التفاوض !!.. وخيار الصمود
أحمد يحيى الديلمي
في ضوء المواقف الصادرة عن مسؤولي البيت الأبيض الأمريكي وعلى وجه الخصوص وزيري الدفاع والخارجية الأمريكيين ، تتضح أبعاد الأجواء السرابية وخيبات الأمل التي ستحبط أي جولة تفاوضية لمزعوم السلام في اليمن ، ذلك أن تصريحات الوزيرين ماتيس وبومبيو اتسمت بالتناقض والانحياز الفاضح للتحالف الذي تقوده السعودية على اليمن بكل ما اقترفه من جرائم غاية في البشاعة تجاوزت التوصيف الدولي لجرائم الحرب والإبادة الشاملة ، مع ذلك يصر المسؤولون في أمريكا على استمرار هذه الحرب الظالمة للتأكيد على أن مصدر قرار العدوان وصاحب اليد الطولى فيه لم يستنفد الأغراض التي من أجلها خطط للعدوان ، ودفع بأدواته في المنطقة إلى شن الحرب الهمجية على اليمن وأبنائه الطيبين ، الذين لا ذنب لهم سوى أنهم متشبثون بالذاكرة والهوية الوطنية والحرص على استقلالية القرار والحفاظ على السيادة الوطنية ومناصرة قضايا الأمة وفي المقدمة قضية الشعب العربي الفلسطيني وحقه المشروع في إقامة دولته المستقلة والحفاظ على مقدساته وأهمها القدس ، وهذه هي الجريمة التي استحقوا من أجلها العدوان ، مع أنها تمثل أهم موروث ديني وحضاري لكل العرب والمسلمين ، فهل التمسك بهذه الثوابت جُرم يوجب كل هذا العقاب الجنوني المخالف لأبسط القيم والمبادئ الإنسانية والقوانين الدولية؟!!.
لا نقول هذا الكلام من باب التشاؤم وإحباط الهمم لكنه استنباط لماهية مواقف الأمريكان بدءاً بتصريحات ماتيس وبمبيو التي كانت قد أكدت على ضرورة إيقاف الحرب خلال ثلاثين يوماً وبعثت حالات استبشار لدى أبناء اليمن المكلومين البسطاء الذين اعتبروه صحوة ضمير مباغته وامتدت حالة الاستبشار إلى المبعوث الأممي وإلى الأصدقاء في السويد الذين يتصرفون على نحو إنساني يرفض استمرار العدوان والحصار الاقتصادي الجائر ، وتم التحرك لإجراء جولة جديدة من المفاوضات إلا أن الشيء المؤسف أن حالة الإحباط جاءت على لسان نفس الشخصين في معرض محاولة إضعاف الحراك في مجلس الشيوخ الأمريكي ، لغة الرد والتبرير أوجبت المجاهرة بالفاحشة والتأكيد على أن استمرار العدوان على اليمن ومساهمة أمريكا بشكل مباشر فيه مصلحة أمريكية بمزعوم الحد من التوسع الإيراني وعدم السماح بوجود حزب الله جنوب السعودية .
إنها بالفعل مواقف ساذجة ومحاولة مساومة وابتزاز تثير السخرية وتدل على الهمجية والغطرسة الأمريكية وسيكون لها تأثيرات كبيرة على أي مفاوضات وهذا مبعث عدم التفاؤل ، الإشكالية أن الوفد الوطني تعرض لممارسات شيطانية شاذة في الجولات السابقة وأخرها جولة جنيف التي لم تنعقد بسبب عدم توفر ضمانات ذهاب الوفد الوطني وعودته ، مع ذلك حاولت ماكنة الإعلام المأجورة قلب الحقيقة وإلقاء اللوم على الوفد الوطني ، إلا أنه لم يفلح بفعل الانقلاب التاريخي في مفاهيم الناس نتيجة عدم المصداقية وما مارسته هذه الماكنة من تضليل وتزييف للحقائق ، ومن ثم فإننا لا نعلق آمالا كبيرة على أي جولات تفاوض مهما كانت نوايا المنظمين والمضيفين حسنه ، فإن إصرار أمريكا المسبق على شيطنة النتائج كفيل بإسقاط أي نوايا حسنة ، وهو ما يجعلنا في اليمن نراهن على الصمود الأسطوري للأبطال رجال الرجال في كل جبهات القتال ، وهذا هو الخيار وموضع الرهان الذي لا ثاني له ، مع بقاء الأمل بأن تكون الدعوات إلى السلام صادقة والمساعي جادة وليست مجرد حالة لامتصاص الغضب المتصاعد في الغرب ضد استمرار العدوان .. والله من وراء القصد ..