رغم تداعيات العدوان والحصار المباشرة وغير المباشرة
مزارعون في ذمار: محاصيل الحبوب والخضروات والفواكه تحقق لنا عوائد اقتصادية أفضل من القات
استطلاع/ ماجد السياغي
أكد المزارعون في محافظة ذمار الزراعية أن تداعيات العدوان والحصار المباشرة وغير المباشرة على القطاع الزراعي دفعت العديد منهم التوجه إلى زراعة المحاصيل الزراعية التي تحقق لهم مستوى ملائماً من الغذاء والعوائد الاقتصادية وإن كانت موسمية إلا أنها أفضل من أرباح القات السريعة التي تكلفهم الكثير من المال والوقت والجهد المبذول وتستنزف موارد أرضهم، ويرون أن دعمهم بكل عناصر المدخلات الزراعية سيعزز من التوسع في زراعة المحاصيل الغذائية باعتبارهم حجر الزاوية في مجمل النشاط الزراعي:
العدوان والحصار
القطاع الزراعي كان ولازال واحدا من أهم بنك الأهداف لدول تحالف العدوان الامريكي السعودي الإماراتي على اليمن، وتشير إحصائيات وزارة الزراعة والري إلى أن خسائر هذا القطاع الحيوي تجاوزت 16 مليار دولار، ناهيك عن الآثار وتداعيات الحصار المباشرة وغير المباشرة التي انعكست سلبا على مجمل النشاط الزراعي وتضرر منها المزارع بالدرجة الأولى وضاعفت من حجم خسائره في الحصاد والتسويق وأشياء كثيرة ذات ارتباط.
المزارعون في ذمار
يصعب العثور على مزارعين في محافظة ذمار الزراعية لا يشكون تداعيات العدوان والحصار على طول السلسلة الزراعية، إلا أن همجية العدوان وحصاره لن تصرفهم عن حقولهم فكما أدركوا أهمية التربة والبذار والغيث والسنابل والحصاد في الرخاء يدركون اليوم ملاذها في الشدة. وكون الزراعة تعد النشاط الرئيسي لسكان المحافظة، تتربع مراتب متقدمة في إنتاج العديد من المحاصيل الزراعية على مستوى الجمهورية، فهي تحتل المرتبة الأولى في الكمية المنتجة من الخضروات، والثانية في إنتاج الحبوب، وتأتي المحافظة في المرتبة السادسة من حيث مساحة زراعة المحاصيل النقدية، وفي المرتبة الرابعة من حيث المساحة المزروعة بالبقوليات، وتتصدر المرتبة الخامسة بين محافظات الجمهورية من حيث إنتاج المحاصيل الزراعية بشكل عام.
الربح السريع
تشكل نسبة مساحة زراعة القات في محافظة ذمار (94.4 %) من إجمالي مساحة زراعة المحاصيل النقدية في المحافظة. وبينما وفرت زراعة القات مصدراً هاماً للدخل خاصة في الريف إلا أنها أقصت أشكالاً أخرى وأكثر استدامة من النشاط الاقتصادي الزراعي.
وهناك حزمة من العوامل دفعت بالمزارع في ذمار وغيرها من المحافظات إلى تركيز اهتمامه بهذه النبتة على حساب كثير من المحاصيل ذات العائد السنوي أو المحاصيل النقدية الأخرى كالفواكه ومحاصيل العائلات الباذنجانية الأخرى. فالربح السريع أهم ما يشجّع المزارع على زراعة القات في ظل زيادة الطلب عليه، والعائد الربحي للمحاصيل الأخرى لا يسعف المزارع من حمّى الأرباح السريعة لمحصول القات مقارنة ببقية المحاصيل الأخرى.
القات مربح رغم اضراره
المزارع محمد يحيى صلحي، يقول: لدي العديد من القطع الزراعية ازرع فيها الكثير من المحاصيل إلا أن العديد منها يتعرض لآفات نباتية ولفحات من البرد الشديدة فيكون الإنتاج ضعيفا لا يلبي طموحي ورغبة البائع والمستهلك في السوق المحلية، وفي مواسم متعددة تكون خسارتي مكلفة أمام ما أقوم به من شراء أسمدة وديزل وقطع غيار وغيرها من المدخلات الزراعية.
