولاني الذي اتجه في صباح اليوم التالي إلى منزل اللواء حمود الجائفي وكان في حديقته يشرب الشاي مع اللواء حسين الدفعي والقاضي عبدالسلام صبرة وعندما وصل إليهم أخبرهم بأن عبدالرقيب عبدالوهاب موجود لديه في منزله وأن حراسة الفريق وأفراد من الصاعقة يبحثون عنه في كل مكان.
بعدها أْبلغ علي سيف الخولاني بأن لا يخبر أحداٍ عن مكان عبدالرقيب فقام أحد الموجودين في الحديقة وذهب إلى الفريق العمري وأخبره بأن عبدالرقيب عبدالوهاب موجود في منزل علي سيف الخولاني فتحركت مجموعة من الصاعقة ومجموعة من حرس الفريق العمري واتجهوا إلى منزل علي سيف الخولاني وبدأوا بضرب النار مباشرة دون الدعوة إلى استسلامه أو خروجه فاستشهد عبدالرقيب مباشرة بعد ذلك دخلوا وأخرجوه وسحلوه من منزل علي سيف الخولاني حتى مبنى الاتصالات في التحرير وقاموا بتعليقه فكانت المجاميع الموجودة هناك من أفراد الشعب في قمة الحزن والأسى والاستنكار لبطل النصر في السبعين بأن يقتل بهذه الطريقة البشعة فهل هذا هو جزاء ثباته ودفاعه عن العاصمة صنعاء في حصار السبعين يوماٍ..
وبلغ الخبر المناضل الشيخ أحمد علي المطري فخرج ومجموعة من أهله وأصدقائه إلى ميدان التحرير وأخذوا عبدالرقيب وغسلوه وكفنوه وتم دفنه في مقبرة خزيمة وقام أهله بالبحث عن قبره فوجدوه وتعرفوا عليه.
* كيف تخلى الفريق العمري عن السلطة ومتى غادر البلاد¿
– ما كنا نلمسه في تلك الأيام خاصة وصنعاء بحجمها الصغير وأجهزة الدولة المعدودة والقريبة من بعضها البعض لم تكن تخفى على أحد أي أسرار أو أحداث كنا نلمس أن الفريق العمري في آخر أيامه في السلطة قد دخل في خلاف مع القاضي الارياني وكان البعض يحاول خلق الفتن ما بينهما “القاضي والفريق” وكان القاضي الارياني ميزان شوكة للعدل والانصاف وكان يحاول أن تمر البلاد بسلام وأمان بدون العودة إلى العنف والصراع والمؤامرات.
فوصلت الاحتكاكات إلى طريق مسدود بين القاضي الإرياني والفريق العمري وكان هناك خلاف ما بين بيت البروي وعلي محسن الحرازي حيث كان يملك استديو في شارع جمال أمام نادي شعب صنعاء فحصلت خلافات بينهما وكان نتيجة ذلك تهديدات بالتلفونات.. فأحد حرس العمري واسمه حسين الحرازي باع تلفونه لعلي الحرازي فكان علي الحرازي يتلقى تهديدات كل ليلة وصادف أن الفريق العمري يريد الاتصال بحسين الحرازي فاتصل برقمه فأجابه علي الحرازي وسأله من معي¿ فأجاب الفريق العمري: أنا الفريق العمري.. فظن علي الحرازي بأن هذه ضمن التهديدات التي تصله دائماٍ بالقتل والسحل وأنهم قد استعاروا اسم الفريق العمري فحصل بينه وبين الفريق العمري تبادل وشتائم.. فاستدعى الفريق العمري حسين الحرازي وأخبره أنه قد اتصل على رقمه فقال له حسين الحرازي أنا قد بعت رقمي لعلي الحرازي فقال الفريق العمري لنذهب إلى وزارة المواصلات للتأكد من ذلك ولما ذهبوا إلى هناك وتأكدوا طلب الفريق العمري بأن يحضروا علي الحرازي فلما جاء علي الحرازي ويبدو أن الشتائم كانت قبيحة ما أدى إلى عدم تمالك الفريق العمري أعصابه كقائد ومسئول كبير في الدولة فيقال إنه أطلق على علي الحرازي الرصاص بحسب تقرير المباحث الجنائية وهناك رواية بأن الفريق ضربه بعصا حديدية أدت إلى وفاته.
