كشفت إيران جانبا من قدراتها العسكرية الخفية بإسقاط الدفاعات الجوية لقوات الحرس الثوري أمس الأول طائرة تجسس امريكية مسيرة بعد اختراقها اجواء الجمهورية الاسلامية الايرانية في سواحل محافظة هرمزكان جنوب البلاد، وتملك طائرة التجسس الامريكية مقدرة على التحليق أكثر من 24 ساعة في الرحلة الواحدة على ارتفاع يزيد على 16 كيلومتراً في نطاق 8200 ميل بحري، وأقر بيان للقيادة المركزية الأمريكية بأن طائرة المراقبة البحرية واسعة النطاق التابعة للبحرية الأمريكية قد أسقطت بصاروخ إيراني “أرض – جو”، زاعما أنها كانت تعمل في الأجواء الدولية فوق مضيق هرمز، وزعم أن التقارير حول دخول الطائرة المجال الجوي الإيراني “زائفة”، واصفا الواقعة بأنها “هجوم غير مبرر”.
وجاء في بيان صادر عن حرس الثورة الاسلامية ان طائرة تجسس من طراز “غلوبال هوك” أقلعت في الساعة الثانية عشرة و 14 دقيقة من بعد منتصف الليل من إحدى القواعد الامريكية في جنوب الخليج العربي وخلافا لقوانين الملاحة الجوية كانت قد أطفأت جميع الاجهزة المتعلقة بتعريفها، وفي منتهى السرية واصلت مسارها من مضيق هرمز نحو محافظة “جابهار” الايرانية. وفي الساعة 04:05 فجراً وبينما كانت هذه الطائرة المسيَّرة قد اخترقت الأجواء الإيرانية، استهدفت وأسقطت من قبل الدفاعات الجوية التابعة لقوات الحرس الثوري.
مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أعلن أن الطائرة التي أسقطتها إيران، من طراز “غلوبال هوك تريتون ” (MQ-4C Triton) وأنها جزء من أسطول طائرات مسيَّرة حل مكان طائرات U-2 الأمريكية للتجسس، وتستطيع “غلوبال هوك” التحليق على ارتفاع 56 ألف قدم، وتصل تكلفتها إلى نحو 121 مليون دولار أمريكي، ويصعب إسقاط الطائرة الأمريكية إلا من خلال نظام S-300 الروسي للدفاع الجوي، والذي تمتلكه إيران بالفعل.
وتشمل مهام “غلوبال هوك” الطلعات الاستطلاعية، وأنشطة الاستخبارات والتجسس فوق المحيطات والمناطق الساحلية، وتستطيع التحليق أكثر من 24 ساعة متواصلة، كما يمكن تزويد الطائرة بصواريخ “جو-أرض”، وهي قادرة على استهداف وحدات بحرية، كما يمكنها الكشف عن الأهداف وتصنيفها من مدى بعيد باستخدام الأشعة فوق الحمراء والمسح الكهربائي الضوئي.
وجهزت هذه الطائرة بمستشعرات تستطيع مسح محيط الطائرة بدرجة 360، في دائرة نصف قطرها أكثر من 2000 ميل بحري، ويبلغ طول الطائرة نحو 14.5 مترا، فيما يصل طول الجانحين نحو 40 مترا، أما ارتفاعها فيبلغ 4.7 مترا، وتزن الطائرة نحو 6 آلاف و779 كيلوغراما، وتصل سرعتها إلى 357 ميلا في الساعة، وكشف عن هذه الطائرة لأول مرة في عام 2012، وحلقت لأول مرة في عام 2013م، ونفذت عمليات للمرة الأولى في عام 2018م، وتخطط الإدارة الأمريكية لإدخالها الخدمة بشكل كامل في عام 2023م.
وقد أكدت طهران للغرب إسقاطها الطائرة الأمريكية المتطورة للغاية مدى تطور القدرة العسكرية والدفاعية الإيرانية، ولا سيما مسؤولي وقادة البيت الأبيض، وخلال العقود الماضية، تمكن الجيش الإيراني من تحقيق تقدم واسع النطاق والاكتفاء الذاتي من خلال اكتسابه للكثير من تجارب الحرب التي استمرت ثمان سنوات مع العراق، على الرغم من الحظر الغربي على إيران فيما يتعلق بأجزاء مختلفة من الصناعات الدفاعية والعسكرية وكان واحد من هذه التطورات العسكرية الايرانية يتمثل في بناء أنظمة الدفاع الصاروخية المختلفة.
