الدين والمجازفة
عبدالملك العجري
فكرة الجزاء والثواب والعقاب في الخطاب القرآني ليست إجراءات مؤجلة يتم تنفيذها في مرحلة أخرى .
الخطاب القرآني ربط الجهد الانساني بمستويين أساسيين من الجزاء عاجل وآجل .ومجموع القيم التي حث عليها الدين مرتبطة ارتباطا مباشراً بمعيشة الانسان في هذه الحياة مرتبطة بنتائجها على سعادة الانسان وشقاء وبؤس حياته .
الاسلوب القرآني لم يكلف المؤمنين المجازفة اتكالا على وعد مؤكد بالحصول على مكافأة تفوق الخيال في عالم آخر يغريهم بها مقابل التزامهم بقيم الدين وجهودهم التي يبذلونها في تنفيذها فحسب .القارئ يلاحظ ان الاسلوب القرآني يغريهم برغد العيش والرفاه والحصول على منافع دنيوية كثيرة اذا هم استقاموا على الطريقة ومثله السلوك السيئ تكون له نتائج عاجلة تتمثل بضيق المعيشة والبؤس والمذلة والمهانة في حياته .
المجتمع الذي يعيش حياة بائسة ليس المجتمع المثالي والمجتمع غير العادل المجتمع الضعيف المجتمع المفكك ليس النموذج الجيد ،والانسان الذي يتنازل عن حقوقه الاساسية ليس مؤمنا جيدا .
كان بعض العلماء يقول ان نعيم الجنة تفضل من الله لاجزاء مستحقا على اعماله ذلك لأنها ضوابط وقيم مرتبطة بانتظام حياة الانسان وجهد انساني مسؤول لتحقيق مجتمع انساني عادل وحر وكريم .
ليس هناك اي مجازفة كما يقول فيلسوفنا ابوالعلاء المعري :
قالَ المَنجّمُ والطّبيبُ كِلاهما:
لا تُحشَرُ الأجسادُ؛ قلتُ: إليكما
إن صَحّ قولُكما، فلستُ بخاسرٍ،
أو صَحّ قولي، فالخَسارُ عليكما
طَهّرْتُ ثَوْبي للصّلاةِ، وقبلَهُ
طُهرٌ، فأينَ الطّهرُ من جسديكما؟
وذكرتُ رَبّي، في الضّمائرِ، مؤنساً
خَلَدي بذاكَ، فأوحِشا خَلَديكما
وبكرْتُ في البَردينِ أبغي رَحمَةً
منهُ، ولا تُرَعانِ في بُرْديكما
إنْ لم تَعُدْ بيَدي مَنافعُ بالذي
آتي، فهلْ من عائدٍ بيَدَيكما؟
بُرْدُ التّقيّ، وإن تَهَلّلَ نَسجُه،
خيرٌ بعلمِ اللَّهِ من بُرديكما
الفيلسوف الفرنسي باسكال ايضا كان يرى أن من المعقول أن يراهن الإنسان بحياته على أن الله موجود. لأنه إن أصاب فربح لامحدود، وإن لم يصب، فخسارة محدودة.
المجازفة هي في التوظيف الديني الذي روج له نظام الاستبداد والفساد لصرف الناس عن المطالبة بحقوقهم وتبرير العجز والهروب من تحمل المسؤولية واستخدامها كحيلة تعويضية عن حالة البوس والشقاء كقدر على المؤمن والحقيقة انه قدر فرضته انظمة الفساد والاستبداد.
المجازفة الحقيقة هي هذا التوظيف الدراويشي لفكرة الجزاء يريد ان يجعل الجنة عوض الاخلال بالعدالة يريدون ان ينعموا بالثراء الفاحش ورغد العيش وينهبون حقوق الرعية ويحيلون حقوقهم في الحياة الكريمة الى نعيم الجنة .يستاثرون بالمال ويسؤون توزيعه ويبيحون لأنفسهم تجاوز كل القيم وانتهاك كل الحقوق ويطالبون من الأمة السمع والطاعة والتماس التعويضات في الجنة هذه هي المجازفة الحقيقة والخسارة الحقيقية نكد في الحياة ولم يبذل أي جهد يضمن له الفوز بالنعيم في الآخرة.