واقع اليمن‮ ‬في‮ ‬زمن الإمامة والاستعمار مخيف‮.. ‬والـجـهــل بالتاريخ مشكلة الحاضر‮ ‬


الأستاذ الكبير محمد عبدالرحمن المجاهد‮ .. ‬ينتمي‮ ‬إلى جيل المعاناة والتضحيات‮ .. ‬ذلك الجيل الذي‮ ‬ولد في‮ ‬منتصف أربعينيات القرن المنصرم‮ .. ‬وعاش حياة مريرة وقاسية لا مكان فيها لإنسانية الإنسان‮ .. ‬ورغم بؤس الواقع ذهب‮ ‬يتنقل مشياٍ‮ ‬على الأقدام بين مدينة وقرية بحثاٍ‮ ‬عن النور والعلم والمعرفة والحرية‮.‬
وكغيره من جيل الخمسينيات‮ ‬ظل الأستاذ المجاهد‮ ‬يحلم بالثورة على العبودية والظلم والتفرقة والاستعمار‮.. ‬وعندما صعد نجم ثورتي‮ ‬26‮ ‬سبتمبر و14‮ ‬أكتوبر‮ ..‬انخرط بالعمل الوطني‮ ‬يبشر بأهداف الثورة ومبادئها‮ ..‬يرصد مسارها وتحولاتها‮ ..‬إنجازاتها وانكساراتها‮ .‬فقد جمع بين السياسة والصحافة والثقافة‮ .. ‬بقلمه وفكره خاض معارك مختلفة من أجل حرية شعبه وكرامته وعزته ووحدته‮ ..‬تبنى هموم وطنه على‮ ‬غير صعيد ومازال حاضرا في‮ ‬المشهد السياسي‮ ‬وأكثر عطاء في‮ ‬ميدان الكلمة‮ . ‬
والأستاذ المجاهد الزاهد‮ ‬يتميز بدماثة الخلق ورقة الأسلوب وشاعرية السلوك ونقاء السريرة وعفة النفس‮ ..‬ولعل هذه الصفات هي‮ ‬التي‮ ‬جعلته مخلصاٍ‮ ‬في‮ ‬أداء وظيفته في‮ ‬كل المناصب الحكومية التي‮ ‬تقلدها بدءا بعمله في‮ ‬مكتب الزراعة وحتى‮ ‬رئيسا لتحرير ومجلس إدارة مؤسسة الجمهورية للصحافة والطباعة النشر في‮ ‬تعز‮ ‬ليخرج منها دون أن‮ ‬يؤمن لأولاده حتى منزلاٍ‮.‬
لكن تلك الصفات الجميلة‮ .. ‬لا تمنعه من أن‮ ‬يقول لك آراءه الصريحة أحياناٍ‮ ‬إزاء قضايا تتعلق بالعمل العام أو السلوك السياسي‮ ‬وبهذه الروح عرفته‮ ..‬وهو لم‮ ‬يزل متمسكا بها حتى اللحظة‮ ..‬إذن تجربة ومسيرة الأستاذ المجاهد التي‮ ‬تنشرها‮ “‬الثورة‮” ‬هي‮ ‬في‮ ‬الواقع قصة حياة كفاح وعطاء جيل الخمسينيات والستينيات‮ ‬الحافلة بمحطات عديدة من تاريخ‮ ‬يمن لا‮ ‬يعرفه كثيرون من شباب اليوم‮. ‬
‮‬وإلى تفاصيل الحلقة الأولى‮.. ‬

, ‬رابطة الطلبة اليمنيين في‮ ‬مصر شكلت مركز إشعاع وحدوي ‬ووطني ‬لأبناء الشمال والجنوب‮ ‬‬

, ‬رفضت رغبة والدي‮ ‬في‮ ‬حب القضاء فهربت إلى‮ “‬الأحمدية‮ “‬بموافقة الإمام أحمد‮ ‬

, ‬تفكير أبناء جيلي‮ ‬انصب‮ ‬على التخلص من التخلف وقيام نظام جمهوري‮ ‬عادل
, ‬رشحت مع علي‮ ‬محسن للالتحاق بالكلية الحربية في‮ ‬القاهرة فرفض المصريون قبولي‮ ‬

, ‬عندما رفضت الخروج من كلية الضباط والأركان بالقاهرة‮ ‬أعادوني‮ ‬إلى صنعاء”مزفرا

, ‬الذين‮ ‬ينكرون انجازات ثورتي‮ ‬سبتمبر وأكتوبر لا‮ ‬يعرفون تاريخ اليمن ويفكرون بعقلية المصالح الخاصة

‮¶ ‬قلت له‮ :‬أستاذ محمد المجاهد‮.. ‬ونحن نبحث عن الحاضر ورؤيتك للمستقبل فدعنا نبدأ حوار الذكريات من الميلاد إلى الطفولة والصبا‮ ..‬فكيف كانت ظروفها ¿
– ‬ميلادي‮ ‬كان في‮ ‬عام‮ ‬1944م وهو العام الذي‮ ‬قام فيه الطاغية ولي‮ ‬العهد أحمد حميد الدين‮ ‬بحملة اعتقالات واسعة لعدد من الشخصيات الوطنية في‮ ‬كل من صنعا وذمار وإب وتعز بحجة معارضتهم للحكم الإمامي‮ ‬البغيض الذي‮ ‬اعتمد في‮ ‬حكمه وتسلطه على الشعب بالتجهيل والشعوذة والدجل‮ ‬حيث تم جمع كل ألئك الأحرار الوطنيين إلى تعز لوجود الطاغية فيها‮ ‬ثم تم ترحيلهم‮ ‬إلى حجة‮ ‬على حافلات كبيرة تسمى‮ “‬بالبوابير‮” ‬وهم مقيدين كل اثنين أو ثلاثة بقيد واحد ومن جملتهم كان والدي‮ ‬رحمه الله القاضي‮ ‬العلامة عبدالرحمن عبدالولي‮ ‬المجاهد‮ .. ‬وهناك تم توزعهم على سجني‮ ‬الرادع والقلعة حيث مكث والدي‮ ‬في‮ ‬القلعة عامين ونصف‮ ‬ولم‮ ‬يكتف الطاغية أحمد بحبس الوالد بل أمر أن‮ ‬يهدم دار الأسرة المسمى بدار‮ (‬العطبة‮) ‬وذلك بعد هدمهم لدار جازم الحروي‮ ‬ولولا وقوف أعمامي‮ ‬وعديد من آل المجاهد وفي‮ ‬مقدمتهم القاضي‮ ‬العلامة احمد بن علي‮ ‬بن عبدالكريم المجاهد الذي‮ ‬كان‮ ‬يحظى بتقدير واحترام الطاغية أحمد حميد الدين لكان تم هدم الدار الذي‮ ‬كان الطاغية‮ ‬يسميه‮ (‬دار الندوة‮) ‬على‮ ‬غرار دار الندوة الذي‮ ‬كانت تجتمع فيه قريش لتتآمر على رسول الله محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم‮ ..‬
¶ ‬وبالعودة إلى الطفولة‮ .. ‬ماذا تقول عنها ¿
‮- ‬طفولتي‮ ‬لا تختلف بشيء عن طفولة كل الناس الذين عاشوا في‮ ‬زمن ذلك العهد البغيض عهد الخوف والجهل والمرض‮ ‬أيام ما كانت الأمراض تحصد المئات بل والآلاف من المواطنين لا‮ ‬ينجوا منها إلا‮ ‬أبناء الأسرة الحاكمة وزبانيتهم وبعض سراة القوم‮ ‬فلم تكن هناك مستشفيات ولا أطباء ولا أدوية‮ ‬فكان الناس ليس أمامهم إلا الأعشاب ليتداووا بها‮ ‬أو الوسائل البدائية واللجوء للدجل والشعوذة‮ ‬والعبد لله‮ ‬لولا عناية الله سبحانه وتعالى ورعاية خالتي‮ ‬التي‮ ‬تولت تربيتي‮ ‬واحتضاني‮ ‬لكنت ذهبت ضحية أية‮ (‬جازعة‮) ‬مرضية كأمثالي‮ ‬من الأطفال وغير الأطفال‮ ..‬
‮¶ ‬تلقيت تعليمك‮ ‬الأولي‮ ‬في‮ ‬تعز ثم زبيد‮ .. ‬ماذا بقي‮ ‬من صور تلك المرحلة ¿ خاصة‮ ‬التعليم أيام زمان ¿
‮- ‬عند بلوغي‮ ‬العام السابع أخذني‮ ‬والدي‮ ‬للعيش معه وفي‮ ‬كنفه في‮ ‬مدينة تربة ذبحان مركز قضاء الحجرية وناحية المقاطرة أيضا حيث كان حينها‮ ‬يعمل حاكما شرعيا لناحية المقاطرة‮ ‬عقب ذلك أحضر والدي‮ ‬معلما من‮ ‬يفرس مركز ناحية جبل حبشي‮ ‬كان‮ ‬يدعى سيف سلطان درست على‮ ‬يده القرآن الكريم وبعض متون الفقه واللغة والفرائض ثم ذهبت إلى مدينة زبيد واستكملت دراسة ما بدأته في‮ ‬مدينة التربة إضافة إلى مصنفات ومتون أخرى في‮ ‬أصول الفقة واللغة العربية والمواريث وغيرها من العلوم على‮ ‬يد بعض علماء ومشايخ زبيد منهم العالم الجليل السيد‮ ‬محمد بن سليمان الأهدل رحمه الله والشيخ الجليل محمد حنفي‮ ‬والشيخ الجليل عبدالله زيد رحمهما الله‮ ‬ومكثت في‮ ‬زبيد عاماٍ‮ ‬كاملاٍ‮ ‬ثم لظروف قاهرة عدت إلى مدينة‮ ‬يفرس لمتابعة تعليمي‮ ‬على‮ ‬يد عمي‮ ‬القاضي‮ ‬العلامة عبدالله عبدالولي‮ ‬المجاهد رحمه الله‮ ‬الذي‮ ‬كان حاكما شرعيا هناك وبعد عدة أشهر جاء والدي‮ ‬و أخذني‮ ‬معه إلى التربة لأواصل تعلمي‮ ‬على‮ ‬يديه وبعد فترة بدأت أتطلع للالتحاق بمدرسة التربة التي‮ ‬كانت ضمن المدارس الحكومية المحدودة‮ ‬في‮ ‬اليمن كله بعدد أصابع اليد ورغم محدودية منهج تلك المدارس إلا أن الرغبة كانت في‮ ‬تعلم بعض العلوم الحديثة التي‮ ‬كانت تدرس هناك كالرياضيات وبعض المواد العلمية الأخرى‮ ‬ورغم ممانعة والدي‮ ‬إلا أني‮ ‬استعنت حينها لإقناعه بالقاضي‮ ‬علي‮ ‬الحداد مساعد حاكم قضاء الحجرية الذي‮ ‬كان متنورا تجاه العلوم الحديثة‮ ‬بل أن أولاده كانوا‮ ‬يدرسون في‮ ‬دول عربية منهم الأستاذ المرحوم أحمد علي‮ ‬الحداد وكيل وزارة الخارجية في‮ ‬عام‮ ‬1967م وما قبلها‮ .‬
