شعار الانفصاليين: (الوحدة أو الموت)!
عبد العزيز البغدادي
إن لم نرَ الحقائق كما هي ، وندرك خطورة التضليل الإعلامي والكذب في توجيه الأحداث فلا أعتقد أننا سنخطو نحو تحقيق أحلامنا وطموحاتنا بالشكل الذي لا يجعلها عرضة للاهتزاز وللتدمير أحيانا ، فبفعل إطلاق العواطف والاستسلام للأكاذيب تجهض الأحلام والطموحات العظيمة وتصبح لعبة بيد الحكام الذين تحكمهم طموحاتهم الشخصية بعيداً عن الإحساس بالمسؤولية الوطنية ، لابد للسياسة أن تكون وسيلة محترمة لتحقيق أحلام الشعوب وطموحها ، لا أن تتفنن رموزها في ذبح أنبل الأحلام وأبسط الحقوق ، وتطويع بعض المقدسات والمفاهيم الدينية في المجتمعات ذات الصلة القوية بالدين لتجعلها أحدُّ سكاكين الذبح !!؛
ولعل من أبرز تجليات ذلك ما يحدث اليوم من ممارسات غاية في البشاعة في بعض مناطق الجنوب من المحسوبين عليه وضد كل ما يمت بصلة للشمال على وقع التكبير والمتزامن مع شهر رمضان المبارك وهو شهر الرحمة والعطف وطلب الغفران والموافق لشهر مايو أي مع اقتراب الذكرى التاسعة والعشرين للوحدة السياسية في 22/ مايو 1990 ذكرى الاعتصام بحبل الله والتلاحم التي أراد لها وبها مهندسو الشر في المنطقة والعالم وبعض المتاجرين بوطنهم أن تتحول من حلم وردي لكل أبناء اليمن انطلقت بشاراته من الجنوب الحر حينها إلى كابوس دموي ، يدمي العيون ، وينهك القلوب والأرواح ، هذه الممارسات في بعض مناطق الوطن الذي قيل أنه توحّد ليست وليدة الأحقاد المحلية وحدها الناتجة عن أخطاء ولكنها عمل منظم وممنهج وممول سعودياً وإماراتياً ويعد من أخلاقيات (حزن الجوار) الذي تمارسانه على نطاق واسع في أنحاء الوطن العربي والإسلامي وفي العالم ولكنهما في اليمن تتفننان في نشر هذه البشاعات مستفيدتين من الالتصاق الجغرافي مع السعودية وقرب المسافة مع الإمارات ومستعينة بتوجيهات وخبرات المستعمر القديم المتجدد البريطاني كل ذلك أكسب هاتين الدولتين أو الكيانين المستحدثين بعض الدراية بكيفية تغذية هذه التفاهات وزرع الأحقاد واستثمارها ، ولايبدو انهما تجيدان غيرها ولا تكترثان ،لا نقصد هنا تجاهل حقيقة أنه لولا بعض العقول والضمائر التي يحمل أصحابها الجنسية اليمنية ما استطاعتا إيجاد من لا يخجل ولا يتردد في أن يصبح أداة الأداة أو عبد العبد ومن ينفذ لهما رغباتهما .
لأن العبيد وعبيد العبيد ببساطة هم أداة المستبد وألعوبة المستعمر الذي رحل عن الأرض ليحتل العقول ويصبح له بين الأساتذة والنخب كائنات زُرِعَتْ فيهم عقول جعلتهم إلى العجولِ أَقرب وبعضهم مع كل أسف كانوا في مقدمة صفوف من حضروا احتفال ذبح الوحدة يوم 22 مايو1990حيث جرى إقصاء وتصفية أغلب الفاعلين من ذوي العقول والضمائر الحية وأقول ذبحها لأن مجريات الأحداث والوقائع منذ ذلك اليوم عند من يعقل اتجهت نحو هذا المنحى الذي أحال الوطن إلى مسلخ أخذت تداعياته تتجلى أكثر منذ حرب صيف 1994 القذرة بل وظهرت ملامحه عقب التوقيع على وثيقة الوحدة مباشرة ، الأمر الذي جعل الأمور تتجه إلى المصير الذي صارت اليه و تكبلت العقول واستسلم بعضها للترهيب والترغيب ما جعلها تتعامى عما ترى، وتغافل من منحوا قسطا من حق المساهمة في صنع القرار سلطة ومعارضة عن المقاومة و سارت الأحوال في الاتجاه المعاكس للوحدة وكانت أول خطوة في هذا المسار تسليم سلطة دولة الوحدة لقيادة سياسية ليست مؤهلة لهذا الموقع وقد طرح إبان السعي للإسراع بتحقيق الوحدة أن نظامي الشطرين قد هربا إلى الوحدة ومما يؤكد هذه