العيد والأشواق
أشواق مهدي دومان
بالرّغم من توفر أحدث التقنيات لجعل العالم قرية صغيرة وربطه عبر مواقع التّواصل الاجتماعي فيما يسمّى بالشّبكة العنكبوتيّة ،،سنبتعد قليلا عن عبق الحرف الذي قد يقوم بوظيفة الاتصال والتّواصل عبر اللغة الأثيريّة وسنفهمها دون أن ننقص من شأنها ولكننا سنقول _ يا تلك الفوضى المنظّمة _ :
رويدك فعيد اللّه لا كلام ولا سلام أجمل من أثير القرب ، ولا أسرع من شبكة صلة الأرحام، وزياراتهن ، والأهل والأقرباء ، والأصدقاء ، والجيران ،،
تمهّلي أيتها المواقع الاجتماعيّة ( كما أسموكِ ) فطالما نثرنا الحبّ والشّوق واللهفة والحنان عبر أثيرك فقمتِ بشيء من الواجب لكن :
يظلّ لقاء الرّوح بالرّوح أقوى وأجمل عبر مصافحة الأيادي ، وعناق الوتائن وقبلات الجباه بين الأرحام هي الأداة الأسرع لبيان ذلك الشّوق والحبّ؛ فأمّك ، أختك ، بنتك يكفيها أن تراك في العيد بشوشا فرحا زائرا لها لتسكب تلك المشاعر المقدّسة في قلبها وعينيها فتكتفي بذلك عن كنوز الكون ،
لستَ بحاجة لتحميل نفسك فوق طاقتها فالظّرف صعب بفعل العدوان والخونة والمرتزقة الذين ينثرون الأموال نثرا محاولين أن يشعروا بسعادة قتلوها في أرواحهم حين تآمروا على وطنهم وفرّوا لحضن المعتدين الأغراب ، وهم اليوم يتمنّون أن يتنفسوا ذرّة هواء من اليمن ، يشتاقون لنسمة واحدة من جهة اليمن تمرّ عليهم لتعيدهم، لتنعشهم من موت الرّوح لديهم حين تنكروا لها وهي الأمّ مَن لا تُباع ، لكنّهم باعوها بثمن بخس وإن كان ملايين الرّيالات السّعوديّة ، والدّراهم الإماراتيّة ، والدّولارات الأمريكيّة ،لكنّهم رغم ذلك البذخ كلّه فقراء ؛ وكلّ محاولات إسعاد أرواحهم هي مجرد إفراغ كبت وشعور بالذّنب ، وحسرة تلتقمهم كالحوت فيظلّون في بطنه مدى دهرهم ؛ لأنهم ما عرفوا اللّه حقّ المعرفة حين أرخصوا أرواح خلق اللّه من أجل أعداء اللّه ، وتاجروا بكلّ القيم والمبادئ من أجل مصالحهم الشّخصيّة ، فباتوا في حسرتهم يعضّون الأنامل غيظا وحسدا ، ولهم أرباب يتشاكسون فيهم ، ولا يغفرون لمن تاب منهم ، بينما نحن هنا نعبد إلها واحدا هو اللّه لا شريك له ، نحن نتنفس حريّة وعشقا وسعادة ،،
فيا معشر الرّجال في هذا الوطن وأنتم الأوفياء الصّادقون فلا يثبّطكم عن زيارات وصلات الأرحام جيب فارغ ؛ فلا تقتصر الفرحة بالعيد على المال و( العيديّات )، وأمّا من كان في بحبوحة من أمره فليس من تمام رجولته البخل على مَن أوصى بها ربّ العالمين ورسله ،،
يا معشر الرجال : صلوا أرحامكم بما تستطيعون ، واحمدوا اللّه ، و في غير سخط على قلّة ما في الجيوب ، فيكفيكم نعمة أنّكم تحيون على تراب البلدة الطّيبة ، وتشكرون الربّ الغفور ، ويكفيكم تلك الفرِحة في عيني أخواتكم وبناتكم ( المتزوجات ) حين تسمع الواحدة طرقة باب بيت زوجها فتميّز طرقة أبيها وأخيها عن طرقة أب وأخ مثيلاتها ، فنراها تهرع للباب وتحتضن ذلك الأبّ وهذا الأخ ،
افرحوا بهنّ وليفرحن بكم فأنتم حينها السّعداء ، وأمّا غير المتزوجات من بناتكم وأخواتكم فهن كأمهاتكم وزوجاتكم في حبّات قلوبكم ولاشكّ بأنّكم لن تقصّروا في إسعادهن ومعايدتهن أوّل البشر ،،
وأمّا عنّي وأبي فقد قتلني الشّوق إليه فقد كان لي كلّ معاني العيد ، كان العيد الدّائم الذي لا يقتصر على موسم فطر أو اضحية ؛ فأبي عيدي في كلّ زمان ومكان.
أبي ساكن الرّوح الأبدي ، من لا يغادرني طيفه أو ذكراه ، فقد كان سعادتي في كلّ يوم ولحظة فإليه أبعث دمعاتي لا لتؤذيه ، ولا لتحزنه ، ولكنّها ديدني كلّما اشتقت إليه وكلّ وقتي ، بل كلّي أشواق.