وكيل وزارة الثقافة لقطاع الآثار والمتاحف والمدن التاريخية:استهداف المواقع الأثرية والتاريخية عمل إجرامي
> تتمتع الممتلكات الثقافية بالحماية خلال الحرب وفق الاتفاقيات الدولية
لقاء/ خليل المعلمي
أكد وكيل وزارة الثقافة لقطاع الآثار والمتاحف والمدن التاريخية عبدالملك عزان أن استهداف المعالم والمواقع الأثرية والتاريخية يعتبر عملاً إجرامياً ممنهجاً في إطار عملية التطهير الشامل لهوية وحضارة الشعب اليمني، مشيراً إلى أن هذه الجرائم تتم على الرغم من تحذيرات المنظمات الدولية والمحلية لجميع الأطراف بتحييد مواقع التراث والثقافة عن أي صراعات كما تؤكده المواثيق والاتفاقيات الدولية.
وأوضح في لقاء أجريناه معه بمناسبة الذكرى الرابعة للصمود أمام العدوان السعودي الأمريكي على اليمن ودخوله العام الخامس، أهمية وقيمة التراث الثقافي كتراث إنساني يجسد عبقرية شعب، ويشكل حلقة من حلقات التطور الثقافي والحضاري للإنسان، مبيناً أن خسارة هذه المواقع لا تعوض، ولا تقاس مادياً وإنما بالقيمة المعنوية والتاريخية.
كما تطرق إلى الإجراءات التي نفذتها وزارة الثقافة تجاه هذه التهديدات والاعتداءات من التنديد والاستنكار إلى توجيه رسائل إلى المنظمات الدولية المختصة بالحفاظ على الآثار والمعالم التاريخية، وكذا القيام بحصر وتقييم أضرار المواقع التي تم استهدافها وقصفها.. فإلى تفاصيل اللقاء:
* ما هي الخسائر المادية والمعنوية والتاريخية المترتبة عن تدمير المعالم الثقافية والأثرية في بلادنا؟
– المعالم والمواقع والمدن التاريخية والأثرية والممتلكات الثقافية التي استهدفها العدوان في السنوات السابقة لا تقاس خسارتها مادياً فقط وإنما الخسارة معنوية وتاريخية أكبر من كل المعايير والمقاييس الاعتيادية.
وتكمن قيمة التراث الثقافي وأهميته كتراث إنساني يجسد عبقرية شعب، ويشكل حلقة من حلقات التطور الثقافي والحضاري للإنسان، وما يؤكد هذه الأهمية أن ضياع أي أثر أو فقده يشكل خسارة كبرى لا تعوض لا للدولة صاحبة الأثر فحسب بل للإنسانية جمعاء، لأن تراث أي دولة إنما هو حلقة في سلسلة متصلة من الحلقات من قصة الإنسان منذ ظهر على سطح الأرض حتى الآن.
فهوية أي شعب تعبر عن ماهيته وتاريخه وإمكانياته، ويشكل التراث في اليمن أحد أهم مكونات هذه الهوية وعمقها، فالتراث ملك الجميع وملك الإنسانية وهو تاريخ للوطن والحضارات العالمية والحفاظ عليه وحمايته هو واجب جماعي لازم للحفاظ على الوجود والكيان والهوية الثقافية والحضارية والإنسانية، وللتوعية حول أهمية هذا الموضوع الأثر الأعظم في الحفاظ عليه بين أفراد المجتمع المحلي سواء المعنيين منهم بالمسؤولية المباشرة أو أولئك المتصلين معه بالهوية من أبناء الوطن، ولا بد من التأكيد على القيمة المعنوية العالية لهذا التراث والضرر الذي قد يتسبب به أي تخريب وإن كان صغيراً جداً، ناهيك عن أهمية الإسهام العالي لهذا التراث بما يحتويه – تراث مبني ومواقع أثرية وتراث حي منقول وغير منقول – في حقل العلوم والسياحة الثقافية والازدهار الاقتصادي الذي يؤدي إلى تحسين الواقع الثقافي والمعيشي للمجتمع والوطن بأكمله، وذلك بالتعامل مع موضوع التراث بشكل منهجي ومدروس وربط المجتمع المحلي ربطاً مباشراً بتحسين واقعه المعيشي.
