
هنا كانت البداية.. الطريق كانت محاطة بالأمل.. الأمل هو الرفيق في رحلة الكفاح وتجاوز محنة الاستبداد التحرير أو ما كان يعرف قديماٍ بميدان «شرارة» هكذا كانت تسمية الميدان الذي شهد أحداثاٍ على مر تاريخ اليمن.
في هذا الميدان بنيت قصور الأئمة الذين استأثروا بحكم اليمن مئات السنين ومارسوا الجور والطغيان على القيمة الإنسانية التي عدمت ليبقى جسد الكائن مجرد كومة لحم لا يحق له أن يفكر.. فقط من حقه أن يطأطئ رأسه أمام جلاديه.
«دار البشائر دار الشكر دار السعادة الحرس الجمهوري» وهناك إلى الجانب الخلفي لما يعرف الآن بمبنى هيئة مكافحة الفساد.. المدرسة الثانوية التي تخرج منها أغلب الضباط الأحرار الذين حولوا لاحقاٍ ساحة ميدان شرارة إلى مواجهات مسلحة بعد الإعدامات التي طالت الكثير منهم.
في العام 1948م تحول ميدان التحرير إلى بحر من الدماء التي أروت التربية اليمنية عامة لتنبت في المستقبل أجيالاٍ لا تعرف الخوف ولا تقبل بجبروت الحكام.
شهداء 48م قتلوا بسيف الإمام الذي لا زال حتى اللحظة في أحد رفوف المتحف الحربي بجانب صور الشهداء الذين سقطوا.
المتحف الذي أسسه محمد السراجي قبل أن يتوفى في العام 2000م لا يزال شاهداٍ على جرائم الطغيان في القرن العشرين.. فيه الكثير من الأحداث التي وقعت عبر لحظات تاريخ ذاك القرن.. مؤسس المتحف كان أحد الضباط الأحرار الذين نجوا من القتل عشية 26 سبتمبر.. هذا الضابط الذي كان يجلس جنباٍ إلى جنب مع المحبشي ومحمد الشراعي اللذين قتلا بداخل الدبابة التي دكت قصر البشائر القريب من مجلس النواب حالياٍ.
في تلك الليلة أصيب حينها واستطاع الفرار بجراحه حسب قول المرشد في المتحف الحربي المقدم محمد مرشد جحزر.
سقط شهداء 48م واحداٍ تلو الآخر عن طريق الاعدامات في الساحة المواجهة لمبنى الثقافة الحالي وكانت رؤوسهم تعلق على باب المبنى وأبرز هؤلاء الشهداء جمال جميل الذي كان مبتسمآٍ قبل اعدامه هذا الشهيد قبل أن يهوي سيف الإمام على رقبته كان بيده قلم وورقة لكني لم أستطع الحصول على معلومة حول ما كتب في تلك اللحظات فقط وضحت الصورة ووثقت تلك اللحظة التي كان ينتظرها الشهيد بوجه يشع إيماناٍ بضرورة الثورة على الطغيان وتظهر الصورة التي لا يزال المتحف يحتفظ به الكثير من شهداء 48م الذين قتلوا بنفس الطريقة ولذات الهدف النبيل بالطبع كان ميدان شرارة الذي لم يعرف حينها إلا بالقتل للقيمة الانسانية والانسان ذاته كان الميدان حينها مغلقاٍ إلا من خيالة الإمام وحرسه الخاص الذين يستعرضون قوتهم على العزل بالضبط كما كان يحدث أمام جامعة صنعاء في العام 2011م اذ تحول المكان إلى رمز للثورة وكان اليمنيون جبلوا على استبدال الأماكن في لحظات تاريخية متعددة يكون كل مكان رمزاٍ لثورة جديدة قد يكون الأخير حتى هذه اللحظة من المسكوت عنه لكنه سيكون في المستقبل مثاراٍ للحديث كما نفعل اليوم ونبحث عن معلومات حول الاماكن التي كانت بمثابة محطات مهمة لثورتي 26 سبتمبر و14 اكتوبر.
ميدان شرارة لا يستطيع أحد دخوله باب السبح كان احدى البوابات السبع لصنعاء ولم يعد لذلك الباب أثر اليوم… المتحف الحربي يوثق صوراٍ لباب السبح الذي كان يغلق قبل أن يحل الليل كما هو حال بقية الابواب في صنعاء.
