الحرية الاقتصادية وتعميق ظاهرة الفقر
د/ هشام محمد الجنيد
لقد وضع الإسلام لكيان الدولة القوية العادلة أهمية كبيرة ، ويستحيل الوصول إلى هذه الغاية في ظل موالاة قيادة النظام أنظمة الشر الرأسمالية الإمبريالية وسير هذه القيادة وفق توصيات وبرامج مؤسسات التمويل الدولية وأجهزة المخابرات الأمريكية . وقد كان لغياب الدولة القوية العادلة وتبعيتها للأنظمة الشيطانية مساوئ كثيرة وخطيرة ، ومنها التضليل الديني والثقافي والتاريخي والاقتصادي وتبعاته . ومن أوجه مسارات التضليل الاقتصادي اتباع الدولة توجه الحرية الاقتصادية في إطار نظام رأسمالي احتكاري ممنهج على هيمنة الفساد المالي والإداري ، وهو الأمر الذي ترتب عليه السيطرة على الثروات الوطنية السيادية ، وديمومة هشاشة الاقتصاد الوطني ، وعيش غالبية السكان واقع الفقر وتحت خط الفقر ، وجعل الدولة ضعيفة تتحول وفق مخططات الأعداء المرسومة إلى دولة فاشلة ثم دولة مفككة منهارة من خلال الستة الأقاليم وغيرها من المخططات الشيطانية . وما تشهده المنطقة وبلادنا منذ العام 2011م وحتى الوقت الراهن من تدخلات سافرة – عن طريق المنافقين والمرتزقة والتنظيمات الإرهابية التكفيرية والتنظيمات المسلحة – ودمار وقتل وحروب مدنية وطائفية ومذهبية هو تأكيد لمخططات مرسومة منذ عقود ، وهي حتما فاشلة ومغلوبة بصمود وثبات رجال الله المؤمنين المتقين المخلصين المجاهدين المقاتلين في سبيل الله في اليمن والمنطقة . فهم ماضون على هدي الله ، وبالتالي كل مخططات الأعداء الإجرامية والاقتصادية وغيرها آيلة إلى الفشل بعون الله .
لقد ترتب على تنفيذ النظام توجيهات البنك والصندوق الدوليين بالتوجه اقتصاديا وفق الحرية الاقتصادية تخلي الدولة عن القيام بمسؤولياتها في مجال التنمية الاقتصادية ، وأوكلت الأمر على القطاع الخاص الذي اقتصر على المشروعات غير الاستراتيجية وذات الطابع الاستهلاكي والربحي. وهذا التوجه مخالف لمبدأ التوجه الاقتصادي في النظام الإسلامي ، لتترتب على ذلك هيمنة المتنفذين على السلطة وكبار فئات التجار، هيمنتهم معا على أهم مجالات الاستثمار ومعظم النشاط التجاري ، الأمر الذي أدى في ظل استشراء الفساد المالي والإداري وغياب عدالة النظام إلى السيطرة على الثروات الوطنية ، ليصبح المال العام تحت سيطرتهم . قال الله تعالى في سورة الحشر (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ) من الآية (7) . وبالتالي فالمنافقون في السلطة المسيطرون على القرار السياسي والاقتصادي ، ما هم إلا امتداد طبيعي للقتلة الاقتصاديين أرباب مؤسسات التمويل الدولية وأرباب الشركات المتعددة الجنسيات و.. و.. ، فهم الوجه الآخر للعدوان ، بل هم الأخطر (كونهم من ذات البنية المجتمعية وكانوا يحكمون باسم الدين الإسلامي) ، فجميعهم على خط ومسار واحد ، حيث كرسوا جهودهم لتحريف مسار الدين ولبقاء الدولة ضعيفة ، ولبقاء الشعب مقهوراً بسلبه ثرواته وإدخاله في أزمات اقتصادية متتالية ، ناهيك عن ممارسة النظام سياسة فرق تسد بين القبائل ، وتشجيع ودعم الثأرات بينها .
ومن هذا المنطلق ، كان (وما زال) تركيز مخططات الأعداء (بنو إسرائيل) بصفة خاصة على الشأن اليمني ، نظرا لمكانة ودور اليمن في التاريخ الإسلامي ولتمسك اليمنيين الشرفاء بالمنهج المحمدي الأصيل ودور رجاله المخلصين المقاتلين في سبيل الله واتباعهم أعلام الهدى . وهو الأمر الذي يفسر حقيقة الخوف الذريع للعدوان السعودي الأمريكي الإسرائيلي البريطاني من استقلال بلادنا والسير على ضوء المنهج الإسلامي ، فطابع الثورة السبتمبرية العظمى يعتمد على نهج العمل الثوري في ظل المسيرة القرآنية التي رسم طريقها روح الله الشهيد القائد / حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه ، والتي من أهدافها نشر الحرية والعدالة وتوجه شعوب المنطقة وأنظمتها إلى عمليات البناء الاقتصادي والتنموي وإلى التكامل الاقتصادي بين شعوب الأمة الإسلامية بما فيها الشعوب العربية وغيرها من الشعوب المناهضة للإمبريالية الأمريكية وعلى قاعدة التكافؤ والعدالة ودون الاستغلال والسيطرة على ثروات الشعوب العالمية .
إن الأوضاع : ضعف البنية الاقتصادية الموروثة من النظام السابق ، سيطرة الأعداء والمنافقين على الثروة الوطنية ، استشراء ظاهرة الفقر ، كانت من أهم الأسباب الرئيسية التي أدت إلى إعلان اليمن الاستقلال في القرار السياسي في 9/12/ 2014م بقيادة مولانا قائد الثورة السيد / عبدالملك بدر الدين الحوثي- نصره الله، وقد شكلت البنية الاقتصادية الضعيفة الموروثة من النظام السابق في ظل العدوان والحصار والحرب الاقتصادية شكلت الأساس في ارتفاع حدة الأزمة الاقتصادية والمالية إلى هذه المستويات التي يعيشها الشعب اليمني ، وشكلت السبب الرئيسي – إلى جانب استمرار سيطرة العدوان على عائدات صادرات النفط والغاز واستغلال المعادن وغيرها من العوامل – في تهاوي قيمة العملة الوطنية بشكل مطرد أمام العملات الأحنبية، ما يتوجب تعزيز الصمود والثبات والدفاع والوقوف في وجه العدوان الهمجي، وإعادة النظر في إلغاء ما يسمى بمبدأ الحرية الاقتصادية، واتباع الدولة مبدأ التوجه الاقتصادي الإسلامي (المتوازن) بحضورها الفاعل في المشروعات الاستراتيجية ومشاركة القطاع الخاص في البناء والتنمية بناء على الخطط الاستراتيجية والسياسات الاقتصادية والمالية المرسومة من الدولة ، والتركيز في ظل هذه الظروف على الانتاج الزراعي للوقوف أمام مخططات الحرب الاقتصادية.. والله ولي النصر والتوفيق .
نسأل الله أن ينصر إخواننا المجاهدين أبطال الجيش واللجان الشعبية والمقاومة الإسلامية في المنطقة على أعداء الإسلام والأوطان والإنسانية ، إنه سميع الدعاء .