‮ ‬المهم أني‮ ‬التحقت بتلك المدرسة ومكثت فيها عاماٍ‮ ‬دراسياٍ‮ ‬كاملاٍ‮ ‬بعد ذلك عمل والدي‮ ‬جزاه الله عني‮ ‬خيرا أن‮ ‬يلبسني‮ ‬العمامة تمهيدا لأصبح قاضيا مثله ولكني‮ ‬لعدم اقتناعي‮ ‬بما‮ ‬يريده والدي‮ ‬وحتى لا‮ ‬يجبرني‮ ‬على ما‮ ‬يريد قررت الفرار مشيا على الأقدام إلى تعز‮ ‬وذلك لنفوري‮ ‬الشديد من الممارسات التي‮ ‬كان القضاة حينها‮ ‬يتبعونها مع الرعية من ارتشاء وغيره وما أن مضت أيام قليلة على بقائي‮ ‬في‮ ‬تعز حتى حررت رسالة إلى الإمام أحمد أطلب منه الموافقة والتوجيه بقبولي‮ ‬طالبا في‮ ‬المدرسة الأحمدية‮ ‬وذلك لأن الإمام‮ ‬الطاغية كان رابطا شئون البلاد صغيرة وكبيرة بيديه حتى‮ ( ‬البقشة‮ ) ‬التي‮ ‬كانت لا‮ ‬تساوي‮ ‬واحد من أربعين من قيمة الريال لا تصرف إلا بأمره وكذلك الحال على كل شيء‮ ‬وبعد مضي‮ ‬شهرين وجه الإمام بقبولي‮ ‬طالبا في‮ ‬المدرسة والتحقت قي‮ ‬الصف الرابع ابتدائي‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يوازي‮ ‬الصف السادس ابتدائي‮ ‬في‮ ‬النظام الحديث لضعف معلوماتي‮ ‬في‮ ‬المواد العلمية الحديثة كالرياضيات وغيرها ومكثت عام دراسي‮ ‬ونجحت في‮ ‬الامتحان النهائي‮ ‬ونتيجة للوساطة التي‮ ‬جاءت تطوعية من بعض أصدقاء الوالد منهم القاضي‮ ‬محمد بن حسن الإرياني‮ ‬جزاه الله عني‮ ‬كل خير استخار الله والدي‮ ‬وأرسلني‮ ‬على نفقته إلى مصر للدراسة أسوة بأولاد عمي‮ ‬الذين سبقوني‮ ‬قبل عام‮. ‬
¶ ‬ومن هم أبرز أساتذتك وزملاء المدرسة‮‬¿‮ ‬
‮- ‬أساتذتي‮ ‬في‮ ‬المدرسة الأحمدية هم الأستاذ المرحوم محمد الشيخ مدرس اللغة العربية وقد مارس بعد الثورة العمل الصحفي‮ ‬في‮ ‬صحيفة الثورة وفي‮ ‬مجلة معين مديرا للتحرير‮ ‬والأستاذ المرحوم محمد الحوثي‮ ‬مدرس الرياضيات والأستاذ المرحوم حسن مسواك مدرس العلوم والأستاذ المرحوم محمد مثنى مدرس مادة الدين والأستاذ المرحوم محمد الحسني‮ ‬مدرس مادة القرآن والأستاذ المرحوم المصري‮ ‬عبدالرحيم مدرس اللغة الإنجليزية‮ ‬أما زملائي‮ ‬في‮ ‬الدراسة كثيرون في‮ ‬مدرسة التربة حجرية والمدرسة الأحمدية منهم الدكتور أحمد نعمان الشريف والعميد منصور محمد أحمد ناجي‮ ‬والمرحوم محمد‮ ‬يحيى البصير والمرحوم محمد عبدالله عبدالمجيد المنصوب والمرحوم محمد عبد الرحمن الناظر والمرحوم أمين أحمد محمد نعمان والمرحوم عبدالعزيز سلطان عبدالله مغلس‮ ..‬
¶ ‬وكيف تصف لنا البيئة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي‮ ‬عشتها في‮ ‬ظل العهدين‮.. ‬الإمامي‮ ‬والبريطاني¿‮ ‬
‮- ‬لك أن تتصور كيف ستكون البيئة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في‮ ‬نظام إمامي‮ ‬في‮ ‬شمال الوطن واستعمار بريطاني‮ ‬في‮ ‬جنوبه فلم‮ ‬يكن حينها إلا الخوف البطش والجوع والجهل والانعزال ليس بين اليمن والخارج وإنما بين المدن والقرى في‮ ‬الداخل نتيجة لانعدام الطرق وكل وسائل الاتصالات ونتيجة لانعدام التعليم الجيد والمتطور ونتيجة أيضا لانعدام المرافق الصحية والأطباء‮ ‬وقبل كل ذلك نتيجة للبطش والإرهاب والجبروت الذي‮ ‬كان‮ ‬يمارس ضد المواطنين شمالا وجنوبا‮ ‬فقد كانت الثقافة رجساٍ‮ ‬من عمل الشيطان‮ ‬ويكفي‮ ‬قول الإمام أحمد الشائع مهددا معارضيه الأدباء والمثقفين‮ ( ‬إني‮ ‬أحب أن ألقى الله وسيفي‮ ‬مخضب بدماء المثقفين‮ ) ‬أوالمتثقوفين بحسب تعبيره لنعرف وضع الثقافة‮ ‬والمثقفين في‮ ‬عهد الظلم والظلام‮ .. ‬
¶ ‬دعني‮ ‬أعود وأسألك عما كان‮ ‬يشغل أبناء جيلك ¿ وبأي‮ ‬شكل كنتم تفكرون في‮ ‬مستقبل اليمن¿
