صحوة الشعوب وخيانة الخليج
أحمد يحيى الديلمي
من يقرأ حال الأمة العربية اليوم بأفق مستنير وبصيرة ثاقبة سيصاب بحسرة وألم شديدين بالذات من عايشوا مرحلة التحرر من الاستعمار وترسخت في أذهانهم شعارات القومية وصرخات الأمة الواحدة، وما ترتب عليها من أمال كبيرة وأحلام مخملية عن المستقبل الواعد والانعتاق من موروثات التخلف التي تهدم لا تبني، وتفرق لا تجمع، وكان للمستعمرين دور كبير في إعادة إحبائها والدفع بها إلى صدارة اهتمامات الناس كأفراد أو كيانات حزبية.
هذا الكلام لا يعني الانتقاص أو التقليل من أهمية النضال الذي خاضته الشعوب العربية ضد الاستعمار ولا التشكيك في الدور الذي اضطلعت به النخب السياسية، وفي المقدمة الأحزاب القومية في أحياء نزعة التحرر والاستقلال لدى الشعوب والدفع بها إلى متارس المقاومة وإجبار الدول الاستعمارية على الرحيل، لا أقصد هذا المعنى مطلقاً بقدر ما أحاول إثبات حقيقة هامة تؤكد أن الدول الاستعمارية بالذات بريطانيا تنبهت إلى حدوث ثورات عارمة تجعلها تُسلم وتخضع لإرادة الشعوب، لذلك أوجدت البدائل الكفيلة بتقويض المد الثوري وإحباط النزعات القومية بقدرة فائقة وذكاء خارق أعتمد على توظيف الدين واعتبار القومية مخالفة لأحكامه ونعت القومية بالإلحاد والفكر السوفيتي، طبعاً مثل هذا الكلام لم يصدر من دوائر بريطانية لكنها أوحت به إلى الركائز المحلية على مستوى الأقطار والأقاليم على رأس الجميع نظام آل سعود الوهابي وحركة الإخوان المسلمين، فالأول أتهم كل زعيم قومي بالإلحاد والكفر، والثاني تبنى دعوة الخلافة الإسلامية كمدخل لمحاربة كل ما هو ثوري وجمهوري، ونادى بإسقاط الأنظمة الجمهورية في الوطن العربي بتهمة الإلحاد والكفر، على هذه الخلفية تناسلت جماعات التطرف والغلو التي تم إقناعها من مراجع الوهابية والإخوان أنها تخوض جهاداً مقدساً لنصرة الدين فما الذي حدث بعد ذلك؟!
للإجابة نلاحظ أن بزوغ دور أمريكا وتحولها في بداية النصف الثاني من القرن الماضي إلى مصدر الهيمنة والتأثير والفاعلية وصاحبة اليد الطولى، جعل هذه الدولة تتبنى ما هو قائم في الواقع خاصة بعد اغتصاب الكيان الصهيوني لأرض فلسطين وإقامة ما يسمى بدولة إسرائيل التي وعدت بها بريطانيا، فلقد انطلقت أمريكا من نفس الأفق وجعلت هذا الكيان بؤرة للتدخل في شؤون العرب والمسلمين واعتمدت على السعودية وبعض دول الخليج كأداة لتحقيق الغايات والمقاصد المأمولة والمخطط لها سلفاً، وعلى هذا الأساس حضرت أمريكا بنفسها إلى المنطقة في غزو العراق وأوجدت قواعد في كل دول الخليج، بينما أبقت مهمة الفعل المباشر للدول العميلة و التابعة، وهنا تجلت عمالة دول ا لخليج ودورها المشبوه بالذات عندما سيطرت على الجامعة العربية وحولتها إلى كيان لاحق لما يسمى بمجلس التعاون الخليجي، هكذا خططت بريطانيا وهكذا تنفذ اليوم أمريكا، ودول الخليج هي كما قال ترامب البقرة الحلوب التي تمول كل الأعمال أو تشارك في تنفيذها كما هو الحال في اليمن وسوريا وليبيا وما يخطط للقيام به في السودان والجزائر، أي أنها ظلت تتعامل مع المنطقة بنفس الاستراتيجية البريطانية حيث ركزت على:
• إضعاف الروابط الدينية والأخوة العربية وتوجيه تهمة الإرهاب إلى الإعلام استناداً إلى بشاعة ما تقوم الجماعات التي تدعي الانتماء للإسلام والدفاع عنه.
• دعم انتشار فكر التطرف والتشدد داخل الدول العربية.
• هز ثقة الشعوب بالقادة من خلال صناعة قيادات هزيلة مغرقة في الفساد والإفساد تسير في فلك البيت الأبيض.
• استغلال أحداث 11 سبتمبر 2001م لتخويف الأنظمة العربية لتتخلى عن ثوابت العقيدة والأمة وترضخ للإرادة الأمريكية مقابل التصدي المباشر لمن يخالف هذه الرغبة، كل هذا الوضع المزري يتطلب استمرار الصحوة الجماهرية بنفس الزخم لرفض القيادات المفروضة من الخارج، وهذا ما نرجوه ونأمل أن تكون الشعوب قد ارتقت إلى فهم ما يُدبر لها بأفق إيماني وانتماء صادق للأمة ومبادئها السامية.. والله من وراء القصد..