يبذل الكيان الصهيوني في وقتنا الحالي الكثير من الجهود للاستفادة من التوترات الأخيرة التي تشهدها منطقة الخليج الفارسي الاستراتيجية، والتي نشأت بسبب تصرفات وحماقات أمريكا وحلفائها الغربيين.
وحول هذا السياق، أعرب وزير الخارجية الإسرائيلي “يسرائيل كاتس” الثلاثاء الماضي أثناء اجتماع مغلق للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست الإسرائيلي، أن “تل أبيب” جزء من تحالف أمن الرحلات البحرية الأمريكية في الخليج الفارسي، حيث ستشارك في المجال الاستخباراتي ومجالات أخرى وتزامن إقرار “كاتس” بمشاركة إسرائيل في التحالف الأمني بالخليج مع انطلاق تمرين دولي بقيادة ذراع البحرية الإسرائيلي في ميناء حيفا، ويشمل التمرين الذي سيستمر عدة أيام وتشارك فيه عشرة أساطيل أجنبية، التدرب على سيناريو يحاكي عمليات المساعدة الإنسانية في حال وقوع هزة أرضية وينسجم اعتراف الوزير الإسرائيلي مع الزيارة التي قام بها إلى العاصمة الإماراتية أبو ظبي مطلع يوليو الماضي، حيث ناقش مع مسؤول إماراتي كبير الجوانب الإقليمية والعلاقات بين البلدين، كما بحث معه تغلغل النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط وسبل مكافحة التهديد الإيراني، وذلك على جانب مشاركته في مؤتمر الأمم المتحدة لشؤون البيئة.
لكن الشيء الأكثر غرابة هنا، هو التقاعس الكبير للزعماء العرب عقب إعلان الكيان الصهيوني استعداده للانتشار في منطقة الخليج الفارسي الاستراتيجية ومنذ إعلان “تل أبيب” عن استعدادها للمشاركة في التحالف البحري في منطقة الخليج الفارسي قبل بضعة أيام، لم يرد أي بلد عربي تقريباً على هذا الموقف الصهيوني، ولهذا فلقد انتشرت العديد من الهمسات حول موافقة الحكام العرب على هذه الخطوة الصهيونية والتي قد تكون بمثابة الخطوة الأولى في سُلّم التطبيع العلني.
وحول هذا السياق، أعرب الصحفي المعروف “عبدالباري عطوان”، عن أن انضمام دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى التحالف الأمريكي الذي دعا لقيامه الرئيس “دونالد ترامب” تحت ذريعة تأمين الملاحة البحرية في الخليج ومضيق هرمز، خطوة خطيرة لتكريس التطبيعين الأمني والعسكري بين “تل أبيب” ومُعظم دول مجلس التعاون الخليجي.
وقال إن إسرائيل لا تملك أساطيل بحرية، وليست من دول الجوار لهذا الممر الملاحي الدولي، وليس لديها ما تضيفه في ظل وجود مئات البوارج وحاملات الطائرات الأمريكية والبريطانية، وأكد أن عضويّة إسرائيل في هذا التحالف البحري الجديد هي مقدمة لتتويجها وكيلة لواشنطن كمسؤولة عن حماية أمن الدول الخليجية من فزّاعة الخطر الإيراني، الأمر الذي يعني عزل هذه الدول كُلياً عن مُحيطها العربي والإسلامي وربطها بالكامل بالأمن الإسرائيلي في منظومة أمنية وعسكرية جديدة.
ومن جهته، أعلن وزير الخارجية العراقي “محمد علي الحكيم” يوم الاثنين الماضي رفض بلاده مشاركة إسرائيل في قوة الأمن البحرية لحماية السفن التجارية في مضيق هرمز الاستراتيجي الواقع في قلب التوتر مع إيران.
وأضاف: إن الدول الخليجية مجتمعة قادرة على تأمين مرور السفن في الخليج وأن العراق يسعى لخفض التوتر في منطقتنا من خلال المفاوضات الهادئة، مؤكداً أن وجود قوات غربية في المنطقة سوف يزيد من التوتر.
وأكد “الحكيم” سعي العراق إلى خفض التوتر في منطقة الشرق الأوسط من خلال المفاوضات الهادئة، معتبراً أن وجود قوات غربية في المنطقة سوف يزيد من التوتر.
وكانت طهران قد اعتبرت في الأسبوع الماضي أن أي مشاركة إسرائيلية تحمل طابعاً استفزازياً للغاية ويمكن أن تعود بتداعيات كارثية على المنطقة، ولا يزال التوتر يتصاعد في المنطقة منذ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق الدولي مع إيران وإعادة فرضها عقوبات قاسية بحق طهران.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن معارضة بغداد للوجود الصهيوني في منطقة الخليج الفارسي تعود إلى ثلاثة عوامل:
أولاً، العراق نفسه هو أحد البلدان التي تصدّر كميات كبيرة من النفط عبر الخليج الفارسي، وبالتالي، إذا دخل الكيان الصهيوني منطقة الخليج الفارسي، فإن هذه المنطقة ستتأثر بشدة وسينعدم الأمن والأمان في هذه المنطقة، وهذا الأمر سيؤثر سلباً على الوضع الاقتصادي للعراق، خاصة وأن بغداد تعيش الآن في مرحلة ما بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي وتبذل الكثير من الجهد في وقتنا الحالي لإعادة بناء اقتصادها المتهالك.
ثانياً، ترى بغداد أن وجود الكيان الصهيوني في منطقة الخليج الفارسي، يصبّ في عكس سياستها المتمثلة في الحدّ من التوترات على المستوى الإقليمي، خاصة وأن العراق عقد مؤخراً مشاورات سياسية مع قادة عدد من الدول العربية، بما فيها مصر والأردن وذلك من أجل تخفيف حدّة التوترات في المنطقة.
لذلك، فمن الواضح أن السلطات العراقية ترى أن وجود الكيان الصهيوني في المنطقة سوف يزيد من حدّة التوترات في المنطقة.
ثالثًا، يعتبر المسؤولون العراقيون، على عكس الشيوخ العرب في السعودية والإمارات والبحرين وغيرهم، أن مصالح المنطقة تستند إلى إحلال السلام والاستقرار في المنطقة، بينما يقوم القادة والحكام العرب بنشر الفوضى في المنطقة للمحافظة على مناصبهم وكراسيهم، ولهذا السبب عارضت بغداد بشدة وجود الكيان الصهيوني في منطقة الخليج الفارسي.
على أي حال، ما يبدو واضحاً هنا هو أنه على الرغم من التقاعس الكبير للزعماء العرب فيما يتعلق بالرد على استعداد الكيان الصهيوني للوجود في الخليج الفارسي، إلا أنه يمكن القول هنا إن هذا الكيان الغاصب يقوم في وقتنا الحالي بخطوة خطيرة قد تكون سبباً في زواله، خاصة وأن جمهورية إيران الاسلامية له بالمرصاد وتعمل حالياً على زيادة وجودها العسكري في مياهها الإقليمية.
وفي الأسابيع الأخيرة، أظهرت جمهورية إيران الإسلامية، من خلال سلسلة من الإجراءات القوية والحاسمة والشجاعة، بما في ذلك الإطاحة بطائرة التجسس الأمريكية، وكذلك احتجاز ناقلة النفط البريطانية في منطقة الخليج الفارسي، أنها لن تتسامح مع أي توترات في المنطقة ومما لا شك فيه أن الصهاينة اليوم يدركون جيداً تنامي قوة طهران في المنطقة وأنه يمكنها مواجهتهم إذا ما اتخذوا أي خطوات مستفزة في منطقة الخليج الفارسي.