‮- ‬لم‮ ‬يكن‮ ‬يشغل أبناء جيلي‮ ‬من عرفتهم وزاملتهم أو احتككت بهم سوى التحصيل العلمي‮ ‬ليكون ذلك عاملاٍ‮ ‬مهماٍ‮ ‬في‮ ‬الخلاص من الحكم الإمامي‮ ‬المتخلف في‮ ‬شمال الوطن ومن الاستعمار البريطاني‮ ‬في‮ ‬الجنوب لذلك كان التفاعل المطلق مع وفي‮ ‬المواقف النضالية سواء في‮ ‬الشمال أو الجنوب‮ ‬الذي‮ ‬انعكس على واقع النشاط السياسي‮ ‬والثقافي‮ ‬من خلال تكوين الجمعيات والمنظمات والأحزاب‮ ‬وقد كان كل تفكير‮ ‬غالبية جيلي‮ ‬ينصب في‮ ‬التخلص من الواقع المتخلف وقيام نظام جمهوري‮ ‬يرتكز على المساواة والعدالة والتطور في‮ ‬كل مناحي‮ ‬الحياة واللحاق بركب الحضارة الحديثة‮ .. ‬
¶ ‬وما تأثير ذلك الواقع على نشأتك‮ ..‬وعلى أبناء جيلك ¿‮ ‬
‮- ‬طبعا كان للواقع الذي‮ ‬كنا فيه تأثير مؤلم وسيئ ويكفي‮ ‬أننا حرمنا من التعليم المتطور وأن شعبنا تخلف قروناٍ‮ ‬عدة عن‮ ‬غيره من شعوب العالم‮ ‬ولكن ذلك خلق فينا العزم والتصميم الذي‮ ‬كانت نتيجته ثورتي‮ ‬سبتمبر وأكتوبر وما سبقتهما من إرهاصات ثورية ونضالية‮ .. ‬
¶ ‬هل‮ ‬يتذكر الأستاذ محمد المجاهد دخوله الميدان السياسي¿‮ ‬
‮- ‬لا أتذكر متى كان دخولي‮ ‬الميدان السياسي‮ ‬إلا أن وعي‮ ‬الثقافي‮ ‬والسياسي‮ ‬بدأ مبكرا جدا وذلك بفضل استماعي‮ ‬للإذاعات المصرية وغيرها وما كنا نسمعه عن الثورة المصرية وحديثها عن حرية الشعوب واستقلالها عن الاستعمار والاستبداد ثم تأثري‮ ‬حينذاك بمحتوى الصحف والمجلات العربية والمصرية منها بالذات التي‮ ‬كانت تأتي‮ ‬لعمي‮ ‬القاضي‮ ‬محمود عبدالولي‮ ‬المجاهد من عدن‮ ‬‮ ‬وأيضا للحديث الذي‮ ‬كنت أسمعه من والدي‮ ‬وأعمامي‮ ‬عن الواقع في‮ ‬اليمن وفي‮ ‬العالم العربي‮ ‬أثر كبير في‮ ‬تكوين وعي‮ ‬الثقافي‮ ‬والسياسي‮ ‬وذلك أيضا ولد في‮ ‬نفسي‮ ‬حب القراءة ومطالعة الكتب بمختلف مشاربها‮ ‬ولن تصدق أني‮ ‬في‮ ‬عمر الثالثة عشر قرأت كل أجزاء تاريخ الإسلام لجورجي‮ ‬زيدان وأجزاء الأغاني‮ ‬لأبي‮ ‬الفرج الأصفهاني‮ ‬وغيرها من الكتب‮ ‬كل ذلك خلق في‮ ‬نفسي‮ ‬القدرة المبكرة على الفهم والتحليل‮ ‬وعند سفري‮ ‬إلى القاهرة بدأت أتلمس الاتجاهات السياسية والفكرية وبالذات ما‮ ‬يدور من خلافات فكرية بين الطلاب والجالية اليمنية‮ ‬ولم أنتمي‮ ‬حينها لأي‮ ‬حزب إلا أني‮ ‬انجذبت‮ ‬لحزب البعث بحكم الصداقات الكثيرة مع بعض المنتمين إليه‮ ‬ولأن البعثيين كانوا الأكثر نشاطا رغم ما كانوا‮ ‬يعانونه من مضايقات المخابرات المصرية وملاحقاتها‮ ‬مما أكسبهم تعاطف أغلبية الطلاب اليمنيين‮ ‬ومكنهم من النجاح في‮ ‬السيطرة على نادي‮ ‬الطلبة اليمنيين حينها‮ .. ‬
¶ ‬محطتك التالية كانت مصر للدراسة‮ .. ‬في‮ ‬أي‮ ‬عام ¿ ما هي‮ ‬ذكرياتك عن تلك المرحلة‮.. ‬الحياة الطلابية نشاط رابطة الطلبة اليمنيين¿‮ ‬
‮- ‬سافرت إلى القاهرة عام‮ ‬1961م‮ .. ‬أما الحياة الطلابية فقد كانت مرتبطة بهموم الوطن وما‮ ‬يعانيه وما‮ ‬يجرى من أحداث‮ ‬كحادثة مظاهرات الطلبة قي‮ ‬صنعا تعز وموت الإمام أحمد عقب مظاهرات الطلبة وأيضا ما‮ ‬يحدث في‮ ‬الشطر الجنوبي‮ ‬من الوطن‮ ‬ونشاط رابطة الطلبة أو ما سمي‮ ‬بنادي‮ ‬الطلبة اليمنيين فقد كانت تنشط كثيرا في‮ ‬متابعة قضايا الطلاب سواء المتواجدن في‮ ‬القاهرة أم الذين‮ ‬يصلون من اليمن إضافة إلى تفاعلها مع الأحداث الوطنية أوالعربية أما ما كانت تسمى برابطة أبناء الجنوب فقد كانت شبه معزولة عن نشاط الطلبة اليمنيين‮ .. ‬
¶ ‬كانت القاهرة في‮ ‬ستينيات القرن المنصرم زاخرة بنشاط التيارات السياسية القومية والليبرالية والإسلامية‮ ..‬ما ملامح القضايا والصراعات التي‮ ‬رصدتها¿
