انتفاضة السودان إرادة أمة
عبد الباري طاهر
في الأسابيع الأولى للانتفاضة السودانية قرأت موضوعاً للباحث عثمان تاج السر المرغني عن تلاعب المجلس العسكري في التفاوض للإعداد لترتيب الأوراق للانقلاب. كان للرأي أثر عميق؛ فتجربة السودان مع العسكر والإسلام السياسي والأحزاب الطائفية كبيرة ومريرة . لعبت مصر والسعودية والإمارات ودول كبرى دوراً في دعم المجلس العسكري للإعداد للانقلاب الأكثر دموية وفاشية من انقلاب البشير عام 89 . انقلاب جبهة الإنقاذ حينها”حالك البياض”. انقلاب حميدتي والبرهان مخطط له بدعم من محور السعودية وحلفائها لقمع الانتفاضة السودانية دأبهم مع الربيع العربي. مصر وروسيا ليست بعيدة عما جرى. البشير في الساعة الأخيرة من حكمه حمل الأختام إلى سوريا لإعلان القبول ببشار. قادة الجنجويد -التدخل السريع- لهم مهمة حربية في الساحل اليمني. النظام في السودان يضطلع بمهام رهيبة في أفريقيا كلها، وامتد عمل مليشياته إلى اليمن. نجاح انتفاضة السودان الثالثة أثرها كبير على أفريقيا، والأنظمة التابعة في المنطقة العربية.
الانتفاضة في السودان محاصرة بقوى التدخل السريع بقيادة حميدتي وبنظام البشير، وبتدخل سافر من محور السعودية الإمارات. موقف روسيا والصين في رفض إدانة مجلس الأمن لجريمة فض اعتصام المحتجين أمام وزارة الدفاع السودانية سيئ للغاية. تواجه الانتفاضة الثالثة في السودان عدة تحديات. التحدي الأول: الانقلاب الذي قادته مليشيات البشير -التدخل السريع– (الجنجويد)، وكبار ضباط وأمن البشير، والإسلام السياسي. التحدي الثاني: بقاء بنية نظام البشير والمؤتمر الوطني ومحازبيه في عموم السودان. التحدي الثالث: حلفاء السعودية الداعمين لسلطة البشير. التحدي الرابع: الموقف الدولي لمجلس الأمن؛ فإذا كانت روسيا والصين قد أيدتا دعوة المجلس العسكري لإجراء انتخابات، فإن الموقف الأمريكي لا يراهن عليه؛ لارتباطه بتحالف السعودية، وإن دعا لفظيا لموقف آخر، ثم إن موقف الجبهة الداخلية في نداء السودان وميوعة موقف الصادق المهدي ومجموعة الاتحادي الديمقراطي تضعف موقف نداء الحرية والتغيير والمهنيين السودانيين، ويبقى الرهان الحقيقي على إرادة الشعب السوداني الذي سجل في الماضي أكثر من انتفاضة ناجحة، وعدم الوقوع في كمائن التفاوض الغادر الذي يدعو إليه عسكر البشير، وتشجعه بعض الأطراف العربية والدولية.
تطوير الإضراب والعصيان المدني هو السبيل الآمن والوحيد لإسقاط مليشيا البشير.