الولايات المتحدة وحالة الطوارئ

 

عبد العزيز المقالح

كان عدد من المراقبين للوضع السياسي في الولايات المتحدة يتكهنون بعد انتخاب الرئيس رونالد ترامب أن فترة ولايته الأولى لن تنتهي إلاَّ وقد أعاد الدولة العظمى إلى ما قبل القرن السابع عشر، قرن تأسيس الدولة ودستورها. والآن يكاد ذلك التكهن يصدق من خلال نجاح ترامب في إعلان حالة الطوارئ تحت مبررات واهية، وفي خطوة غير مسبوقة في تاريخ هذه الدولة التي لم تكن تشبه بحال من الأحوال أوضاع شعوب العالم الثاني أو العالم الثالث، حيث تعتبر حالة الطوارئ من علاماتها المميزة.
وبعد هذه الاجراءات الرئاسية للبيت الأبيض لم تعد الشعوب المتخلفة هي التي تستخدم قانون الطوارئ بمناسبة وبلا مناسبة، وصار لها نموذج متقدم يقتدى به في هذا الفعل الاضطراري والمثير للتأمل والتفكير، وما يترتب عليه من تداعيات داخلية وخارجية، ومن شعور عام بحالة عدم استقرار في أوضاع ما كانت تسمي بزعيمة العالم الحر.
إن الجرأة التي يمتلكها الرئيس ترامب في اتخاذ القرارات المثيرة للدهشة والحيرة ستبقى مجالاً للتساؤلات والتكهنات، ويبدو أن الصحافة الأمريكية قد توقفت عن متابعة هذه الشؤون بعد أن أفرغت كل ما في عقول محرريها من غضب وانتقادات عاصفة. كما يبدو أن ترامب نجح في استعارة المقولة التي يلتزم بها حكام العالم الثالث، وهي “عليكم أن تقولوا ما تريدون، وعلينا أن نعمل ما نريد”، وذلك ليس أمراً مؤسفاً فحسب، بل يعد هدماً متعمداً للحرية، وتشويهاً للقيم الديمقراطية وآلياتها الفاعلة من خلال التجاهل الصارخ للانتقادات من ناحية، وعدم الاهتمام بما تطرحه من ملاحظات من ناحية ثانية، وهو ما كان يشكل جوهر الاختلاف بين العالمين المتقدم والمتخلف.
بعض المراقبين في الداخل الأمريكي وخارجه يرون أن الرئيس ترامب في غاية الذكاء وأنه يستغل حاجة العالم إلى الولايات المتحدة كدولة توازن كبرى، فيمضي في اجراءاته غير المعقولة بإصرار الذي لا يخاف من عاقبة ما يصنع، وهو مسلك يتجلى أولاً من موقفه تجاه الدول الأوروبية التي شكلت على مدى أكثر من قرن حليفاً موثوقا به للولايات المتحدة، ومازالت حتى هذه اللحظة، ويتجلى ثانياً في مواقفه من الدول الأخرى في آسيا وأفريقيا. وهناك من يرى أن التراكمات ستؤدي حتماً إلى تغيير سلبي قادم في العلاقات الدولية تكون الخسارة فيها من نصيب الولايات المتحدة التي ستكتشف يوماً أنها بلا أصدقاء، بما في ذلك هؤلاء الذين يظهرون الآن أنهم أصدقاء وليس ذلك إلاَّ في الظاهر فقط.
وبالمقابل فإن هناك الكثير من الكتاب المراقبين في الداخل الأمريكي وخارجه من يرون عكس ذلك ويعتقدون أن الاجراءات التي يتخذها الرئيس ترامب تخلو من أبسط مقومات الذكاء، فالقيادة السياسية الذكية لا تقوم على المغامرات والقبول بالنجاح المؤقت والصغير مقابل النجاح الدائم والأكبر، وهذا ما أسفرت عنه أكثر الاجراءات التي اتخذها ترامب سواء على المستوى المحلي أو الخارجي، ومن ذلك إعلان حالة الطوارئ الذي أحدث ردود أفعال ساخرة في جميع أنحاء العالم، وفتح الباب لتكهنات حول مستقبل الدولة الكبرى، وما ينتظرها تحت حكم رئيس لا يفكر في المخاطر ولا يتردد في أن يضرب بمواد الدستور عرض الحائط. والجدير بالإشارة أن إعلان حالة الطوارئ التي أثارت-كما سبقت الإشارة- ردود أفعال عالمية لم تترك أي تأثير يذكر لدى الشعب الأمريكي الذي يشغله موضوع واحد هو الاقتصاد، وما تعانيه المؤسسات الاقتصادية من تدهور متلاحق، وما تثيره المنافسة الصينية من قلق يتزايد يوماً بعد يوم.

قد يعجبك ايضا