وقام حرس الفريق العمري بأخذ جثة علي الحرازي ورموها في بئر مفتوحة في الناحية الجنوبية من مقبرة خزيمة بالقرب من منزل محمد صالح العنسي الذي كان يحفر تلك البئر وعندما جاء العمال في صباح اليوم التالي وجدوا الجثة داخل البئر.
اطلعوا على الجثة وعرف أهل علي الحرازي ما حصل له فجاء أهل حراز واجتمعوا مع ضباط ومسئولين كبار في الدولة وحصلت مشاكل كبيرة وتم الاتفاق على أن يتم دفع الدية لأهل الحرازي وأيضاٍ يقوم الفريق العمري بمغادرة البلاد إلى بيروت والتخلي عن المنصب الذي كان يشغله وكان ذلك في العام 1971م.
* كان لك ارتباطات بأسرة الحمدي.. ماهي علاقتك بهم وكيف جاءت حركة 13 يونيو وصعود العقيد إبراهيم الحمدي إلى رأس السلطة¿
– في العام 1972م تم تعيين القائد عبدالله الحمدي قائداٍ للواء العشرين وأنا كنت قائداٍ للواء الوحدة.. وكان مقر اللواءين في مناطق مريس وقعطبة وعندما كان إبراهيم الحمدي في منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة قام بزيارة اللواءين وطرح القائد عبدالله الحمدي فكرة دمج اللواءين في لواء واحد يسمى لواء العمالقة فتم ذلك وعْين القائد عبدالله الحمدي قائداٍ لقوات العمالقة وتم تعييني أركان حرب قوات العمالقة واستمريت في هذا المنصب حتى العام 1975م حيث تم تعييني وكيلاٍ لوزارة الداخلية لشؤون الأمن العام.
وفي العام 1974م وبالأخص عندما قامت حركة 13 يونيو التصحيحية لم أكن متواجداٍ في العاصمة صنعاء حيث كنت في موقع لواء العمالقة وبحسب الأخبار التي وصلتنا أنه حصل احتكاكات ما بين المجلس الجمهوري وبعض مشايخ القبائل فوصلت الأمور إلى إمكانية حصول مواجهات وبالتالي المزيد من الدماء ستسال ففضل القاضي الارياني الذي كان زاهداٍ عن الحكم أن يتخلى عن السلطة ويغادر البلاد على أن تحدث مواجهات مسلحة وتسال المزيد من الدماء وتم الاتفاق على أن تتولى القوات المسلحة زمام الأمور في البلاد.
وتم اختيار العقيد إبراهيم الحمدي رئيساٍ لمجلس القيادة وتم إعداد مراسيم وداع للقاضي الارياني فقام الرئيس إبراهيم الحمدي بتوديعه وداعاٍ رسمياٍ وشعبياٍ يليق بتاريخه وشخصيته العظيمة وذلك من مطار تعز بعدها عاد الرئيس الحمدي إلى صنعاء لتولي زمام الأمور.
* كيف تنظرون إلى مرحلة الرئيس إبراهيم الحمدي¿
– كانت مرحلة حكم الرئيس إبراهيم الحمدي متميزة في تاريخ الثورة اليمنية خاصة وأنه كان يحمل مشروعاٍ لبناء دولة مدنية حديثة ومشروعاٍ تنموياٍ يتطلع إلى العمل والبناء وكانت أمنية الرئيس إبراهيم الحمدي أن يدفع باليمن إلى بناء دولة مركزية قوية دولة النظام والقانون والحد من سيطرة مشايخ القبائل وسيطرة الخارجين عن النظام والقانون وأعطى لكل شيخ مهامه ومرتبه واعتماداته ليظل في قريته من أجل أن تتاح فرص لبناء الدولة وتحديث القوات المسلحة وعدم تدخل المشايخ في شؤون الحكم.