ووفقًا لوكالة أنباء “فارس” فقد تم استهداف طائرة التجسس الامريكية عن طريق نظام الدفاع الصاروخي “سوم خرداد”، وهو سلاح جوي تابع لفيلق الحرس الثوري الإسلامي.. وصواريخ “سوم خرداد” هي منظومة دفاع جوي صنعتها إيران محليا، وتم الكشف عنها عام 2014م، وهي منظومة محمولة ومزودة برادار متطور ويمكنها اعتراض 4 أهداف في آن واحد. كما يمكن للمنظومة استهداف الطائرات المقاتلة وقاذفات القنابل وصواريخ كروز على ارتفاع يصل إلى 25 كيلومترا، ومدى يصل إلى 50 كيلومترا، وفي وقتنا الحالي يجري تطوير هذه المنظومة الصاروخية ليصل مداها إلى 200 كيلومتر.
اسقاط طائرة التجسس الأمريكية تم بالتزامن مع سلسلة من الأحداث المشبوهة التي وقعت لناقلات النفط في منطقة الخليج العربي، وإعلان قادة البيت الابيض عن إرسال الكثير من المعدات العسكرية إلى المنطقة، واطلاق العديد من التهديدات بالقيام بعمل عسكري ضد إيران، ولكن إسقاط القوات الايرانية طائرة التجسس الامريكية هذه جاء بمثابة رسالة واضحة من القادة الايرانيين للمسؤولين في البيت الابيض بأن التعدي على الاراضي الايرانية سوف يقابل بالمثل، وأن طهران لن تظل مكتوفة الايادي تجاه اي عدوان امريكي.
وفي هذا الصدد صرَّح قائد الحرس الثوري الإسلامي اللواء “حسين سلامي”، قائلا: ” إن قواتنا الجوية أسقطت طائرة تجسس امريكية عندما انتهكت أجواء بلادنا.. إن العدو لن يتمكن ابدا من التجاوز على التراب الوطن وسنلاحق أعداءنا في أي مكان يختبئون وسندمر أية طائرة تنتهك أجواء إيران ولن تعود الى قواعدها، ونحذر اصدقاءنا في دول الجوار من أن تكون اراضيهم ساحة للفتن، مؤكدا أن كل مقومات الصمود في مواجهة الحرب الاقتصادية متوفرة في المجتمع الايراني. وأضاف: لقد صمدنا في مواجهة الكيان الصهيوني فانتصرنا وقادتنا علمونا اننا بالصمود سننتصر، مؤكدا: إننا لا نستطيع ان نثق بأمريكا مع كل تاريخها من العداء، إن الاعداء ارادوا ان يجبروا الشعب الايراني على التفاوض لكنهم واجهوا صموده ففشلوا، والطريقة الوحيدة للأعداء تتمثل في احترام السلامة الإقليمية والمصالح الوطنية لإيران”.
من جهته أعلن قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني أمير علي حاجي زادة أن قرار استهداف الطائرة الأمريكية المسيَّرة وإسقاطها اتخذ بعد تحذيرها ثلاث مرات، وأضاف في تصريحات للتلفزيون الإيران – إن عدم استجابتها للتحذيرات دفع بقواته لاتخاذ قرار إسقاطها في الساعة 04:05.
وأكد أمير علي أن الطائرة الأمريكية “تجاوزت الحدود الإيرانية”، وهددت أمن البلاد بعد إقلاعها من العاصمة الإماراتية أبوظبي.
وأوضح أن قواته انتشلت القطع الخفيفة الطافية التي تبقت من الطائرة، فيما غرقت القطع الأثقل في البحر، كما يجري نقل حطامها حاليا إلى العاصمة طهران، منوها بأن حطام الطائرة يعتبر “وثيقة تثبت انتهاك واشنطن للحدود الإيرانية”.
ونشرت طهران مجموعة صور تظهر أجزاء مختلفة تقول إنها للطائرة الأمريكية المسيَّرة التي تم إسقاطها بصواريخ “خرداد 3″ الإيرانية.