حصر وتقييم
* ما هي إجراءات ووزارة الثقافة والجهات الحكومية تجاه هذه الاستهدافات..؟
– قامت وزارة الثقافة والهيئات التابعة لها (الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية والهيئة العامة للآثار والمتاحف) بإصدار العديد من البيانات والإدانات للأعمال الاجرامية والتدمير الممنهج للممتلكات الثقافية من قبل طيران العدوان وعملائهم على الارض ، وتمت مخاطبة اليونسكو والمنظمات الدولية ذات العلاقة والمجتمع الدولي أن يقوموا بواجباتهم للضغط على دول التحالف والزامها بإيقاف استهداف التراث اليمني، والزامها بتحمل كامل المسؤولية والتعويضات المادية والمعنوية عن كل ما تسببت به من اضرار، بموجب القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية.
قامت منظمة اليونسكو بإصدار بيانات تخاطب دول العدوان بالكف عن استهداف معالم ومواقع التراث الإنساني في اليمن، وبيانات أخرى حطت فيها تراث اليمن في دائرة الخطر إلا أنهم لم يكترثوا لهذه البيانات، بل ضربوا بها عرض الحائط غير آبهين لذلك.
كما قامت وزارة الثقافة والهيئات التابعة لها (الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية والهيئة العامة للآثار والمتاحف) ورغم المعوقات والصعوبات المالية، باتخاذ بعض إجراءات الحفاظ بحسب الإمكانات المتاحة والتمويلات المحدودة التي تلقتها من منظمة اليونسكو وبعض منظمات المجتمع المحلي والمجلس المحلي وقد قامت اليونسكو ومركز التراث العالمي عبر الصندوق الاجتماعي للتنمية بتمويل مشاريع صغيرة لحصر وتقييم الأضرار في مدينة صنعاء القديمة ومدينة زبيد، وتدريب كوادر من الهيئات.
لا توجد إحصائيات دقيقة حتى الآن لعدد المواقع ونوع وحجم الدمار بسبب استمرارية التدمير في ظل العدوان والحرب وبسبب عدم توفر الإمكانيات اللازمة، وكون الآثار والمعالم التاريخية لا تقاس خسارتها مادياً فقط وإنما القيمة المعنوية والتاريخية أكبر من كل المعايير والمقاييس الاعتيادية، فلابد من إعداد قاعدة بيانات واقعية بواسطة فرق فنية متخصصة لتحديد وتقييم وتصنيف حجم الأضرار وتحديد الأولويات والإجراءات المناسبة التي من الممكن أن تتخذها الوزارة تجاه ذلك في الوضع الراهن.
حقد العدوان
* ما الغرض من استهداف هذه الأماكن وعلى ما يدل ذلك.؟
– إن غارات العدوان السعودي الجوية المتواصلة ضد المواقع الأثرية اليمنية تتم برغم معرفتها بأهميتها ومواقعها الجغرافية والتاريخية، يعتبر عملاً إجراميا ممنهجاً في إطار عملية التطهير الشامل السعودي للشعب اليمني، لأن الغارات تتم برغم تحذيرات سابقة من اليونسكو لجميع أطراف الصراع الدولي والمحلي لوجوب تحييد التراث الثقافي، وتجنيب “المعالم الأثرية أي عدوان والحرص على حمايتها باعتبارها تتعلق بثقافة وهوية وذاكرة الإنسان اليمني والإنسانية جمعاء، والاعتداء عليها يمثل واحدة من أبشع صور جرائم ضد الإنسانية وطمس هوية الشعوب”.
وهذا يعني أن الواقع الذي يجري في اليمن يثبت فعلاً أننا أمام حرب إبادة جماعية شاملة انتقامية تاريخية ممنهجة تشنها حكومة السعودية وحلفاؤها ضد الشعب اليمني وبدون أي تفويض دولي من مجلس الامن، وبالذات استهدافه اليمن وآثاره الثقافية الخالدة، وبدوافع انتقامية تاريخية لها جذور عميقة وليست وليدة اليوم، وهدفها طمس وتدمير كل آثار الإنسانية وحضارات سبأ وحمير التي قامت وانطلقت من اليمن، وفي إطار عملية تطهير عرقي شامل للعرق اليمني عموماً.