ظل الميدان مسرحاٍ لجرائم الائمة حتى جاءت لحظة 26 سبتمبر 62م عندما دك المحبشي … والسراجي دار البشائر قبل أن يتمكن أحد جنود حرس الإمام الذي يدعى» طميم» بإحراق الدبابة بجانب القصر.. حينها كانت الرصاص تنهمر على الضباط الأحرار من دار الشكر الذي تحول فيما بعد حتى اليوم إلى متحف للتراث الشعبي ومن دار السعادة الذي كان يسكن فيه الإمام يحيى بن حميد الدين وسكن فيه بعد الثورة وزير الخارجية « محمد راغب» لكن تلك الرصاص لم تثن الجميع عن إنجاز الثورة.
كانت القصور التي تحيط بميدان شرارة سكن للأئمة ومسرحاٍ للعمليات التي كانت تتم ضد من يقول للإمام « لا».
هكذا يستفحل الطغيان بعد أن يمر بثلاث مراحل بحسب الكتاب « الأنا والنرجسية والسطوة» وبعد أن يبلغ أوجه في الظلم يسقط على أيدي الرافضين له.
الرافضون بعد أن يبلغ الطغيان مداه يكونون كثر إيماناٍ بتغيير الواقع غير أن الحكام لا يعتبرون رغم وعيهموقراءتهم لمجريات التاريخ.
بعد اندلاع الثورة من ميدان شرارة.. سمي الميدان ذاته بميدان التحرير وخرج الناس محتفلين أمام القصر الجمهوري حالياٍ.. ولاتزال الصور توثق تلك المشاهد حماساٍ في وجوه الناس أو عرض عسكري لجيش الثورة.. ميدان التحرير لم يعد حكراٍ على الأئمة ذهبوا إلى غير رجعة.. تاريخ مثخن بالجراح وما أثخن بالقتل والاستبداد بات مرفوضاٍ عودته مجدداٍ.
ميدان التحرير منذ تلك اللحظة لجميع الناس وليس من حق أحد أن يحتكره لذاته الظالمة هكذا أراده الضباط الأحرار الثوار عموماٍ.. ومحاولات الاستئثار به من قبل الحكام الجدد باءت بالفشل بعد أن عصفت بهم ثورة جديدة لاتزال تعلم الطغيان دروس الحرية.
في العام 1964م وتحديداٍ في22 أبريل زار الزعيم جمال عبدالناصر اليمن ووقف في ميدان التحرير وسط الجماهير المحتشدة يخطب فيهم وهم يهتفون «ناصر» هناك صور في المتحف الحربي توثق تلك اللحظات كان لجمال عبدالناصر دور كبير في انتصار ثورتي «26 سبتمبر 14 اكتوبر» وربما لعبت مصر الدور المحوري لذلك النصر وسمي منذ ذلك الوقت بالقرب من ميدان التحرير شارع جمال عبدالناصر في ذات الشارع توجد السفارة المصرية الآن وتظهر الصور التي وجدناها في المتحف والتي وثقها القائمون على المتحف في كتاب سمي بـ«اليمن نحو الجمهورية» ميدان التحرير بعد تلك المحطات بني وسط منتزه وأمامه مجلس الكثير من الناس إنه مكان لتجمع الكثيرين ظل هذا المنتزه حتى نهاية السبعينيات إلى أن جاء من يمحو ملامح «26» سبتمبر حتى وإن كانت هذه الملامح بسيطة لكنها ظلت وستظل تذكر اليمنيين على الدوام أن الثورة مستمرة طالما استبدل الطغيان بطغيان أسوأ منه التحرير اليوم تغيرت ملامحه فيما تظل القصور التي شهدت مواجهات كما هي مع تغير في المسميات واستبدل المنتزة بهذه النافورة التي تشاهدها كل يوم تقريباٍ.
التحرير اليوم يقودنا عنوة إلى وجوه من عمل على تحريره ويقودنا عنوة إلى الفعل ذاته عندما قارب الطغيان من تجاوز الحد في القتل وتدمير الطاقات الإنسانية واستأثر بالمال والجيش والوطن عموما ويقودنا عنوة إلى مقهى «مدهش» بالطبع لاحتساء ألذ شاهي في صنعاء.. المدينة التي تقرئ أحباءها السلام إذا بعدوا.