عادل الجبوري
جملة قضايا وملفات متشابكة ومتداخلة تشغل المساحة الأوسع من اهتمامات النخب السياسية والمؤسسات الحكومية العليا، ووسائل الاعلام والرأي العام العراقي، من قبيل انهاء الوجود العسكري الأجنبي على الاراضي العراقية، واعادة اعمار المناطق المحررة من تنظيم “داعش” الارهابي، وآليات وسبل عودة النازحين الى مدنهم التي تركوها مرغمين لا مختارين، وتعزيز التعايش المجتمعي بين المكونات والشرائح الاجتماعية المختلفة، لا سيما في المدن والمناطق ذات التركيبة القومية والدينية والطائفية المتنوعة، والتي تعرضت للعدوان الداعشي.
لا شك أنه في كل القضايا والملفات المشار اليها وما يرتبط بها من عناوين فرعية، كان ـ وما يزال ـ اسم تنظيم “داعش” الارهابي حاضراً بقوة، وذلك لسبب بسيط ومنطقي، ألا وهو أن الجزء الأكبر من المشاكل والأزمات التي تعرض لها العراق، كانت جراء الارهاب التكفيري الاجرامي، الذي تمثل في بادئ الأمر بتنظيم “القاعدة”، ومن ثم بتنظيم “داعش”.
وفيما تتكرس الكثير من الجهود لطوي صفحة الارهاب الداعشي بالكامل بعد تحقيق الانتصار العسكري الكامل عليه في خريف عام 2017م، يبرز اتجاه مضاد يريد اعادة الأمور الى الوراء، وإن لم كذلك، فبأدنى تقدير، الابقاء على مظاهر الارتباك والقلق والاضطراب، كجزء من حال “اللا استقرار”، المطلوبة من أطراف دولية واقليمية بما ينسجم مع مصالحها وأجنداتها الخاصة.
ولعل طرح خيار تحويل الارهابيين الدواعش من سوريا الى العراق يندرج في جانب غير قليل منه ضمن هذا الاطار والمخطط، وهو ما ينبغي التنبه له، والتعاطي معه بحكمة وموضوعية وحزم.
ولأن القضية مهمة وحساسة وخطيرة، فإن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، تطرق اليها قبل ايام قلائل، ليوضح حقيقة الموقف الرسمي لحكومة بلاده من ذلك الامر، بقوله “إن العراق جاهز للمساعدة، إمّا بترحيل أولئك المعتقلين لبلادهم أو بمحاكمة المشتبه بارتكابهم جرائم، علماً أن هناك دولاً قد تطلب من العراق المساعدة في نقل بعض المواطنين المنتمين لـ”داعش” لبلد آخر، مثل فرنسا على سبيل المثال”.
وأوضح عبدالمهدي أيضاً أن “مقاتلي “داعش” الأجانب الذين ترفض دولهم تسلمهم، سيتم فحص أسمائهم، وما إذا كانوا قد شاركوا في أعمال إرهابية بالعراق، ومن ثم يمكن محاكمتهم أمام محاكم عراقية”.
وبعيداً عن تفاصيل وجزئيات وسياقات اعادة الارهابيين الدواعش الى العراق، فإنه يجب وضع تصنيف واضح ودقيق لهم حتى لا تكون هناك انعكاسات سلبية على الصعيد الأمني على العراق والمجتمع العراقي، واعطاء الاولوية للامن الوطني في اي ترتيبات واجراءات يتم اتخاذها بهذ الخصوص.
وكما اشار عبدالمهدي، الى ان هناك ارهابيين يحملون الجنسية العراقية، ممن جرى تسليمهم الى السلطات العراقية، أو سيصار الى تسليمهم لاحقا، وهؤلاء من الطبيعي ان يخضعوا لمحاكمات امام القضاء العراقي، وهذا أمر مهم للغاية، لأنه يمكن أن يساهم في تطويق الارهاب وتجفيف منابعه، ووضع اليد على عناصره المحركة والمخططة.
وهناك الارهابيون الذين يحملون جنسيات دول أخرى، وهؤلاء من المفترض أن يتم تحويلهم الى بلدانهم إذا لم يكونوا قد ارتكبوا جرائم في العراق، وفي حال رفضت بلدانهم تسلمهم، فيجب إما الامتناع عن استلامهم أو اعادتهم الى الجهة التي سلمتهم.
وعلى الحكومة العراقية مطالبة حكومات الدول التي ينتمي اليها الارهابيون، بتعويضات عما سببوه من أضرار مادية ونفسية بحق أبناء الشعب العراقي، مثلما يقوم العراق منذ أعوام طويلة بدفع تعويضات لدولة الكويت جراء ما خلفه غزو نظام صدام لها في عام 1990م، وحالات أخرى مماثلة، ربما حصلت خلال الحرب العالمية الثانية، وحروب وصراعات اقليمية لاحقة.