‮- ‬نعم كان النشا ط السياسي‮ ‬على أوجه‮.. ‬إلا أنه تغلب عليه السرية بحكم أن السلطات المصرية كانت تحرم النشاط الحزبي‮ ‬إلا أن الواقع في‮ ‬صفوف الطلاب وكافة اليمنيين المتواجدين أنهم كانوا لا‮ ‬يعبأون بذلك فكان أغلبهم متحزبين منهم البعثيين والحركيين المنتمين لحركة القوميين العرب والشوعيين‮ ‬والإخونجين إلا أن أكثريتهم كانوا منتمون للبعث وبعدهم‮ ‬يأتي‮ ‬الحركيون أما حينها فقد كان الشوعيون قلة وأقلهم الإخوان المسلمون‮ ‬ومع ذلك لم تكن هناك صراعات حادة بين الطلبة بل كان هناك وئام وبالذات عند الأحداث الوطنية وعند الملمات‮ .‬
‮> ‬ماذا أعطتك مصر مثلا¿‮ ‬
‮- ‬أعطتني‮ ‬القاهرة الكثير من الثقافة والعلوم‮ ‬وعرفت ما لم أعرفه قبل وجودي‮ ‬فيها ويكفي‮ ‬أنها‮ ‬غرست في‮ ‬وجداني‮ ‬النزوع إلى المبادئ الثورية والإيمان بالوطن وبالقومية العربية التي‮ ‬كان‮ ‬يشدوا بها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر‮ ‬وتتبناها كافة الأحزاب القومية‮ .. ‬
¶ ‬ولكنك‮ ‬غادرتها عائدا إلى الوطن دون أن تكمل دراستك الجامعية‮..‬ما الحكاية‮‬¿‮ ‬
‮- ‬هذه لها قصة طويلة‮ .. ‬فبعد مكوثي‮ ‬ما‮ ‬يقرب العامين ونصف وبعد قيام الثورة السبتمبرية المباركة وفي‮ ‬يوم من الأيام وأنا متواجد في‮ ‬السفارة اليمنية لفت نظري‮ ‬إعلان لمن‮ ‬يرغب في‮ ‬الالتحاق بالكلية الحربية في‮ ‬القاهرة وسريعا ما توجهت إلى الملحقية العسكرية المختصة بذلك وسجلت اسمي‮ ‬ضمن المتقدمين وفعلا حددوا لي‮ ‬الموعد مع جميع زملائي‮ ‬المسجلين وأغلبهم جئ بهم عبر السلطات المصرية أو عبر قيادة قواتهم في‮ ‬اليمن وهم إما أولاد مشايخ أو أعيان وكنت أنا والكابتن علي‮ ‬محسن المريسي‮ ‬فقط اللذان كنا في‮ ‬مصر منذ سنوات وسجلنا عبر السفارة‮ ‬المهم أننا تجمعنا في‮ ‬الكلية ومكثنا ما‮ ‬يقارب فيها نصف شهر أو أكثر لغرض اختبارات القبول وللأسف لم أقبل لأسباب صحية أنا وبعض من أتوا من صنعاء‮ ‬ثم أرسلنا إلى التوجيه المعنوي‮ ‬للقوات المسلحة وهناك التقينا بالمسؤول المختص الذي‮ ‬رحب بنا واقترح علينا أن‮ ‬يرسلونا للالتحاق بكلية ضباط احتياط التي‮ ‬تتبع نظام الدورات أي‮ ‬لن نمكث فيها سوى ستة أشهر ونصبح ضباط احتياط‮ ‬ولكن عند ذهابنا إلى هناك فوجئنا أن الدراسة قد مضى عليها في‮ ‬الكلية شهر كامل فتم إعادتنا إلى التوجيه المعنوي‮ ‬في‮ ‬القاهرة ومرة أخرى‮ ‬يقترح المسؤول المختص علينا أن نلتحق في‮ ‬مدرسة المشاة لأخذ دورة في‮ ‬سلاح المشاة إلى أن تبدأ الدراسة في‮ ‬كلية ضباط احتياط‮ ‬فوافقنا وتم بعد ذلك استئجار شقة من قبل التوجيه المعنوي‮ ‬في‮ ‬مصر الجديدة لنا ولعدد من الضباط اليمنيين الذين‮ ‬يأخذون دورات في‮ ‬المدارس العسكرية المصرية وبقينا نذهب‮ ‬يوميا إلى مدرسة المشاة للدراسة والتدريب على أسلحة المشاة لعدة أشهر‮.‬
¶ ‬وبعدين ما الذي‮ ‬حدث ¿