فاتجه المشايخ إلى قراهم طالما وأن هذا الشخص سيبني دولة النظام والقانون فطبيعة اليمنيين جميعهم يحبون النظام والقانون سواء المسؤولين أو المواطنين العاديين فكان الجميع راغباٍ في ذلك خاصة وأن الدلائل تدل على قناعة الرجل وتواضعه فقد كان يأخذ سيارته ويخرج لوحده متنقلاٍ بين المواقع والمراكز الهامة في الدولة متفقداٍ أحوال البلاد والعباد.
إلا أن أصحاب المصالح الضيقة زادت مؤامراتهم وتكالبهم عليه إضافة إلى تدخلات بعض الدول الخارجية التي لم يعجبها أن تصل اليمن إلى مصاف الدول المتقدمة والحديثة وأن تكون دولة ذات سيادة واستقلالية في اتخاذ القرارات وعلى الرغم من التحذيرات التي كانت تصل إليه لكنه لم يهتم بذلك وكان همه هو إصلاح البلاد وأحوال العباد فحصل ما حصل وراح أخيه عبدالله ضحية معه كما تم تصفية عدد من القيادات من بعده مثل علي قناف زهرة وزير الداخلية وعبدالله الشمسي.
كانت اليمن تعيش في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي في قمة مجدها في ظل الأمن والاستقرار وكانت للدولة هيبتها على الرغم من عدم وجود الإمكانات المادية والبشرية الموجودة حالياٍ لكن فرض هيبة الدولة وسيطرتها على الأوضاع وفرضها للأمن والاستقرار وإبعاد المشايخ والمتنفذين عن التدخل في شؤونها ووْضع الناس جميعاٍ أمام القانون دفع بالجميع للتخلي عن أسلحتهم والاتجاه إلى سلاح العلم والبناء والتنمية والعمل والتعليم فكان الأمن والاستقرار وتطوير الاقتصاد وبناؤه ومشاريع البنى التحتية من طرقات وكهرباء ومدارس ومراكز صحية في مختلف المناطق هي إنجازات الحمدي.. إضافة إلى ارتفاع الاحتياطي النقدي مما جعل البنك الدولي يرفض إقراض اليمن وقالوا لنا: اقرضونا أنتم..
وكذلك إنشاء الشركات التجارية العامة والمختلطة والشركات المساهمة وسعى إلى تطوير الاقتصاد ورفع وتيرة الإنتاج ودعم العمال بجميع قطاعاتهم الصناعية والتجارية والزراعية.
وفي عهده بدأت المفاوضات مع الشركات النفطية حيث وصل وفد من شركة هنت إلى بلادنا للتفاوض على بدء التنقيب عن النفط وقد أقيمت لهم مأدبة غداء في منزل أحمد الغشمي ومن منجزاته التخطيط لإقامة السدود حيث عرض على الشيخ زايد بن سلطان عند زيارته لليمن في العام 1975م مشروع إعادة بناء سد مارب فوافق الشيخ على بنائه على نفقته وبعد اغتيال الرئيس الحمدي تأجل تنفيذ المشروع ولكن التزاماٍ من الشيخ زايد قام بتنفيذ المشروع وافتتاحه في العام 1986م.
وأقول لكم أن الشعب اليمني عاش فترة الرئيس الحمدي واعتبرها كأنها ليلة القدر مرت عليه لفترة بسيطة خلال ثلاث سنوات ونصف ومن ثم ذهبت.