برامج وزيارات
* ما هي برامج أنشطة الوزارة مع الذكرى الرابعة للعدوان ودخوله العام الخامس؟
– وفقاً لبرنامج عمل وزارة الثقافة في إطار برنامج حكومة الإنقاذ الوطني تضمنت خطة الوزارة الحفاظ على الهوية الثقافية وترميم ما تدمره الحرب مادياً وروحياً أساساً لعملها الثقافي المستقبلي.
ومن هذا المنطلق وبمناسبة الذكرى الرابعة للصمود في وجه العدوان السعودي الأمريكي على اليمن ودخوله العام الخامس، فقد قامت وزارة الثقافة بإعداد برنامج زيارة المعالم والمواقع والمدن التاريخية والأثرية والممتلكات الثقافية التي استهدفها العدوان في السنوات السابقة في بعض محافظات الجمهورية (أمانة العاصمة – صنعاء – صعدة – المحويت – حجة – عمران – ذمار).
ويهدف البرنامج إلى تنسيق الجهود لتعزيز حالة الصمود وإقامة أنشطة ثقافية متنوعة لإبراز أثر العدوان على المعالم والمواقع والمدن التاريخية والأثرية والممتلكات الثقافية واستهداف الهوية الوطنية الثقافية والحضارية من خلال:
* النزول الميداني وعقد لقاءات مع القيادات التنفيذية والثقافية والمجتمع المحلي للاطلاع عن كثب على الأضرار التي لحقت بالجانب الثقافي والممتلكات الثقافية جراء الاستهداف الممنهج من قبل العدوان.
* المناقشة والاطلاع على الإجراءات والخطوات الأولية والاسعافية التي تمت من قبل السلطات المحلية والجهات ذات العلاقة للأماكن التي استهدفها طيران العدوان.
* تلمس هموم العاملين في المجال الثقافي وتفعيل دورهم وتنشيطه بما يتوافق وحجم التحديات التي تواجه الوطن.
* التنسيق مع السلطات المحلية ومؤسسات المجتمع المدني المعنية في المواقع التاريخية والأثرية لضمان حسن تنفيذ عملية المحافظة عليها وفي حدود ما يطلب منها.
* تنظيم حملات توعوية عن أهمية التراث ودوره في الحفاظ على الهوية الوطنية اليمنية، تبين أثره في نقل القيم الإيجابية عبر الأجيال، ويساعد على إعادة بناء العلاقات بين الافراد على أساس قيم العدالة والمساواة.
مفهوم الممتلكات الثقافية
* من خلال وثائق القانون الدولي ما هو تعريف الممتلكات الثقافية؟
– درجت معظم وثائق القانون الدولي وكذا بعض التشريعات الوطنية على استخدام مفهوم “الممتلكات الثقافية” للتعبير عن تلك الممتلكات المنقولة والثابتة، التي تحظى بأهمية كبرى في تراث الشعوب الثقافي، فإذا كانت مفردة (ممتلكات) تدل على كل الأشياء المتداولة بغرض تلبية احتياجات الإنسان، فإن مفردة (ثقافية) تأتي لكي تضع تلك الممتلكات في سياقها الاجتماعي والتاريخي.
وبالنظر إلى بعض نصوص الاتفاقيات الدولية التي عرّفت مفهوم الممتلكات الثقافية، نجد أن التعريف الأكثر قبولاً وشيوعاً في ضوء القانون الدولي، مستمدّ من:
المصدر: المادة الأولى من اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حال نزاع مسلح (1954) والمتضمنة ثلاث فقرات:
أ. الممتلكات المنقولة أو الثابتة ذات الأهمية الكبرى لتراث الشعوب الثقافي، كالمباني، المعمارية أو الفنية منها أو التاريخية، الديني منها أو الدنيوي، والأماكن الأثرية، ومجموعات المباني التي تكتسب بتجمعها قيمة تاريخية أو فنية، والتحف الفنية والمخطوطات والكتب والأشياء الأخرى ذات القيمة الفنية التاريخية والأثرية، وكذلك المجموعات العلمية ومجموعات الكتب الهامة والمحفوظات ومنسوخات الممتلكات السابق ذكرها.