‮- ‬في‮ ‬يوم ما‮ ‬وبعد تناول وجبة الغداء وكما هي‮ ‬عادتي‮ ‬في‮ ‬وقت الفراغ‮ ‬كنت أقرأ أي‮ ‬كتاب تطاله‮ ‬يدي‮ ‬وقد كان بحوزتي‮ ‬في‮ ‬تلك الفترة كتاب في‮ ‬سبيل البعث لميشيل عفلق أعطاني‮ ‬إياه الأخ عبدالمجيد الخليدي‮ (‬همرشولد‮) ‬كما كنا نلقبه لأنه كان دائما‮ ‬يتكلم سياسة وينشط كثيرا في‮ ‬العمل الحزبي‮ ‬والسياسي‮ ‬وهو الآن دكتور نفساني‮ ‬كبير‮ ‬فحدث أن أعطاني‮ ‬الكتاب في‮ ‬وقت كنت فيه‮ ‬متوجها إلى الكلية الحربية فأخفيته في‮ ‬طيات ملابسي‮ ‬حتى حانت الفرصة لقراءته وأثناء القراءة فوجئت بأحد الزملاء ويدعى محمد الحذيفي‮ ‬أو الجحيفي‮ ‬لا أتذكر لقبه‮ ‬يخاطبني‮ ‬مستنكراٍ‮ ‬قراءتي‮ ‬للكتاب فأجبته بأنه ليس هناك ما‮ ‬يمنع‮ ‬فسكت حينها ولكنه وأثناء التدريب في‮ ‬المدرسة‮ ‬يخاطب المدرب ويدعى الشاويش سليم قائلا له‮: ‬أن محمد المجاهد‮ ‬يقرأ كتاب في‮ ‬سبيل البعث‮ .. ‬فقد أجبت بتأكيد الكلام وانقطع الحديث حينها ولكن بعد مضي‮ ‬أربعة أيام وفي‮ ‬يوم خميس وكان هذا اليوم من كل أسبوع‮ ‬يخصص للتوجيه المعنوي‮ ‬أي‮ ‬للمحاضرات وخلافها وأثناء المحاضرة وكانت عن القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العربية وكنت الوحيد أعقب على المحاضر بل وأصحح له بعض المعلومات‮ ‬وإذا به فجأة‮ ‬يلتفت نحوي‮ ‬ويسألني‮ ‬هل تقرأ كثيرا¿ فأجبته بنعم‮ ..‬فقال‮ :‬أي‮ ‬كتب تقرأ ¿ فأجبته بأني‮ ‬أقرأ أي‮ ‬كتاب أحصل عليه أو اشتريه‮ .. ‬فقال‮ :‬حتى كتاب في‮ ‬سبيل البعث ¿ فأجبته بنعم‮ ..‬وعاد‮ ‬يقول باللهجة المصرية‮: “‬بس دي‮ ‬كتب هدامة‮ ” ‬فأجبته لكن عبدالناصر قال بأنه‮ ‬يجب أن نقرأ عن الأفكار الأخرى والمعارضة حتى نحتاط منها فأفحم وسكت‮ ‬ولكنا نحن الطلبة أنا وزملائي‮ ‬السبعة فوجئنا بإبلاغنا بان الاختبار بعد ثلاثة أيام‮.. ‬أي‮ ‬أنهم اختصروا شهرا من مدة الدورة‮ ‬وفعلا جرى اختبارنا وكنت الأول على أقراني‮ ‬وفجأة وجدنا أن ملفاتنا والمسؤولية علينا انتقلت إلى مكتب شؤون اليمنيين في‮ ‬مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة وكان‮ ‬يرأس ذلك المكتب لواء‮ ‬يلقب بالبريمي‮ ‬فقاموا هناك بإرسالنا إلى معسكر الاستقبال قي‮ ‬العباسية لإجراء الفحوصات الطبية علينا مرة أخرى تمهيدا للالتحاق بكلية ضباط الاحتياط‮ ‬ومرة أخرى‮ ‬يظهر الفحص الطبي‮ ‬بأني‮ ‬مصاب بالتهاب الرئتين‮ ‬وعليه قرر مكتب شؤون اليمنيين إعادتنا أنا و ستة من الذين أتوا عن طريقهم إلى صنعاء‮ .. ‬فاعترضت على إعادتي‮ ‬معهم إلى صنعاء بحكم أني‮ ‬تقدمت للكلية الحربية عبر السفارة اليمنية وأني‮ ‬أرغب بمواصلة دراستي‮ ‬كما كنت قبل الالتحاق قي‮ ‬الكلية وتدخل في‮ ‬الموضوع العقيد محمد عبدالوهاب نعمان نائب الملحق العسكري‮ ‬اليمني‮ ‬وأظهروا له أنهم قد اقتنعوا بكلامه وأنهم سيرجعوني‮ ‬إلى السفارة‮ .‬
‮¶ ‬وكيف انتهت القصة ¿
‮- ‬بالطبع النهاية لم تكن سارة بالنسبة لي‮ .. ‬فقد حدث بعد ما عدنا إلى السكن المخصص لنا وأتذكر ذلك جيدا‮ ..‬أي‮ ‬في‮ ‬الساعة الوحدة بعد الظهر فوجئنا بمجموعة من الشرطة العسكرية تدخل علينا وتطلب منا التوجه إلى مبنى القيادة العامة مكتب شؤون اليمنيين‮ ‬وفعلا ذهبنا وما أن دخلنا على سكرتير مدير مكتب اللواء البريمي‮ ‬وكان‮ ‬يدعى بالمقدم عصمت حتى بادرنا بالقول أنهم سيعيدوننا في‮ ‬ذلك اليوم إلى صنعاء‮ ..‬وعند ما اعترضت على ذلك التصرف وطالبت بتنفيذ ما تم الاتفاق‮ ‬عليه صباحا مع العقيد محمد عبدالوهاب نعمان نائب الملحق العسكري‮ ‬إذا به‮ ‬يشخط فينا ونخط‮.. ‬وعندما بدأنا نشاغب رفع سماعة التلفون وطلب مجموعة من الشرطة الجوية‮ ‬حيث تم احتجازنا هناك حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل محاطين بخمسة عشر من جنود الشرطة الجوية وكانوا قد رتبوا‮ (‬طائرة أنتي‮ ‬نوف‮) ‬حربية وفي‮ ‬الساعة الثانية بعد منتصف الليل أخذونا بسيارة عسكرية وبرفقتنا جنود الشرطة الجوية إلى المطار الحربي‮ ‬وهناك أركبونا الطائرة التي‮ ‬أقلتنا إلى صنعاء أي‮ ‬أنهم رموا بنا في‮ ‬المطار لا مال ولا ملابس إلا ما كنا نرتديها‮..‬تخيل أنهم عندما حجزونا في‮ ‬مكتب شؤون اليمنيين لم‮ ‬يسمحوا لي‮ ‬شخصيا أن أذهب إلى السكن لأخذ ملابسي‮ ‬ومتعلقاتي‮ ‬وهذه قصة عودتي‮ ‬من القاهرة‮.. ‬أي‮ ‬أني‮ ‬عدت‮ ( ‬مزفرا‮ ) ‬أو مطرودا كما‮ ‬يقولون‮ … ‬