ويتابع قائلا : ولكي أتمكن من توفير احتياجاتي الزراعية ومتطلبات أسرتي الكبيرة قمت بزراعة ثلاث من القطع الزراعية بشجرة القات، ورغم ادراكي بأن القات يستنزف المياه إلا أنه محصول نقدي يتم قطفه مرات عديدة في السنة ويتحمل ظروفاً مناخية متنوعة ويمكن تصريفه وبيعه باستمرار وبشكل يومي في ظل زيادة الطلب عليه.
القمح بات من أولوياتي
يقول المزارع صلحي رغم ما يحقق لي القات من عائد مالي مربح وسريع وفي أوقات كثيرة من السنة إلا أنه يكلفني الكثير من الوقت فهو يحتاج إلى متابعة واهتمام وحراسة ويستنزف المياه ويحتاج لأقمشة تقيه من برد الأمطار في الصيف وبرودة أيام الشتاء.
ويستطرد : لكن ما إن جاء العدوان على الوطن وكيف عمل على تدمير الزراعة وما يقوم به من حصار أدركت أهمية دوري كمزارع في توفير الغذاء لعائلتي، فقمت مع بداية العام الثاني من العدوان بزراعة القمح في قطعة من أرضي الزراعية فكان المحصول لابأس به وفي العام التالي حصلت على بذور قمح محسنة من الجهات الرسمية الزراعية فكان محصول الموسم جيداً فاض عن حاجة أسرتي الكبيرة بكثير، فقمت ببيع معظم حصاد ذلك الموسم في السوق وجنيت مبالغ مالية تضاعف في العامين الثالث والرابع من العدوان بشكل متنام والآن لدى ثلاث قطع مزروعة بالقمح وقطعة واحدة للقات تركتها مزروعة لحاجتي فقط.
ويختتم صلحي قائلا : نحصل على بذور محسنة من الجهات الزراعية إلا أنها لا تلبي احتياجات كل المزارعين، كما أن برامج التوعية الزراعية والإرشاد الزراعي من احتياجاتنا القائمة إلى جانب شبكات الري الحديثة ومنظومات الطاقة الشمسية لمضخات الآبار كأحد البدائل عن مادة الديزل التي تؤرق نشاط المزارعين.
سيولة وخطورة
المزارع حسان سعد الله يقول: كنت واحدا من المزارعين الذين لا يعانون كثيراً من تدبير مصروفهم اليومي واحتياجات عائلتهم وذلك من خلال قيامي بالتوجه إلى قطعة أرضي المزروعة بالقات أياماً كثيرة من السنة فأقوم بقطف جزء من المساحة المزروعة وبيعها في أي سوق من أسواق القات بالمحافظة بشكل سريع بينما يعمل اثنان من أولادي في شراء القات من ذمار وبيعه في صنعاء بشكل شبه يومي وبربح سريع وأوقات سريعة.
فالسيولة التي نحصل عليها متوفرة وإن كانت هناك خطورة على سلامة الأولاد والخوف من تعرضهم لحادث مروري فهم يقطعون مسافة الطريق بسرعة مرتفعة كي يتمكنون من بيع القات في العاصمة في الوقت المناسب.
راجعت حساباتي
ويستطرد المزارع حسان قائلا : في الربع الأول من العام الثاني للعدوان حصلت أزمة خانقة في البترول والديزل فتوقفت البئر عن العمل وتوقفت ايضا سيارة الأولاد التي تذهب لبيع القات في العاصمة صنعاء كما شهد الطريق في تلك الأيام الذي يربط ذمار بالعاصمة ضربات متعددة من قبل طائرات العدوان وخاصة في نقيل يسلح. كل ذلك قادني إلى أن اراجع حساباتي مع هذا الوضع بما يضمن استمراري في الزراعة مصدر رزقي ورزق عائلتي، فقررت شراء منظومة طاقة شمسية بمبلغ كبير نسبيا أمام شحة وارتفاع أسعار الديزل وقمت بزراعة قطعتين من أرضي بمحصول البطاطس حققت لي عائدا مناسباً وفي العام الثالث من العدوان حصلت على بذور جيدة من شركة إنتاج بذور البطاطس فارتفعت إنتاجية المحصول وحققت أرباحاً مناسبة وببيعها بشكل مريح في السوق المحلية مع تنامي الطلب عليها من قبل المواطنين.