* لماذا تم اعتقالكم في العام 1977م بعد عودتكم من الاتحاد السوفيتي¿
– لقد تم تعييني ملحقاٍ عسكرياٍ في الاتحاد السوفيتي قبل اغتيال الرئيس الحمدي بفترة وجيزة وعندما كنت هناك في موسكو كان لدي صديق “لا أحب أن أذكر اسمه” وقضى عندي شهراٍ في بيتي وعندما عاد إلى اليمن أراد أن يتقرب من القيادة الجديدة بعد اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي وقال للرئيس الغشمي بأني قد عملت مؤتمراٍ صحفياٍ في موسكو وصرحت للصحفيين بأن أحمد الغشمي هو قاتل الحمدي وأضاف هذا الرجل بأني قد قْدت مظاهرات للطلاب اليمنيين في موسكو.. وهذا بالطبع لم يحدث..
وهذا ما بلغني من أحد الأصدقاء الذي كان موجوداٍ في نفس اللحظة وقد دافع عني وقال للغشمي: يافندم هذا غير معقول.. يحيى الكحلاني لا يمكن أن يعمل هكذا.. وهو رجل دبلوماسي ورجل عسكري لا يعقل أن يقول هذا الكلام.. لكن الرئيس أحمد الغشمي صدق هذا الكلام وأصدر أوامره بتوقيفي عن العمل وقام بتعيين محمد شايف جار الله بدلاٍ عني.
وقبل أن أعود كانت لي اتصالات مع بعض الأصدقاء في اليمن ونصحوني بعدم العودة لأن الأجواء ليست مستقرة وأن القيادة الجديدة تعمل على تثبيت الأوضاع حتى مع المشايخ قام الغشمي بتهديدهم وقال لهم: كل واحد يعود إلى قريته فأنا ليس عندي حبس.. ويقصد أنه لن يرحم أحداٍ..
وقررت العودة إلى صنعاء في 25 ديسمبر 1977م أي بعد شهرين ونصف من اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي واستقبلني في مطار صنعاء مجاميع من جماعة محمد خميس قائد الأمن الوطني في تلك الأيام وأخذوني من المطار رأساٍ إلى الزنزانة في الأمن السياسي واستمريت سنة وثلاثة أشهر بعدها تم نقلي إلى السجن المركزي حيث قعدت هناك ثلاثة أشهر أخرى أنا وعبدالحفيظ بهران ومجموعة من الأخوة.
كنا في وضع سيء في سجن تابع للأمن السياسي وكان عبارة عن عشر زنزانات في بيت الحسين في حنظل في البونية وكنا مجموعة في تلك الزنزانات وهي انفرادية بطبيعة الحال ولم نكن نستطيع رؤية بعضنا البعض فقط كان يفتح لنا الباب للذهاب إلى الحمام ومن ثم العودة وبعد أن تعارفنا بطريقة ما كان ضمن المعتقلين هناك سلطان القرشي وعبدالرحمن الخالدي وعلي صالح عباد وعلي مثنى جبران وعلي خان وطه فوزي وأحمد الوديدي وأحمد الفسيل.. كما اعتقلوا الأربعة الطيارين الذين جاءوا بالشنطة التي اغتالت الغشمي فيما بعد وأتوا بهم إلى هذا المعتقل ونقلوا أحمد جبران وأتوا بحسين الكبسي الذي حذر الرئيس الحمدي من تآمر الغشمي عليه فكنا جميعنا نتعارف بطريقة ما فعرفت أسماء هؤلاء.
* أنتم على اطلاع باختفاء بعض الشخصيات مثل سلطان القرشي وعلي خان وطه فوزي وعلي مثنى جبران كيف حصلت هذه الحادثة¿
– ما أعرفه ومن خلال جنود الحراسة الموجودين بأنهم في إحدى الليالي ولازلنا مستيقظين حوالي الساعة الواحدة أو الثانية بعد منتصف الليل جاء من أخذ سلطان القرشي وعلي خان وعلي مثنى جبران وأخذوا طه فوزي وأخذوهم ليلة إعدام الناصريين في 15 أكتوبر 1978م يوم انقلاب الناصريين الذي فشل.