‮¶ ‬وأين كنت عشية قيام الثورة¿‮ ‬
‮- ‬كنت حينها في‮ ‬مصر‮ ..‬
‮> ‬وماذا فعلت مع أبناء جيلك‮ ‬يوم إعلان إذاعة صنعاء نبأ سقوط الملكية وقيام الجمهورية¿‮ ‬
‮- ‬فرحنا كثيرا وسرعان ما تجمعنا في‮ ‬السفارة اليمنية وقام البعض منا بنزع وإبعاد صور الإمام أحمد وصور أفراد أسرته وأي‮ ‬شيء‮ ‬يكرس المظاهر الإمامية وقد تجمع معنا هنالك كل اليمنيين‮ ‬وعلى رأسهم وفي‮ ‬مقدمتهم أبو الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري‮ ‬والأستاذ أحمد المعلمي‮ ‬رحمهما الله حيث ألقى الشهيد الزبيري‮ ‬خطابا أشعل حماس الحاضرين تجاه الثورة والجمهورية‮ .. ‬
¶ ‬وماذا بقي‮ ‬من الصور الحية في‮ ‬ذاكرة الأستاذ المجاهد عن المد الجماهيري‮ ‬أو الشعبي‮ ‬في‮ ‬عموم اليمن‮ (‬من الشمال إلى الجنوب‮).. ‬كما الصور التي‮ ‬عبر اليمنيون بها عن وحدة الثورة والنضال¿‮ ‬
‮- ‬كثيرة هي‮ ‬الصور والمواقف الحية التي‮ ‬تختزنها الذاكرة وأهما ذلك الالتفاف الجماهيري‮ ‬الذي‮ ‬حصل من جانب كل المواطنين الذين انخرطوا جميعا في‮ ‬القوات المسلحة وفي‮ ‬الجيش الشعبي‮ ‬من الشمال والجنوب دفاعا عن الثورة والجمهورية وقدموا الأرواح والدماء رخيصة لدحر الإمامة وأعوانها في‮ ‬الداخل والخارج ومثل ذلك التلاحم عن وحدة النضال والمصير الواحد‮ .. ‬
¶ ‬كيف عشت مسيرة ثورة‮ ‬14‮ ‬أكتوبر‮ ‬1963م منذ الإرهاصات الأولى ثم اندلاعها وحتى خروج آخر جندي‮ ‬بريطاني‮ ‬من عدن وإعلان الاستقلال في‮ ‬نوفمبر‮ ‬1967م¿‮ ‬
‮- ‬منذ بداية الإرهاصات الثورية والنضالية ضد الاستعمار البريطاني‮ ‬وأنا وكثير من أبناء جيلي‮ ‬نتفاعل مع ذلك المد النضالي‮ ‬بل وأحيانا كنا نشارك في‮ ‬أي‮ ‬نشاط أو فعالية تناصر وتبارك مطالب إخواننا في‮ ‬الجنوب في‮ ‬الاستقلال والتحرر من الوجود الاستعماري‮ ‬ولذلك كانت مواقفنا نحن الطلبة اليمنيين داعمة ومؤيدة لكل مبادرة أو نشاط‮ ‬يخدم القضية النضالية ويسرع بخروج الاستعمار‮ .‬
‮¶ ‬أستاذ محمد لو انتقلنا إلى الحديث عن أجواء الثورة اليمنية الراهنة¿
– في‮ ‬الواقع ان الحديث‮ ‬يتجدد عن ثورة سبتمبر‮ ‬1962م وقد مضى على اندلاعها‮ ‬51عاما‮ ..‬وثورة أكتوبر‮ ‬1963م وهي‮ ‬في‮ ‬يوبيلها الذهبي‮ ‬هذا العام‮ ..‬وما زال الجدل‮ ‬يحتدم بين أنصار وخصوم‮ ‬الثورتين حيث تغيرت مواقع‮ ‬ومعالم وتحققت مكاسب بالرغم من وجود سلبيات‮.. ‬ولعل هذا النقاش هو الذي‮ ‬يفرض السؤل التالي‮ ..‬كيف نضع الثورتين في‮ ‬ميزان التقييم التاريخي‮ ‬بدون تشويه‮ ‬¿‮ – ‬سؤالك هذا كبير ومهم جدا‮ ..‬والإجابة عليه بحاجة إلى وقت وصفحات لكني‮ ‬استطيع القول ان التقييم المنصف لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يتجاهل أن للثورتين‮ ‬26سبتمبر و14أكتوبر إنجازات عظيمة أهمها التغيير الذي‮ ‬حدث بهما وبعدهما حيث تبدل الوضع الحال إلى الأفضل والأحسن فقد أزيل حكم الطغاة من آل حميد الدين وأعوانهم وجاء نظام جمهوري‮ ‬ينادي‮ ‬بالعدالة والمساواة والتطور والحرية والانطلاق في‮ ‬شمال الوطن‮ ‬وأخرج الاستعمار البريطاني‮ ‬وطرد إلى‮ ‬غير رجعة وانتهت العزلة والانعزال الذي‮ ‬كان مفروضا على الشعب شمالا وجنوبا‮ ‬ويكفي‮ ‬الثورتين فخرا أنهما انتصرتا على أعدائهما في‮ ‬الداخل والخارج‮.. ‬
