الازدواجية في غايات زيارة بن سلمان
ابو رضا صالح
الزيارة الخارجية الأولى لابن سلمان بعد جريمة قتل خاشقجي بدأت من الامارات ومن المفترض أن تنتهي في الارجنتين. عدم الاعلان عن المحطات التالية للزيارة إلا قبل يوم واحد من التوجه اليها يحمل في طياته مؤشرات خاصة .
ابن سلمان بدأ جولته يوم الخميس من الامارات في حين أن الانباء وحتى اللحظة الاخيرة كانت متضاربة حول القيام بها ، كما انه على صعيد تعريف المحطات التالية للجولة تم الاستفادة من عبارات مثل يتوقع أن تكون المحطة التالية هي البلد الفلاني . والآن وصل ابن سلمان الى مصر بعد زيارته الإمارات والبحرين. الى هنا لم يواجه ابن سلمان أي مشكلة لأنه زار ثلاث دول من حلفائه ، تلك الدول التي لا تختلف عن السعودية من حيث الرقابة الاستبدادية المفروضة على وسائل الاعلام وبالتالي على الرأي العام .
الجولة الجديدة من زيارات ابن سلمان بعد مقتل خاشقجي والتي يتهمه غالبية الرأي العام بالمسؤولية المباشرة فيها، بدأت في حين ان غالبية المحللين والعارفين بالشأن السعودي يعتقدون بأن ابن سلمان والنظام السلماني كان سيكون في خبر كان لو لا دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب له وان انهيار النظام السعودي كان حتميا. في مثل هذه الظروف يسعى ابن سلمان من خلال زياراته هذه توجيه رسالة مفادها ان استقرار النظام السعودي لم يتزعزع بسبب حادثة خاشقجي، ولذلك فان بامكان ولي العهد السفر الى خارج البلاد بارتياح دون ان ينتابه أي قلق. المزج بين منطقي الخليج الفارسي ( البلدين الحليفين أي الإمارات والبحرين) مع دول مصر وتونسي والجزائر وأحيانا موريتانيا باعتبارها المحطات الأخرى لزيارة ابن سلمان، يهدف الى الايحاء بأن السعودية وبعد مقتل خاشقجي ليست منعزلة وان مكانتها لم تتزعزع . وعلى هذا الأساس واستمرارا لهذا الهدف لا يستبعد المحللون بأن يبذل ابن سلمان جهودا حثيثة للقاء المسؤولين الاتراك على هامش قمة “جي 20 ” المقررة في الارجنتين، ليضرب عصفورين ين بحجر واحد، تبرئة نفسه من جريمة قتل خاشقجي واثارة سخط استياء قطر .
ويرى بعض المحللين الآخرين بأن مستشاري ابن سلمان وفي هذه الفترة الحرجة وبعد حادثة قتل خاشقجي، لم يحسنوا تقديم المشورة اليه ما جعله يتمادى في تشويه مصداقيته. وكدليل على ذلك يقول المحللون، “وإن تم استقبال ابن سلمان من قبل مسؤولي هذه البلدان ولكن ردود فعل الرأي العام حيال الزيارة – على سبيل المثال ما حدث في تونس حيث تم وصفه بـ”ابو منشار” – شوهت صورة ابن سلمان اكثر من السابق. أما بعض المحللين الآخرين يرون أن مجرد خروج ولي العهد من البلاد في الظروف التي تلت جريمة القتل والتوجه الى الدول الحليفة وغير الحليفة، حتى وان كان قد تم رغما عنهم وبطلب من السعودية، إلا انها خطوة مناسبة لنسيان الدور الذي اضطلع به ابن سلمان في جريمة قتل خاشقجي والتستر عليه.
الى جانب ما قيل، يبدو أن ابن سلمان ينوي تحقيق هدف اكبر من هذه الزيارة، التمهيد لـ”صفقة ترامب” تلك المهمة التي اوكلها اليه الرئيس الامريكي. السعودية وإن كانت لا تستطيع حاليا استقبال رئيس وزراء كيان الاحتلال في الرياض ولكنها بلا شك يمكنها ان تشجع حلفاءها على القيام بهذا الأمر، وانطلاقا من ذلك تمهد الارضية لتحقيق اوامر ترامب القاضية بالتطبيع مع الكيان الاسرائيلي. هذه الخطوة تم الاعلان عنها رسميا من خلال تقديم البحرين ( وبعدها عمان ) على انها المحطة التالية لزيارة نتنياهو، وطبعا تسريب خبر تواجد وزير اقتصد الكيان الصهيوني في البحرين جعل من هذه الزيارة امرا محتوما.
أما في دول شمال افريقيا، حيث يتبين من ردود أفعال الرأي العام، يبدو أن المهمة ستكون اصعب ولذلك يحاول ابن سلمان التكتم على محطات زيارته التالية للتقليل من ردود أفعال الراي العام . ابن سلمان الزم نفسه بزيارة تونس ، ذلك البلد الذي ينشط فيه حزب النهضة وجماعة الاخوان على نطاق واسع، وسمتها البارزة انها من ألد أعداء السعودية السلفية. ولو اضفنا الى ما سبق الجزائر التي لم تنضوي في أي حلف اقليمي سعودي، لادركنا لماذا تم اختيار هذه الدول كمحطات تالية لزيارة ولي العهد وما هي الاهداف التي يتوخاها ابن سلمان من هذه الزيارات؟ .
الى هنا فان الزيارة مرت بسلام لابن سلمان، ومخرجاتها كانت الصور والسيلفيات والافلام التي توصف بـ”مراسم الاستقبال” و اقرأها ( المجون والاستمتاع ) ، اما ما سيواجهه ولي العهد الغر في محطات زيارته التالية فهذا ما يجب ان ننتظر ونراه، رغم ان المهمة الجديدة التي وضعها ترامب على عاتق ابن سلمان تسهل الامور لولي العهد السعودي الذي خرج لتوه من خطر الانهيار مهما كانت الظروف.*«العالم»