رسالة إلى المحَامية هِيلينا ..الضّريرَة في اليمَن والبَصيرة فِي السُعوديَة
مطهر يحيى شرف الدين
أرعدت وأزبدت ونددت وشجبت وأكدت مراتٍ عديدة على وجوب احترام القانون الدولي الإنساني ، تحدثت عن المبادئ والقيم وعن تعزيز احترام سيادة القانون والدفاع عنه وعن حماية حرية الرأي والتعبير ، وقالت يجب ألا نقف مكتوفي الأيدي وينبغي أن نرفع أصواتنا في حال وقوع جرائم وانتهاكات تمس حقوق الإنسان ، ذكرت في معرض تقريرها قضية خاشقجي وقالت : شيء فظيع أن تبقى هذه القضية بدون اتخاذ إجراءات مساءلة بحق منتهكي الحقوق والحريات في السعودية وأشارت بأصابع الاتهام إلى محمد بن سلمان وضلوعه في ارتكاب الجريمة ،تلك هي المحامية البارونة هيلينا كنيدي عضو مجلس اللوردات البريطاني التي قرأت الأسبوع الماضي التقرير الصادر عنها وعن منظمات حقوقية أمام مجلس اللوردات في مؤتمرٍ صحفي تم بثه في العديد من الفضائيات العربية والغربية بشأن انتهاج السلطات السعودية للعنف وانتهاكات حقوق الإنسان منها عقوبات الإعدام بهدف إسكات أصوات المعارضة لنظامها ، أشارت هيلينا إلى أن السلطات السعودية نفذت 136 حكماً بالإعدام وقالت إن لدى النظام السعودي قوانين غير واضحة بشأن التعامل مع جرائم ارتكبها أشخاص معتقلون ، تحدثت عن افتقاد النظام السعودي للسلام والعدالة وأشارت إلى الاتفاقيات التي لم توقع عليها السعودية وكذلك المعاهدات التي وقعت عليها وبالرغم من توقيعها على البعض منها إلا أن النظام السعودي لا يحترم تلك المعاهدات ، هيلينا قالت أثناء قراءتها للتقرير إنه يجب على السعودية أن تتوقف عن ممارسة التعذيب والانتهاكات الماسة بحقوق الأطفال وينبغي عليها أن تدرك أهمية مركزها في العالم وأن ما يربط السعودية بالمملكة المتحدة هو العامل التجاري فقط ومن غير المقبول أن تستمر بريطانيا في شراكة مع دولة تنتهك الحقوق والحريات ..البارونة هيلينا أمام مجلس اللوردات تفانت جداً في مواجهة انتهاكات النظام السعودي وإثباتها لتلك الانتهاكات إلى درجة أنها جاءت إلى المجلس وبصحبتها الشاهدة زينب شقيقة أبو الخير المعتقل لدى السعودية وكان لها حضور وشهادة أمام مجلس اللوردات فتحدثت قائلة : تعرض أخي لأشكال من التعذيب وأجبر على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها وأُجبر أيضاً على أن يضع بصمات الاعتراف على الاتهامات الموجهة إليه ، وذكرت شقيقة المعتقل أبو الخير أن النيابة العامة لم تقدم أي إثبات أو أدلة لإدانة أخيها كما أن محاكمته كانت مخالفة لإجراءات التحقيق وقواعد المحاكمة ..مجلس اللوردات البريطاني استمع أيضاً لشهادةٍ أخرى للدكتور عبدالله سلمان العودة في مداخلة تلفزيونية عما يتعرض له والده المعتقل من انتهاكات ومن إجراءات عبثية في التعامل معه، وآخرون يصل عددهم إلى 37 متهماً اعتقلوا في ظروف غامضة كانت تهم البعض منهم أنهم حاولوا الدفاع عن مساجين تم اعتقالهم بشكلٍ تعسفي”.
كان لقراءة التقرير نقاش وجدل في المجلس أكبر بكثير مما ذكرت ولكني تعمدت أن أُشير لذلك بإيجاز لنعرف كيف كانت المحامية هيلينا مبصرة جداً ومتفانية في كشف انتهاكات السعودية للحقوق ولحرية الرأي والتعبير بشكلٍ كبير ضد مواطنيها وكيف أضحت هيلينا عديمة الإحساس وضريرة أمام ما يجري من عدوان دولي تقوده السعودية على اليمن منذ عدة سنوات لا يهمنا في هذا المقام أن نتعرض للأهداف المغرضة الخفية من وراء تلك الملفات الحقوقية التي تُعد ضد النظام السعودي ولكن الأهم من ذلك هو استنكارنا لغض الطرف والتعامي عما يجري في اليمن من جرائم مروعة وانتهاكات جسيمة من قبل النظام السعودي الذي يقود تحالف العدوان وكيف أن المحامية هيلينا كشفت وأثبتت وأحضرت الشهود متحدثةً بشكل دقيق عن انتهاكات النظام السعودي بحق حرية الرأي وتقييده للحقوق والحريات.