‮¶ .. ‬ومع ذلك نجد أن هناك من‮ ‬يغلب السلبيات على الانجازات‮.. ‬فماذا ترى¿‮ ‬
‮- ‬الانجازات التي‮ ‬تحققت طوال عمر الثورتين لا‮ ‬يمكن أن تمحوها السلبيات أو تقلل من شأنها مهما كانت تلك السلبيات ومن‮ ‬يغلب السلبيات فهو إما حاقدا موتورا تضررت مصالحه الشخصية أو مصالح أسرته أو قبيلته بفعل الثورتين‮ ‬أو من لم‮ ‬يعايشون ولم‮ ‬يعرفوا عهود الإمامة والاستعمار وما كان‮ ‬يطغى على البلاد من جهل وتخلف وخوف وجبروت‮ ‬وهذه مسئولية الدولة التي‮ ‬قصرت في‮ ‬توعية الأجيال الجديدة بما كان‮ ‬يعيشه آباؤهم في‮ ‬الماضي‮ ‬المباد‮ .. ‬
¶ ‬ولكن العدالة الاجتماعية وبناء الإنسان والتعليم والمواطنة المتساوية والدولة الحديثة‮ ‬والنظام الديمقراطي‮ ‬وغيرها من أهداف ومبادئ الثورتين لم‮ ‬يزل اليمنيون‮ ‬يبحثون عنها حتى اليوم‮.. ‬في‮ ‬رأيك‮ ..‬هل‮ ‬يكمن الخلل في‮ ‬غياب برامج الحكومات المتعاقبة‮ ..‬أم‮ ‬يعود إلى الصراعات بين ما‮ ‬يسمى بالنخب ¿‮ ‬
‮- ‬صحيح ما جاء في‮ ‬الشطر الأول من سؤالك‮ .. ‬فالعدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان لم تتحقق‮ ..‬والدولة العصرية القوية والحديثة لم تقام‮ ..‬والعدل‮ ‬غائب والقضاء أكثر فساد‭ ‬‮ ‬مما كان عليه في‮ ‬عهد الأئمة والاستعمار وتلك تركة ورثها الشعب اليمني‮ ‬ولم‮ ‬يتجرأ أحد أن‮ ‬يصحح المسار خوفا من تهمة معاداة الشريعة الإسلامية‮ ‬وكل محاولة تواجه بعراقيل من ذوي‮ ‬المصالح ودعاة التمسك بالشريعة‮ .. ‬أما التعليم فالوضع أفضل كثيرا عن العهود السابقة‮ ‬فلو نظرنا مثلا لعدد المدارس وعدد الطلاب ونوعية المناهج الدراسية والتعليمية لوجدنا فارق كبير وبون شاسع بين ما كان قبل الثورتين وما بعدها‮ ‬فقبل الثورتين كانت المدارس لا تزيد عن عدد أصابع اليدين وبالذات في‮ ‬شمال الوطن‮ ‬وعد طلابها لا‮ ‬يزيدون عن‮ ‬2000طالب فقط أما مستوى المناهج الدراسية فقد كانت لا توازي‮ ‬مناهج الصف الرابع الابتدائي‮ ‬في‮ ‬أحسن الأحوال مع مناهج الدول العربية الأخرى مع أنه كان هناك في‮ ‬بعض المدارس في‮ ‬اليمن فصول الابتدائية والإعدادية والثانوية ولكن ما كان‮ ‬يدرس فيها وحتى الثانوية لا‮ ‬يساوي‮ ‬منهج الرابع أو الخامس ابتدائي‮ ‬وهذا كان‮ ‬يشكل للطلاب الذين‮ ‬يذهبون إلى الخارج للدراسة حرجا كبيرا بحكم أنهم كبار في‮ ‬السن على أقرانهم من طلاب المرحلة الابتدائية في‮ ‬الدول الأخرى لولا أن الحكومة المصرية في‮ ‬عهد جمال عبد الناصر وتقديرا للظروف المشار إليها آنفا سهلت للطلاب الوافدين بالاختبار ثلاثة أعوام في‮ ‬عام واحد حتى‮ ‬يكون مستواهم مقارب لأعمارهم‮ ‬وكذلك في‮ ‬الجوانب الأخرى فقد حدث تطورا ملحوظا وإن كان لا‮ ‬يبلغ‮ ‬الحد الذي‮ ‬يلبي‮ ‬الطموح العام للشعب بسب قلة الموارد وبسبب الفساد الذي‮ ‬طغى واستشرى‮ ‬إلا أن الوضع مقارنة بالعهود السابقة سواء في‮ ‬شمال الوطن أم في‮ ‬جنوبه فهو أفضل بكثير‮ ‬وأية سلبيات حدثت في‮ ‬عهد الثورتين أو بعدها فلن تكون إلا نتيجة لموروثات العهد الاستعماري‮ ‬والإمامي‮ ‬البغيض‮ ‬لأن الشعب لم‮ ‬يرث من عهد ما قبل الثورتين إلا الجهل والتخلف والفقر ومن قاموا بالثورة أو حكموا بعد ذلك هم تحصيل أو ناتج ذلك الموروث البغيض‮ ‬وماذا نتوقع أن تكون المحصلة ¿

قد يعجبك ايضا