الفن.. أقوى أسلحة الحرب الناعمة
نبيل القانص
لم يكن اغتيال المخرج العالمي السوري مصطفى العقاد (مخرج فِلم الرسالة) إلا دليلاً على أن أعماله السينمائية قامت بتوصيل الكثير من الحقائق إلى الشعوب بشكل فني بديع وسلس استطاع به أن يُقْنِعَ كل من تقززوا ونفروا من دعاة الصراخ الممقوت واللغة المتنطعة واللحى البشعة، فكان إنجاز العقاد هو الأعظم بعمله الفني التاريخي الجبار فِلم (الرسالة) الذي يحكي جوانبا من سيرة الإسلام و حياة الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، لأنه بهذا العمل أوصل لكل الشعوب في كل القارات رسالة جلية ومعلومة تاريخية حقيقية وواضحة عن تاريخ الإسلام وماهيته وعن النبي الأعظم وخُلُقه وعظمته وإنسانيته وحنكته وعدله، أوضح ما كان غائبا بسبب كل من شوه الدين وزيف التاريخ، لهذا قام أعداء الحق والسلام والحرية بقتلِ العقّاد.
سأتحدث عن مثال آخر يجسد قوة سلاح الفن الذي أعتبره أقوى أسلحة الحرب الناعمة، الكل سمع أغنية (حاميها حراميها) للمطربة التونسية ذكرى، والتي كانت موجعة للغاية للظالم وسببا كافيا لاغتيالها وتلفيق الفضائح لها حتى بعد موتها.
ولا أنسى الفنون البصرية خصوصا فن الكاريكاتير، فحين أتحدث عن الكاريكاتير المقاوم، يحضر اسم الفنان الرسام الفلسطيني ناجي العلي الذي انتقد برسوماته الكاريكاتيرية المحتل الصهيوني وأمريكا والنظام السعودي، فكانت أفكاره ورسومه هي السبب الذي حكم على العظيم ناجي العلي بأن يرتقي شهيدا وتخلد روحه ورسوماته إلى اليوم وإلى الأبد.
وللمخرج السوري إسماعيل نجدت أنزور بصمته الفنية العبقرية والمقاومَة لحلف الاستكبار العالمي ولهمجية ملوك الصحراء، فهو من جعل آل سعود يدفعون مئات الملايين من الدولارات لشركة يوتيوب كي تَحذفَ وترفض تنزيل فِلم أنزور السينمائي (مَلِكُ الرّمال) الذي يحكي سيرة القتل والإجرام لعبدالعزيز آل سعود وما ارتكب من جرائم بحق قبائل شعب الجزيرة العربية وكيف تحالف مع البريطانيين، ما جعل ذلك العمل الفني كابوسا قاتلا يؤرق منامات أبناء وذرية عبدالعزيز بن سعود، وما هذه إلا أمثلة حقيقية وتاريخية تترجم جدوى وأهمية الفن والسينما التي لم يفكر بها أحد من أصحاب القرار في بلادنا في هذه الفترة التي نواجه فيها غطرسة أمريكا وبعران الخليج وصمت المجتمع الدولي.
تحتاج قضيتنا بشكل مُلِحٍ إلى الفن الذي بدوره سيخدمها ويوصلها إلى كافة الشعوب، ولابد من أن نهتم به ونتجه إلى الشعوب في أوروبا وآسيا وأمريكا -بمحيطها الأوسع- بأعمال فنية بسيطة وبالمُتاح، فمعاناة الشعب اليمني وتنوعها طيلة أربعة أعوام من العدوان السعودي الأمريكي تشكل مادة غنية قابلة لقولبة أبسط التفاصيل في أعمال فنية متنوعة تتبنى قضايا الإنسان اليمني وتوصلها بشكل أوسع وأسرع لكل العالم، وبطريقة العرض لا التوجيه، أما قصص وبطولات الرجال في الجبهات فهي المادة الفنية الأكثر إبهارا وروعة وخروجا عن سيناريوهات منطق الحروب.