ولذلك كان من اللازم أن نتطرق إلى هذا الجانب الذي يجب علينا جميعاً أن نعمل على كشف مظلومية الشعب اليمني وإبراز الجرائم والإنتهاكات الصارخة والمخالفة للعهود والمواثيق والقوانين الدولية الإنسانية ونبعث رسالة تتضمن أسئلة إلى المحامية البارونة هيلينا المبصرة في انتهاكات السعودية ضد معارضيها والضريرة عن جرائم وانتهاكات هذه الأخيرة في اليمن ولذلك نسأل :
هل تعرفين ماذا يجري في اليمن من جرائم وانتهاكات بالجملة تم ارتكابها من قبل النظام السعودي وحلفائه ؟، وهل تعرفين مدى ما خلفه النظام السعودي وحلفاؤه في اليمن من كارثة إنسانية بسبب عدوانهم على شعبٍ بأكمله ؟ وهل تدركين حجم المأساة والحصار والأزمة التي حلت باليمن بسبب عدوان تحالف العدوان السعودي الأمريكي ؟
وإذا كنتِي تدّعين الدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته فهل تعلمين أن مئات الآلاف من اليمنيين محرومون من مرتباتهم منذ أكثر من ثلاث سنوات بسبب تحالف العدوان على اليمن ؟،وهل وصلت إلى مسامعكِ البيانات الصادرة عن منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية والصليب الأحمر التي نددت فيها مراتٍ عديدة بجرائم وانتهاكات العدوان السعودي الأمريكي الظالم على اليمن ؟ ،وإذا كنتِ مهتمة ومعنية بحقوق الإنسان في الحياة وحريته في العيش بكرامة ، هل سمعتي عن قصف طائرات العدوان لمطار صنعاء الدولي والحصار البري والبحري والجوي الخانق على الشعب اليمني ؟
وهل سمعتيِ عن استهداف الطرقات والجسور بالقصف بما فيها من مسافرين أبرياء وكذلك قصف الأحياء المدنية وصالات العزاء والأعراس واستهداف المنشآت الخدمية والقطاعات الاقتصادية واستهداف البنى التحتية بالقصف والتدمير ؟
هل علمتِي بجريمة استهداف مخيمات النازحين في حرض وهل سمعتِي عن جريمة الطفولة في صبر م/ صعدة ؟وهل رأيتي ذات يوم مشاهدِ لما خلفته جريمة استهداف قاطرة الغاز في يريم وجريمة قصف حفل الزفاف بسنبان وجريمة محطة كهرباء المخا وجريمة استهداف مجلس العزاء في الصالة الكبرى بصنعاء وجريمة استهداف الأحياء المدنية في نقم ، وجريمة استهداف أطفال ضحيان؟ ،هل تعلمين أن عدد ضحايا كل جريمة من هذه الجرائم لا يقل عن 100 ما بين شهيد وجريح وأن هذه الجرائم لا تمثل حتى 5 % من إجمالي الجرائم التي ارتكبها تحالف العدوان بقيادة السعودية بحق الملايين من الشعب اليمني خلال أكثر من أربع سنوات ،هل فكرتيِ يوماً أن وراء كل جريمةٍ قتلى وجرحى من المدنيين الأبرياء وأن وراء كل ضحية أماً مكلومة وطفلاٍ يتيماً ومُسناً وحيداً وأسرة بلا عائل ؟ هل أدركتي مدى الألم والوجع والقهر الذي لحق بأهالي الضحايا ؟
هل سألتيِ نفسكِ يوماً لماذا كل هذا العدوان الهمجي الظالم على شعب اليمن وماهي دوافعه ومبرراته الحقيقية ؟
هل أصبحتِ الانسانية تخضع للمزاجٍ وللمصلحة السياسية والمادية ؟، وهل أصبح ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الإنسانية والاتفاقيات والعهود الدولية والمبادئ الأممية مجرد ظاهرة إعلامية يتم الحديث عنها في المحافل الدولية نسمعها ليل نهار دون أن يكون لها أدنى تطبيق على واقع العدوان الدولي على الشعب اليمني ؟
وأخيراً أيتها المحامية البارونة ما موقفكِ من ذلك كله وهل حركت تلك الجرائم فيكم ساكناً أو إحساساً أو عاطفة؟ وهل أحسستم لحظةً واحدة بتأنيب الضمير ؟وهل يستحق موضوع العدوان على اليمن أن يُذكر في محفلٍ دولي أو يتم تناوله كانتهاكات وجرائم بحق الملايين من البشر ؟ وهل ستدركون يوماً عدالة القضية التي يقاتل من أجلها أبناء اليمن ؟ فإذا كنتم لا تريدون أن تدركوا أو تعلموا أو تبصروا أو تسمعوا فاعلموا أن الله تعالى قال في محكم كتابه ” وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ”.