ومن غير المنطقي ولا المعقول، أن ترفض بعض الدول عودة الارهابيين الحاملين لجنسيتها إليها، وتريد رميهم وابعادهم الى دول أخرى، كالعراق، رغم ما اقترفوه من جرائم يندى لها الجبين.
ويشير القيادي في تحالف الاصلاح والبناء رائد فهمي الى أن “هناك تناقضاً لدى الدول الغربية بشكل عام من خلال مطالبتها بعدم استعادة أبناء بلدانها من الدواعش وموقفها هذا يدل على انها ترغب بمحاكمتهم في هذه البلدان، ومن ناحية أخرى عندما يحاكمون توضع الشروط لحمايتهم”.
ويوضح فهمي بأن “القانون العراقي ينطبق على الذين ارتكبوا جرائم في العراق وهناك ضوابط تحكم هذا الموضوع، وهناك مراقبون ولجنة حقوق الانسان في العراق”. مضيفا “ان الدول الغربية إذا كانت حريصة على محاكمة الارهابيين وفق الاصول فلتحاكمهم في المحاكم الدولية او في بلدانها، اما بشأن الارهابيين الذين ارتكبوا جرائم خارج العراق فعلى المجتمع الدولي ان يقوم بمسؤوليته بشأنهم”.
الى جانب ذلك، فإن جزءا من الجدل والسجال، يتمحور حول مصير عوائل الارهابيين الدواعش، وكيفية التعاطي معهم، ومخاطر الفكر الذي يحملونه ويتبنونه في حال تمت عملية اعادة دمجهم في المجتمع العراقي، وهذه قضية لا تنفصل بأي حال من الاحوال عن قضية ومصير الارهابيين انفسهم.
بيد أن الأخطر في كل ذلك الأمر، هو الدور الأمريكي في إعادة الدواعش الى العراق، من أجل اعادة انتاج الارهاب، وليس لانهائه والقضاء عليه، عبر اخضاع الارهابيين للقضاء لينالوا جزاءهم العادل.
تأتي هذه المعطيات والتحذيرات مع تقارير تداولتها وسائل اعلام امريكية وغربية، عن مخطط امريكي لاعادة انتاج “داعش” بعنوان واسم جديد هو “اشباح الصحراء”، واللافت أن كل ذلك تزامن مع عمليات تفجير ارهابية في مناطق من الانبار وكركوك والموصل، وعمليات اختطاف وقتل في مناطق صحراوية تابعة للانبار.
وفي ذلك يكشف الخبير العسكري السوري علي مقصود “انه ومنذ ثلاثة اسابيع تؤكد قوات التحالف الدولي أن تنظيم داعش الإرهابي بات محاصرا في منطقة لا تزيد مساحتها على نصف كيلومتر مربع وأن القضاء عليه بات وشيكاً، بيد ان المفاوضات الثلاثية التي دارت بين الولايات المتحدة الامريكية، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) من جهة وتنظيم داعش من جهة ثانية، أرادت منها واشنطن الإيحاء بتحقيق انتصار على تنظيم داعش، وفي نفس الوقت أرادت نقل إرهابيي داعش إلى العراق وأفغانستان لمحاصرة إيران بين فكي كماشة من خلال إعادة تدوير داعش وزجه بمعركة ضدها”.
ويضيف مقصود قائلا “ان الولايات المتحدة الامريكية بدأت بإظهار النشاط الداعشي في العراق عبر المقاتلين الإرهابيين الذين تمكنت من نقلهم، وبينهم مئات الإرهابيين الذين يحملون الجنسيات الأوروبية، من خلال عمليات التفجير التي نشطت مؤخرا على الأراضي العراقية، وان أحد أبرز أهداف هذا المخطط الأمريكي هو خلق الذرائع لبقاء القوات الأمريكية في العراق لمتابعة تنفيذ أجنداتها في المنطقة الإستراتيجية الممتدة على طول الحدود السورية ـ العراقية”.
وطبيعي ان الاهداف والدوافع الكامنة من خلق مظاهر الفوضى الامني والارتباك في المشهد العراقي مجددا، باتت واضحة، من حيث هوية الجهات التي تقف وراءها والآليات المتبعة، والادوات المستخدمة، لذلك فإنه ليس صعبا مواجهتها والتصدي لها واحباطها، لأن وجود “داعش” يعد بمنزلة قنابل موقوتة قابلة للتفجير في أي وقت وأي مكان، لا سيما إذا كان صاعق التفجير بيد واشنطن وحلفائها واتباعها في المنطقة.
* “العهد الاخباري”