المقولة أن كليهما قد أثبتا فشلهما في إدارة الدولة الشطرية مع أن كل شطر كان مؤهل منفرداً بمقوماته وباستمرار تطوير العلاقة التكاملية بينهما التي دشنها رئيسا الشطرين الشهيدين المغدور بهما الشهيد إبراهيم الحمدي والشهيد سالم ربيّع علي لأن يكون أكثر نجاحاً من أي دولة خليجية ، لو أتيح للعقل أن يكون هو القائد لكن ومن سخرية القدر وعجائب السياسة في اليمن أن قيادة دولة الوحدة قد سُلِّمَ أمرها لأكثر عناصر القيادة في الشطرين فساداً وفشلاً وعدم وعي بقيمة الوحدة ومتطلبات نجاحها وحمايتها وأكثرهم استهتاراً بالمال العام والوظيفة العامة وعدم إحساس بالمسؤولية وبصلاحيات قاتلة!، ولهذا ما إن تم تسليم الهدية لرأس النظام الخطأ والتوقيع على اتفاقية الوحدة حتى جرى تمزيقها وخلط عجينة فساد النظامين لتكون الخلطة عجينة الوحدة المظفرة ولتشتعل الأزمات وتتلاحق وتضمحل المبادرات والوساطات لحل الأزمة أو المشكلة من دول هي في حقيقة الأمر جزء أساس من المشكلة ولتبدأ عناصر الدولة العميقة في نشر السلوك الفاسد على مستوى الوطن الموحد الذي تحول إلى كعكة تقاسمها الفاسدون ، تمهيدا لذبح حلم الوحدة في النفوس من الوريد إلى الوريد وبالذات نفوس أبناء الجنوب الذين كانوا في طليعة الوحدويين وبعضهم كانت تعميه عاطفة الوحدة فيدعو لتحقيقها بأي وسيلة وتحت أي راية ومن المفارقات أن هؤلاء المندفعين ، كانوا في طليعة المنادين بالعودة إلى خيار الانفصال وهذا شأن كل من يتعاطى مع السياسة بالعاطفة فيصبح مجنّداً لفعل سياسي لا يدرك أبعاده إلا بعد وقوع الفأس في الرأس ، الفعل الوطني الذي يكون فيه الوحدوي مجنِّدا للطاقة الإيجابية يعلمنا أن الأخطاء وحتى الجرائم أياً كان نطاق اتساعها لا يمكن أن تكون مبرراً عند العقلاء للانقلاب على المبادئ وإلا فما الفرق بين المبدأ والسلوك الفردي ؟!؛
هذا هو حكم السيناريو المرسوم الذي مازلنا نعيش تداعياته، وليست نتاج هواجس منبعثة من طغيان نظرية المؤامرة على التفكير لكنها وقائع تنفذ على الأرض وأفعال عايشناها ولا زلنا نعيشها وأعتقد أنّ أبناء الجنوب الشرفاء وهم كثر رغم تحكم قلة من المتاجرين بشؤونه يدركون أن عمليات ذبح الأسرى في الضالع وحرقهم وكل الممارسات التي تقوم بها القاعدة والنصرة وكل العناصر المريضة إنما هي جزء من سيناريو يديره صناع المؤامرات الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني ويشارك فيه ويموله أدواتهم في السعودية والإمارات وينفذه العبيد وإلا فمن هي السعودية ومن هي الإمارات بل ومن هي أمريكا إذا وجد الإنسان راسخ الإيمان بأهمية الانتماء الوطني والديني والأخلاقي ، ولنا في تاريخ أمريكا المليء بالهزائم في البلدان التي أدرك شرفاء أبنائها كيف يتصدون لمؤامراتها ويهزمونها عبرة ، وكل مقاومة صادقة مؤمنة متماسكة لا بد أن تنتصر ،
وليس من الصعب على أبناء اليمن اليوم أن يدركوا مدى خطورة تطييف الأزمات والإرهاب والفساد على وحدة الوطن فهو السلاح الذي تذبح به الوحدة والسكين التي سلمها بعض العباقرة لبعض من سموا أنفسهم زعماء ورموزا وقادة وهم أسوأ أنواع العبيد، ليس من الصعب عليهم أن يدركوا أن الإرهاب والفساد لا وطن لهما وأن جميع لصوص المال والسلطة في جبهة واحدة ضد كل الأحلام والطموحات المشروعة، فهل نعي أهمية التوحد في مواجهتهم؟
أكتب بالضوء حروفاً
مفعمة بالحب وبالتوحيد
كلماتٌ تسألني يوم الدين:
من يذبح حلم الإنسان
من يحرق أشجار الصدق
ويزرع أشجار التلفيق
كي نحصد كارثة التمزيق.