عواصم/ وكالات
طالبت الحكومة الأمريكية خلال الأيام الماضية حكومة الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، بوقف الحملة العسكرية التركية على مناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها القوات الديمقراطية السورية، إلا أن الرئيس التركي ضرب كل تلك المطالبات عُرض الحائط، وأكد قبل عدة أيام ضرورة القيام بعمليات عسكرية في تلك المناطق..
وحول هذا السياق أشارت العديد من تقارير وسائل الإعلام إلى أن الجيش التركي قام خلال الفترة الماضية بنشر الكثير من المعدات العسكرية الثقيلة على حدود تركيا الجنوبية مع سوريا..
ولفتت تلك التقارير إلى أن حُجَّة الرئيس التركي “أردوغان” هي أنه إذا لم يتم تنفيذ هجوم عسكري على مواقع الجماعات السورية الكردية التي تعتبرها الحكومة التركية من الجماعات الإرهابية وجزءاً من حزب العمال الكردستاني، فإن تلك الجماعات ستنفذ الكثير من الهجمات الإرهابية على تركيا في المستقبل القريب وسيتعيّن على الأتراك أن يدفعوا ثمناً باهظاً لمواجهة حكومة شرعية ومقبولة دولياً..
وفي سياق متصل أكد الرئيس “أردوغان” أن بلاده على وشك إطلاق عملية عسكرية جديدة لـ”تجفيف مستنقع الإرهاب” في مناطق شرق نهر الفرات شمالي سوريا، سواء أكان ذلك مع حلفائها أم من دونهم، وقال “أردوغان” في كلمة أمام السفراء الأتراك في أنقرة يوم أمس الأول: “إن المسار الذي بدأه الجيش التركي عبر عمليتي ما يعرف بدرع الفرات وغصن الزيتون سيدخل مرحلة جديدة قريباً”..
وشدد الرئيس التركي على أن بلاده تملك الحق في اتخاذ كل التدابير للقضاء على التهديدات التي تستهدف أمنها القومي..
وأضاف أن هدف العملية هو القضاء على الإرهاب شمال سوريا بصفتها قضية ذات أولوية قصوى بالنسبة لبلاده، في إشارة إلى حرب أنقرة ضد حزب العمال الكردستاني والتنظيمات والجماعات التي تعتبرها مرتبطة به..
وقال: “لا يمكن لتركيا أن تشعر بالأمان ما لم يتم القضاء على ذلك الكيان الذي ينمو كالخلايا السرطانية على حدودنا الجنوبية، مع استخدام الأسلحة الثقيلة المقدمة إليه من حلفائنا”..
وأكد أن عملية شرق الفرات لا مفرّ منها، قائلاً: “إذا لم نقم بما يلزم القيام به اليوم، سندفع ثمناً باهظاً في المستقبل”.
من جهته حذّر “مارك إسبر” وزير الدفاع الأمريكي من شنّ تركيا أي عملية عسكرية أحادية فيمناطق شرق الفرات شمال سوريا، وقال: ” واشنطن ستمنع أي توغل أحادي تركي في سوريا من شأنه أن يؤثر على المصالح المشتركة لأمريكا وتركيا وقوات سوريا الديمقراطية التي تشكل قوامها وتقودها وحدات حماية الشعب الكردية في مناطق بالشمال السوري”.
وتأتي هذه التصريحات الأمريكية في وقت تتواصل فيه المحادثات بين وفد عسكري أمريكي مع المسؤولين الأتراك في أنقرة للتوصل إلى اتفاق بشأن إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري شرق الفرات.
وفي تصريحات له أثناء زيارته اليابان أكد وزير الدفاع الأمريكي أنه ليس لدى أمريكا أي نية للتخلي عن تلك الجماعات الكردية، فقد قام الأكراد السوريون بدور جنود المشاة لواشنطن في المعادلات السياسية السورية خلال التطورات الميدانية ما بعد عام 2014م..
وربط حزب التحالف الديمقراطي رسمياً مستقبله السياسي بسياسات أمريكا، ومع ذلك فإن الجانب الخطير للمشكلة بالنسبة لهم هو أنه أصبح من الواضح أن الرئيس “ترامب” ليس على استعداد للإنفاق على القوى التي كانت الحليف التقليدي لأمريكا لعقود ..
وحول هذا السياق يمكن أيضاً قراءة تعليق الرئيس “أردوغان” عندما قال: “نتوقع من أمريكا كحليف لنا في الناتو، وشريكنا الاستراتيجي في المنطقة أن تتخذ خطوة حقيقية في مصلحة حليفتها الحقيقية في القضية السورية”..
وهذا يعني أنه ينبغي على واشنطن ألّا تنسى شريكها الاستراتيجي في الناتو ويجب على الرئيس “ترامب” أن يقف في نهاية المطاف إلى جانب أنقرة، وليس إلى جانب الأكراد السوريين..
في الوضع الحالي من المحتمل أن يقوم الرئيس “أردوغان” بتنفيذ جميع تهديداته والمضي قدماً في شنّ هجوم عسكري على الأكراد السوريين والسيطرة على مناطقهم في الشمال السوري..
ويمكن اعتبار أن الخطأ الاستراتيجي الأكثر أهمية للأكراد السوريين في المعادلات الميدانية هو استمرار اعتمادهم على واشنطن وعدم تصالحهم مع دمشق، ففي أوائل عام 2018م، وفي خضم الصمت الأمريكي وجميع الدول الغربية استولت تركيا والقوات المدعومة على مدينة “عفرين”، ثم أعلن الرئيس “ترامب” انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، لكن الأكراد السوريين لم يتمكنوا من فهم أن واشنطن سوف تتخلى عنهم في النهاية..
وفي ظل تلك الظروف أتيحت للأكراد الفرصة ليس فقط ليكونوا ضحية للتطورات، ولكن ليكونوا شريكاً جديداً مع الحكومة المركزية، وبالتالي كانوا سيتمكنون من تأمين حدود الأراضي الكردية، إلا أنهم للأسف الشديد لم يستغلوا تلك الفرصة ولم يتمكنوا من التقرّب من حكومة دمشق، ولهذا فإن أنقرة تعود اليوم لخططها في غزو مناطق الفرات الشرقية واحتلال مناطق أخرى من الأراضي السورية بحُجَّة مكافحة الإرهاب.
إذا تم تنفيذ تهديدات الرئيس “أردوغان” بشنّ هجوم على شمال سوريا، فإن المعادلات الميدانية في سوريا ستصبح أكثر تعقيداً مرة أخرى، لأن روسيا وإيران لن ترضيا بتنامي قوة تركيا في سوريا..إضافة إلى أن روسيا وإيران أعربتا عن أن سلوك تركيا الحالي مخالف للالتزامات التي تعهّدت بها أنقرة في اجتماعات “أستانا”..
وتبعاً لذلك يمكن وصف هجوم الجيش التركي على مناطق شرق الفرات بأنه بداية جولة جديدة من الاضطرابات في المعادلات السياسية السورية.