في نفس السياق قال قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني أمير علي حاجي زاده: إن دفاعاتنا الجوية كانت قادرة على إسقاط طائرة استطلاع ثانية من طراز P-8 كان على متنها 35 عسكريا أمريكيا كانت على مقربة من الطائرة المسيَّرة غلوبال هوك لكنها امتنعت عن ذلك”.
وأضاف أمير علي حاجي زاده: “لم نسقط تلك الطائرة لأن هدفنا من إسقاط غلوبال هوك كان توجيه إنذار للإرهابيين الأمريكيين”.
وأكد قائد القوات الجوية الإيرانية خبرا نشرته مصادر أمريكية الأسبوع الماضي بأن الحرس الثوري حاول إسقاط طائرة أمريكية مسيرة اقتربت من ناقلتي النفط في خليج عمان بعد استهدافهما.
وقال: “تلك الطائرة كانت من طراز MQ-9 والدفاعات الجوية أطلقت تجاهها عيارات تحذيرية ولو أرادت إسقاطها لفعلت”.
على الطرف الآخر كشفت متحدثة باسم الحكومة البريطانية – أمس أن لندن على تواصل مستمر مع الولايات المتحدة بشأن الوضع في إيران، وتدعو باستمرار إلى نزع فتيل التوتر على صعيد كل الجبهات.
وأضافت: “قلنا مرارا وتكرارا إننا ندعو إلى نزع فتيل التوتر على صعيد كل الجبهات وطالما أوضحنا مشاكلنا مع الأنشطة الإيرانية”.
وتابعت: “لا نعتقد أن التصعيد سيصب في مصلحة أي طرف، ونواصل الحوار مع الولايات المتحدة وشركائنا”.
في المقابل اعتبر وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي أن الولايات المتحدة تحاول خلق حالة “رهاب من إيران” وتصورها فزّاعة للعالم في أوضاع بالغة التعقيد.
ونقلت وكالة أنباء “العمال” الإيرانية عن حاتمي قوله: “هناك ظروف معقدة ومريبة في المنطقة، ويبدو أن كل هذا يتماشى مع سياسة عامة لخلق حالة رهاب من إيران وخلق حالة من الحشد ضد الجمهورية الإسلامية”.
من جانب آخر استدعت وزارة الخارجية الإيرانية السفير السويسري لدى طهران، وسلمته مذكرة احتجاج على انتهاك الطائرة الأمريكية الأجواء الإيرانية، وحملته رسالة إلى واشنطن.
وجاء في مضمون الرسالة “أن طهران لا تريد الحرب مع أي دولة بما فيها الولايات المتحدة، لكن القوات المسلحة الإيرانية لن تتحمل أي إجراءات عدائية وسترد عليها بقوة ومن دون تردد”.
وأبلغت وزارة الخارجية الإيرانية – أمس الجمعة – السفير السويسري ماركوس لايتنر بأن طهران التزمت ضبط النفس من أجل الحفاظ على أمن واستقرار منطقة الخليج وخليج عمان، وأضافت أنه في حال اتخذت واشنطن أي إجراءات استفزازية غير محسوبة فإنها ستواجه برد مقابل لا يمكن توقع تداعياته والأضرار التي سيلحقها بكل الأطراف.
وسلَّم مساعد وزير الخارجية الإيرانية ومدير دائرة الشؤون الأمريكية في الخارجية الإيرانية محسن بهاروند مذكرة الاحتجاج إلى السفير السويسري، على اعتبار أن سويسرا هي راعية مصالح واشنطن في طهران، وقدم له الإحداثيات الخاصة بموقع إسقاط الطائرة الأمريكية في المياه الإيرانية، وأبلغه بأن حطام الطائرة بحوزة القوات الإيرانية، وسيتم عرضه عند الضرورة.
وكانت وكالة “رويترز” نقلت عن مصادر قولها إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أرسل رسالة عبر عُمان إلى طهران ليلة أمس الأول يحذر فيها من هجوم مرتقب على إيران، وجاء فيها قول ترامب: “نحن لا نريد الحرب، بل نريد المحادثات”، كما منح الإيرانيين مهلة للرد على رسالته.
وردت طهران بالقول إن خامنئي يعارض “أي نوع من المحادثات” مع الولايات المتحدة، لكنه استلم الرسالة التي نقلتها عُمان.