خواطر عن الرؤية
أحمد يحيى الديلمي
استوقفني حديث أحدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة التي أعدها المجلس السياسي الأعلى، وانتقلت إلى مرحلة التنفيذ، عجز لساني عن الكلام واستبدت بي حالة غيظ شديد لأنه حاول تهييج الناس ضد المجلس السياسي الأعلى واتهمه بالإفلاس بدعوى أن نصوص الرؤية مأخوذة من الرؤية 2000 – 2020م، التي أعدتها وزارة التخطيط والتنمية .. مشيرا إلى أن الأشخاص ذاتهم يكررون أنفسهم فهم من وضعوا مؤشرات الرؤية السابقة، ونقلوا مفرداتها بنفس الثغرات والأخطاء التي اشتملت عليها الى الرؤية الجديدة باعتبار أنها مصطلحات أكاديمية ومفردات مبهمة بعيدة عن مستويات فِهم المواطن العادي لأن الهدف الأساسي من وضعها، استغفال المواطن ومداعبة عواطف البسطاء بوعود كاذبة وقبل كل ذلك الظفر برضا المؤسسات والمنظمات الدولية ومنظومة الدول الغربية لتسهيل عملية الحصول على المزيد من القروض والمساعدات وهذا ما ينطبق على الرؤية الأولى ولا علاقة له بالرؤية الحالية.
وجهة نظر يمكن احترامها والتغاضي عنها، لكن الرجل تمادى أكثر وبلغ الذروة في الكذب والتزييف عندما قال إن الرئيس الأسبق بحسه الوطني أوقف العمل بالرؤية عند اكتشاف زيفها، وأسهب في الحديث عن إنجازات ومحاسن النظام بشكل مقزز كله كذب وزيف وبهتان، وهو ما جعلني اتحمس للرد لإيضاح الحقيقة في نطاق الالتزام بمبدأ الشفافية فأقول:
الرؤية السابقة تصدرت الخطاب الإعلامي ولم يوجه أحد بإيقافها، وبالنسبة للانتخابات فإن أكبر تزوير هو تزوير الوعي بمداعبة عواطف البسطاء واستغلال حاجتهم أو استغفالهم باسم الدين، وعليه تبرز أكبر عملية تزوير في التاريخ الإنساني تمت في اليمن.
اما دعوى أن المسؤولين كانوا يُفرضون على القيادة، فهي دعوى ساذجة لا يقبلها عاقل فالانحياز كان لمن يظهر الولاء والطاعة، وإن كان أقل فهما أو مهنية وإبعاد كل شخص يعتز بنفسه وإن كان أكثر ولاءً للوطن وقدرة على العطاء.
ومن أبشع جرائم النظام السابق بث الفتن والدسائس بين فئات الشعب الواحد والتنكيل بوحدة القوى الوطنية مستغلا براعته في تفريخ الأحزاب بزرع بذور الشقاق وإشعال نيران الفرقة بين اليمنيين، حيث عاش واقتات ثلاثة عقود من الزمن على شرعنة الفساد وعفن التسلط وشراء الضمائر وإهدار ثروة البلاد بشكل عبثي، اضافة إلى دعم كل أشكال القمع والتنكيل لإرهاب المواطنين وإخماد جذوة الحركة الوطنية وتقزيم دورها في الواقع الحياتي حتى خضعت واستكانت لسياسة سلطة الحاكم الفرد مطلق الصلاحية، واستعان في ترسيخ هذه المفاهيم بقوى ووسائل إعلام خارجية، أوحت للشعب أنه كنز استراتيجي يجب الحفاظ عليه وعدم التفريط به أمام تجاهل كل صور الفساد والإفساد المستشرية في كل مفاصل الدولة، وفي مقدمة الداعمين النظام السعودي الذي استفزته ثورة الشعب العارمة وأصدر بياناً دعا فيه إلى التعقل والتصرف بحكمة.
المدهش أن هذا النظام انقلب عندما تأكد أن القوى السياسية الموالية له، التفت على الثورة وحرفت بوصلتها عن المسار الذي أراده الشعب، وأنها ستسير على نهجه وتضمن التبعية المطلقة وتحمي مصالحه.
من العجيب أن نفس الشخص وأمثاله من حملة الفكر التآمري الهدام وهم جوقة المرتزقة الذين جندهم الأعداء لا يزالون يعملون في العلن قبل الخفاء، ويستغلون مبدأ حرية الرأي للتشكيك في كل شيء واستغلال الضائقة المالية للمواطنين للنيل من المجاهدين والتقليل من أهمية إنجازات التصنيع العسكري، والبطولات الاسطورية لرجال الرجال في جميع جبهات الشرف والكرامة في ظل الكم الهائل من الخونة والعملاء.
لا شك أن الثمن سيكون باهظا لكنها لن تؤثر على المسار الوطني ومساعي التجسيد الصادق للرؤية الوطنية على أرض الواقع حتى تتحقق الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وتوجد الدولة القوية الكفيلة بتوفير مقومات الأمن للوطن والمواطن ومواصلة أعمال التطهير والتغيير والانتصار لحقوق المواطن البائس الذي تم استغلاله وتهميشه ردحا من الزمن، وصولا الى تجسيد مبدأ الديمقراطية السياسية (الرأي للجميع والقرار للأغلبية) وهنا يكمن الفرق بين الرؤيتين يا صاحبي.. والله من وراء القصد ..