* كيف تم الإفراج عنك وما هي المسؤوليات التي توليتها بعد ذلك¿
– تم الإفراج عني بعد حرب 1979م التي حصلت في المناطق الوسطى وبعد الاتفاق بين علي ناصر محمد وعلي عبدالله صالح بإطلاق جميع المعتقلين وإطلاق الطيارين الذين كان قد تم اعتقالهم بعد اغتيال الغشمي فخرجت في يونيو 1979م وقعدت بلا عمل حتى العام 1981م بعدها تم تعييني وزيراٍ مفوضاٍ في سفارتنا بالسودان واستمررت ثلاث سنوات ونصف وفي العام 1985م عدت إلى هنا وتعينت المسئول العسكري والأمني في مكتب شؤون الوحدة حتى تحقيق الوحدة وكنت ضمن الوفد الذي نزل من صنعاء إلى عدن للتوقيع على اتفاقية الوحدة.
وبعد الوحدة مباشرة عْينتْ نائباٍ لمدير دائرة الرياضة العسكرية وفي العام 1995م تم تعييني مديراٍ لدائرة الرياضة العسكرية حتى تم إحالتي للتقاعد في العام 2007م.
* من خلال تاريخك الطويل ومعاصرتك لأهم الأحداث التي مرت بها الثورة اليمنية كيف تقيمون أوضاع البلاد خلال 51 عاماٍ من قيام الثورة وإلى ما ستصير إليه بعد الأحداث الأخيرة التي مرت بها¿
– الوضع في اليمن أصبح شائك لا يسر لا عدو ولا صديق نتمنى من القوى الوطنية أن تنظر إلى مصلحة الوطن ومصلحة البلاد والعباد بدلاٍ من النظرة الضيقة إلى مصالحهم الشخصية والحزبية فهل يعقل بعد 51 عاماٍ من عمر الثورة ولا زال وضع هذا الشعب على ما نراه الآن هذا الشعب الذي قدم آلاف التضحيات من خيرة شبابه وأبنائه من أجل حياة كريمة وعزيزة ونظيفة فقد أصبح الفساد مستشرياٍ في كل مكان وفي كل أجهزة الدولة المدنية والعسكرية والأمنية الناس في معاناة وفي فقر.. بينما نشاهد القصور في حدة وفي فج عطان وبيت بوس وغيرها من المناطق فهناك طبقة تزداد ثراءٍ وطبقة تزداد فقراٍ.. فمن أين لهم بكل هذا¿
فإلى متى سيستمر الوضع هكذا ونوجه رسالة إلى مسؤولي الدولة وكل من يشغل منصباٍ قيادياٍ أن عودوا إلى ضمائركم أنظروا إلى أمتكم وإلى شعبكم يكفي هذا الفساد نحن أبناء حضارة وتاريخ مجيد لننظر لبعض الدويلات التي كانت لا شيء قبل بضعة عقود وهي الآن تزخر بالتقدم والرقي وانتعاش في الاقتصاد بينما نحن نعيش وضعاٍ مأساوياٍ في مجالات مختلفة التعليم والصحة والثقافة وحتى التعليم الجامعي وغيرها من المجالات رغم المبالغ الكبيرة المعتمدة لهذه القطاعات إلا أن الفساد يأخذ حظه من ذلك ويضعف البنية التحتية للبلاد وهناك قضايا كبيرة لابد من تداركها نعيش الآن على بنية تحتية تم إنشاؤها من الستينيات والسبعينيات فأين الخطط الاستراتيجية التي سنقدمها للأجيال القادمة وأين ضمير هذه الأمة.
وأخيراٍ أقول لابد من تعاون جميع القوى السياسية مع القيادة الجديدة للبلاد للخروج من هذه الأزمات وهذا المأزق والنظر إلى مصالح هذا الشعب الذي قد أعيته الصراعات السياسية والعسكرية منذ قيام الثورة وحتى الآن.