ويتابع: نصحت الكثير من اصدقائي المزارعين بالحد من زراعة القات نظرا للخسارة المزدوجة على الأرض والإنسان. وقال: البعض بات يدرك أهمية دوره كمزارع فتوجه إلى زراعة المحاصيل النقدية من غير القات والبعض الآخر لا زال يتخوف من تكاليف مدخلات هذه المحاصيل وما قد يرافق زراعتها من انتشار الآفات النباتية والأمراض التي تصيب محاصيلهم وخاصة محصول البطاطس.
أرضنا ليست للقات
المزارعون في قرية السويداء بمديرية ميفعة عنس من أكثر المزارعين في إنتاج المحاصيل الزراعية للفواكه والخضروات وهي من القرى التي لا تنتشر فيها زراعة القات مقارنة بالقرى والعزل الأخرى في مديريات المحافظة والملفت أيضا أن نسبة قضايا الثأر الاجتماعية نادرة في هذه القرية التي تشتهر بزراعة فاكهة الخوخ وعلى الرغم من تدني المساحة المزروعة بهذه الفاكهة وسنوية محصولها مقارنة بالمحاصيل الأخرى كالقات الذي يشهد توسعاً كبيراً على حساب المحاصيل الأخرى، إلا أن المزارعين قالوا لنا أن أرضهم الزراعية ليست للقات.
ويرون في فاكهة الخوخ مصدر دخل يعمل على تحسين أوضاعهم الاقتصادية ما دفعهم إلى الاهتمام بها ورعايتها أكثر من أي وقت مضى.
لا نخشى عليها من الكساد
المزارع محمد السويدي قال: كنت أمتلك قطعاً من الأرض المزروعة بالقات استبدلتها بزراعة الخوخ وأجني منها مبالغ مالية جيدة، حيث عملت على تحسين ظروفي الاقتصادية على عكس زراعة القات التي كلفتني الكثير من المدخلات الزراعية. فما كنت أجنيه من عائد لا يضاهي ما كنت أقوم به من إنفاق وجهد واستهلاك للمياه الجوفية.
واستطرد : نقوم ببيع محصولنا السنوي من هذه الفاكهة في الأسواق في ظل الظروف الطبيعية بمبالغ جيدة ولا نخشى عليه من الكساد أو التلف على عكس المحاصيل الأخرى المحكومة بآلية العرض والطلب في حالتي الوفرة والاختناق.
فاتورة الاستيراد
ويتابع السويدي: فاكهة الخوخ من المحاصيل التي تأثرت سلبا بتداعيات العدوان والحصار فارتفاع أسعار المشتقات النفطية خاصة الديزل وارتفاع أسعار المدخلات الزراعية كالبذور والأسمدة والمبيدات وقطع الغيار إلى جانب ما أحدثه العدوان في شبكة الطرقات من تدمير وأضرار بالغة كبحت من آلية التسويق كل هذه العوامل ضاعفت من تحدياتنا كمزارعين، ومع ذلك لازلنا نهتم بزراعة هذه الفاكهة فعائدات الأرباح الجيدة التي تحققها تغطي تكاليف الإنتاج ومدخلات العملية الزراعية.
ويضيف: لو يدرك كل مزارع أهمية وفائدة هذه الفاكهة لما أنتظر لأرباح القات السريعة كما أن التوسع في زراعتها سيفتح الآفاق للمزارعين بزراعة بقية محاصيل الفواكه الأخرى وبذلك يساهمون في التخفيف من فواتير الاستيراد.
واختتم قائلا : يطمح من يزرع ويهتم بهذه الفاكهة أن تقوم الجهات الرسمية الزراعية ذات العلاقة بتزويد المزارعين بنظم ري حديثة ودعمهم بمنظومات طاقة شمسية إلى جانب إرشاد المزارعين بالطرق والمعارف حول وسائل حماية منتجاتهم الزراعية من الآفات والأمراض الناجمة عن التغييرات المناخية وغيرها.
حجر الزاوية
لا يختلف اثنان على أن هناك عناصر وعوامل تضافرت مع بعضها أفرزت تحديات بارزة على النشاط الزراعي في اليمن منها ما هو مرتبط بتداعيات العدوان والحصار وبخصوصية الأرض والموارد الطبيعية ومنها ما هو اقتصادي ومادي وتقني وكذلك ما هو ديموغرافي وسلوكي وتوعوي وإرشادي. ومهما يكن من أمر يظل المزارع حجر الزاوية في مجمل النشاط الزراعي فدعمه بكل احتياجاته من المدخلات الزراعية ورفع مستوى وعيه الزراعي من أهم الخطوات على طريق الوصول إلى الاكتفاء الذاتي.