سنعي جيدا إذا ما تأملنا بأنّ فن السينما مثلا هو الأسرع والأوسع والأمتع في توصيل القضايا إلى العالم، إلى الشعوب وإلى القلوب، ونشر ثقافات الأمم وخدمة سياساتها وأيدولوجياتها وأهدافها، فالفكرة بهذه الوسيلة تصل إلى أكبر عدد من الناس.
وأمام قضيتنا وما يتعرض له شعبنا ووطننا من عدوان سعودي أمريكي، رأينا كيف كان للفن وجود جزئي أضاف صمودا إلى الصمود، فالزاملُ مثلا والنشيد والاشتغالات الأوسع كالأوبريتات الغنائية شكلت جبهة فنية قوية في وجه العدوان والغزو، فاضحةً الكثير من جرائمهم وهزائمهم التي يحاول إعلام المعتدين وأموالهم طمسها، فضلا عن تأثيرها الملموس ورفعها للمعنويات بما تتضمنه من رسالة دينية وإنسانية ووطنية مؤثرة ومثمرة.
الصورة والمقالة والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والتقارير الإخبارية التلفزيونية، كلها تتحدث وتَفضحُ وتوثق، لكنها لا توصل ما تريد أن توصله بنفس كفاءة وجذب العمل الفني، ليس ذلك للتقليل من أهمية دورها، فقد رأينا كيف أن حملات التويتر والهاشتاقات المُواجِهة للعدوان تلعب دورا أكبر من الوسائل الاعلامية والصحفية بالنسبة لتوصيل مأساة الشعب اليمني وإجرام حلف المعتدين إلى كافة شعوب الأرض، فما بالنا بالعمل الفني الذي سيستفيد من منصات التواصل الاجتماعي في الوصول والانتشار والتأثير.
نعرف جميعا أن أمريكا وأوروبا والصين والهند وتركيا وإيران وكوريا الجنوبية وحتى مِصر -على المستوى العربي- وغيرها من الدول المنتجة للسينما، توظف السينما كسلاح وحرب ناعمة لخدمة ما تشاء إما الشعوب أو الجيوش والحروب أو السياسات أو نشر الثقافات………، ومثال على ذلك دعم “البنتاجون” الأمريكي لـ”هوليوود” التي بدورها تقوم بتزييف الحقائق لمصلحة مؤسسات الإرهاب الصهيوأمريكية بواسطة أفلام سينمائية تمرر السياسة وتنشر الثقافة التي تريد وتؤثر في شعوب الأرض بما فيها من حبكات وجذب وإبهار واهتمام بعلم النفس وتشكيل الوعي المراد تشكيله.
لو بدأنا بتفعيل خيار استراتيجي جديد وهو اشتغال وصناعة أفلام سينمائية تمثيلية قصيرة، تحكي الواقع وتتبنى القضايا بكل نواحيها وجوانبها، وعملنا بأبسط الوسائل المتاحة والممكنة وباستيفاء لشروط المهرجانات السينمائية العالمية بحيث تتم المشاركة بها في تلك المهرجانات ومجرد المشاركة تكفي لعرضها بشكل مستمر في عدة مدن.
لن نحتاجُ هنا إلى كاميرات سينمائية .. هناك كاميرات احترافية تفي بالغرض، وهناك برامج مونتاج تحول الصورة إلى صورة سينمائية، نحتاج فقط إلى سيناريوهات ذكية وجذابة تتبنى القضية وتعرضها بقالبٍ درامي تمثيلي وصورة سينمائية تؤهل الأعمال لأن تكون مُنافِسة، نحتاجُ أيضا إلى وعي بدور الفن وفاعليته وتأثيره، ، كما نحتاجُ إلى لجنة فنية من الكفاءات للبدء بالعمل المنظم والاستفادة من خبرات ومهارات وإبداعات الشباب في كل المجالات، فالكل متحمس ومستعد بكل إمكاناته وطاقاته الإبداعية لخدمة الوطن.