من سمات القيادة الحركية مرونة وحزم ، وتواضع وعزة
محمد ناجي أحمد
ينطلق القيادي في حركته وفكره من أرضية تكريم الله لبني آدم ،والنظر إلى الخلق من منظور (وحدة الأصل) والتكريم « وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ».
فصيغة (تفضيلا)تجعل تميز الإنسان في ديمومة وتفعيل مستمر ،لا يحده زمان أو مكان أو عمل ،فكلكم لآدم وآدم من أديم الأرض (من تراب)فالجميع ولدوا من أرومة واحدة وشرف ونسب واحد يعود إلى الحق الذي يقول للشيء كن فيكون.
وفكرة التوحيد في الإسلام تقوم على وحدة الدين إلى جوار وحدة الإنسانية «إن الدين عند الله الإسلام «والإسلام توحيد وتنزيه للألوهية ،أي تحرر من كل أشكال العبودية للخلق .الإسلام قانون وشرعة تقرر وتنظم الحقوق والواجبات ،بما يحقق غاية الدين (حرية الإنسان وكرامته )أي تجسيد مكارم الأخلاق ،وجعلها قرآناً يمشي على الأرض ،متحركاً ،بوصلته أن الإنسان في أعلى مقام التكريم ،لا ينقص من كرامته لون أو جنس أو زمان أو مكان أو عمل أو نسب ،فشرف الانتماء يكون للحق الذي خلق الإنسان وعلمه البيان .
ولأن الدين عند الله هو الإسلام ،فهو بغير حدود للناس أجمعين ،ومنهجه الأخلاقي لرسالته :الرحمة « وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ «.
إن شرف الانتماء إلى التراب (الأرض /الوطن)لا يعلو عليه انتماء ،ثم يأتي الإتقان (التقوى)في العمل ليتمايز الناس بجهدهم وكسبهم ،فكرا واستصلاحا للأرض والحِرَف ،وتعاملهم في ما بينهم ،فمن أحسن أحسن لنفسه ،ومن أساء فعليها.
إن الحكم أمانة ، والأمانة عدل والعدل شرعة ومنهاج « إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا «.ولهذا اختتمت الآية بالتأكيد على أن الله سميع لكل أقوالنا وبصيرُ بأفعالنا.
إن من أهم سمات القائد الحركي أن يكون ودودا رحيما ،فالتراحم والتواد يفتحان أبواب القلوب الصدئة ،ويجلوان البصائر،ويجددان الثقة بين القائد ورجاله ،وبين الحاكم وهيئة مشورته .
فآصرة التواد والتراحم جوهرية في سياسة القائد والحاكم « فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ «.
ومن سمات القائد والحاكم عدم الحقد ،وأن يعزز من تنوع الأصوات والآراء التي يستشيرها ،وأن يتفهم أن الناس ليسوا على درجة سواء من حيث عمق الفكر ونضجه ورحابته ،وليسوا على سواء من حيث المشاعر والقدرة على ضبطها ،وحيوية الوجدان مختلفة بين هذا وذاك.
بل إن من اشتط به غضبه وخرج عن المألوف في عرض أفكاره ،وجمحت به مشاعر الغضب فإن القرآن يحدد لنا طريقة التعامل وترويض هذا الجموح بـ» فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ » العفو والصفح والاستغفار والدعاء بأن يهتدي الجميع إلى سواء السبيل «الصراط المستقيم»»كلمة سواء «وهنا يكون العفو والاستغفار ليس زهدا وتصوفا عابرا ،بل نهجا في تصفية القلوب ،عملية مستمرة للتطهير وتزكية النفوس ،وتصفية القلوب ،وإحياء لها مما غشيها من ريبة أو أصابها من انحراف وشطط، بفعل الغضب أو الهوى والميل.
فالتنوع يعطي للقائد والحاكم مساحة واسعة من التصورات المختلفة للمشكلة أو القضية المعروضة ،أو المواقف التي تقتضي اتخاذ قرارات فيها .
والقائد أو الحاكم لا يتكبر « إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ » فالكبرياء ادعاء لصفة من صفات الله «وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم».
فعزة الله وحكمته اقتضت تحريم الاستكبار بين عباده. ومن الاستكبار على الناس الإحساس بالتمايز العنصري ،الذي يوقع في محنة الكفر «قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين».
والترف آفة الفرد والأمم «وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا » فالترف يحلل الإرادة، ويجعلها خائرة واهنة .وإذا تحللت الإرادة تحلل الإنسان من الحياء ،الذي هو جوهر الرسالة المحمدية «فإن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء» ومن كلام النبوة الأولى «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» فالترف يغري بالإجرام والوقوع في الظلم ،بل هو ظلم مبين ،ففي الترف يكون عقم الفكر والتصور ونضوب حيوية الفرد والأمة.، وضعف الشعور والإحساس الإنساني ،والتحجر في الرؤى وقسوة القلوب.فتتسع حجب القلب « كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ». فيصبح القانون هو قانون الشهوات الضارية ،والشريعة هي شريعة البغي بغير الحق.
ولأن من سمات القائد والحاكم التحلي بالعدل والتواضع فقد كانت وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أصبح وهمه غير الله تعالى فليس من الله في شيء ،ومن أصبح لايهتم بالمسلمين فليس من المسلمين»، وقوله «عن أحب العباد إلى الله تعالى وأقربهم مجلسا :إمام عادل ،وإن أبغض الناس إلى الله وأشدهم عذابا يوم القيامة :إمام جائر» وقوله «الوالي العدل المتواضع ظل الله ورمحه في أرضه…»فعزة القائد لا تكون إلاَّ بعز الأمة « مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ » فالكلم الطيب والعمل الصالح يصعد مشكلا أفق الأمة وفضاءها الإنساني ،بتجليات ربانية لا تخطيء طريق المجد.