ب. المباني المخصصة بصفة رئيسية وفعلية لحماية وعرض الممتلكات الثقافية المنقولة المبيّنة في الفقرة (أ)، كالمتاحف ودور الكتب الكبرى ومخازن المحفوظات، وكذلك المخابئ المعدة لوقاية الممتلكات الثقافية المنقولة المبيّنة في الفقرة (أ) في حالة نزاع مسلح.
ج. المراكز التي تحتوي مجموعة كبيرة من الممتلكات الثقافية المبيّنة في الفقرتين (أ) و (ب) والتي يطلق عليها اسم “مراكز الأبنية التذكارية”.
وضع المواقع الثقافية أثناء النزاعات
* ما هو وضع المواقع والمعالم الأثرية والتاريخية في حالة النزاعات المسلحة؟
– ترتكز الحماية التي تشمل الممتلكات الثقافية في النزاعات المسلحة على مبدأ منصوص عليه في اتفاقية لاهاي لعام 1954م، فحواه أن الأضرار التي تلحق بممتلكات ثقافية يملكها أي شعب “تمس التراث الثقافي الذي تملكه الإنسانية جمعاء”.
وتتمتع الممتلكات الثقافية بالحماية خلال الحرب على مستويين؛ إذْ، من ناحية، تنطبق عليها الأحكام العامة للقانون الإنساني التي تمنح الحماية للممتلكات المدنية بحكم أنها ممتلكات غالباً ما تكون مدنية بطبيعتها.
ومن ناحية أخرى، تُكرّس اتفاقية لاهاي لعام 1954م بشأن حماية الملكية الثقافية في حالة نزاع مسلح حماية خاصة تعترف بالتراث الثقافي لكل شعب، وتم تعزيز هذه الاتفاقية ببروتوكولين إضافيين عام 1977م وأصبحت جزءاً من القانون الدولي العرفي.
* برأيكم ما آثار الصراعات المسلحة والحروب على الآثار والتراث؟
– يبيّن الواقع المحزن على مرّ التاريخ أن الحروب تؤدي إلى فقدان العديد من الأعمال الفنية وتخريب مواقع ثقافية أو تدميرها، ورغم ضروب الحماية الممارسة حسب الأعراف منذ العصور الأولى للحضارة، دفع الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية المجتمع الدولي إلى اتخاذ التدابير اللازمة ووضع قواعد قانونية تمنح حماية خاصة.
وهكذا، جاءت اتفاقية لاهاي لعام 1954 لتلزم كل دولة باتخاذ إجراءات في سبيل صيانة ممتلكاتها الثقافية الخاصة من الهجمات المسلحة، ويتم ذلك مثلاً عن طريق نقل تلك الممتلكات بعيداً عن العمليات العسكرية المحتملة أو الدائرة، أو تفادي إقامة أهداف عسكرية بالقرب منها في حالة المواقع التاريخية.
ولا يجوز للأطراف المشاركة في النزاعات المسلحة توجيه العمليات العدائية ضد الممتلكات الثقافية وعليها تفادي وقوع أضرار عرضية ضد تلك الممتلكات، كما يحظر القانون استعمال الممتلكات الثقافية لأغراض عسكرية.
إلا أن اتفاقية لاهاي تعترف بحالات يكون فيها الهجوم على الممتلكات الثقافية مشروعاً خاصة إذا تم تحويل تلك الممتلكات إلى هدف عسكري يكون الهجوم عليه إجراءً ضروريا بحكم “الضرورة العسكرية الملحة”.
وعلى قوات الاحتلال أن تحمي الممتلكات الثقافية التي تقع تحت سيطرتها من السرقة أو النهب أو الاختلاس. وفي حال تم إبعاد الممتلكات الثقافية من الأراضي المحتلة لضمان حمايتها، يجب إعادتها عند انتهاء العمليات العدائية.