ماذا بقي من ثورة اكتوبر؟!!
عبدالله الاحمدي
بعد حرب شعبية وكفاح مسلح خاضه شعبنا اليمني في جنوب الوطن تحقق الاستقلال الوطني الناجز، ورحل آخر جندي بريطاني من على التراب اليمني في الثلاثين من نوفمبر 1967 م ورفع علم الاستقلال خفاقا في سماء الجنوب المتحرر. كان فضل فصائل التحرير عظيما في توحيد 23 مشيخة وأمارة وسلطنة في دولة واحدة، وعلى رأس هذه الفصائل الجبهة القومية قائدة الثورة المسلحة. برزت الرجعية السعودية منذ الوهلة الأولى للاستقلال متربصة بالنظام الجديد، بل ومعادية له من خلال احتضان أعداء الثورة ومدهم بوسائل الدمار والتخريب، بل وقامت القوات السعودية بتسجيل أول اعتداء على الجمهورية الوليدة من خلال احتلال منطقة الوديعة والزحف باتجاه عمق محافظة حضرموت.
نعم كان لدينا في الجنوب ثورة ودولة، وتجربة نفاخر بها العالم. واليوم لا ثورة، ولا دولة، ولا تجربة، ولا حرية ولا استقلال ولا سيادة.
عاد الاستعمار بمشالح قذرة، وبأخلاق بدوية نتنة. عاد يحتل الجنوب من شرقه الى غربه بهذه الأدوات. يغتصب الأرض والعرض، وينهب الثروات وينتهك الكرامة. كانت حرب 94 نكبة على الجنوب وعلى اليمن عامة، تم فيها الانقلاب على المشروع الوحدوي وتدمير كل شيء على ارض الجنوب، ونهب ما بقي عن الدمار، واستجلاب وتوطين الإرهاب، وضرب الثقافة والتاريخ الوطني والثوري والتقاليد الكفاحية لتجربة الحركة الوطنية في الجنوب، بل ان مكاسب العمال والفلاحين والطلاب والصيادين والمرأة وعموم الشعب تم الاجهاز عليها وعادت البلاد إلى حكم السلاطين والمشايخ أعداء الثورة، الذين وفرتهم الرجعية السعودية كطابور خامس لغزو اليمن من جديد.
لم يكتف الاحتلال السعو/ حماراتي باحتلال الجنوب ونهب ثرواته، بل تعدى ذلك إلى تحويل الكثير من ابنائه إلى مرتزقة يحارب بهم إخوانهم في الشمال، ويحمي بهم حدوده الهشة.
قبل وحدة 22 مايو 90 كانت التجربة في الجنوب قد تعرضت لمؤامرة قذرة، تم الإجهاز فيها على الكثير من مناضلي الثورة، وعلى رأسهم الصف الأول من قادة الدولة والحزب، وتم تصفية الالاف من الكوادر بطريقة بشعة، برز فيها الجانب المناطقي واضحا. وكان على رأس القتلة الخائن الفأر عبدربه منصور هادي الذي لازال يلغ في دماء اليمنيين.
هذه المؤامرة عرفت بمذبحة 13 يناير 86 والتي كان للرجعية السعودية وحكم الوصاية في الشمال يد طولى فيها. بعد كارثة 13 يناير صعد الى قمة هرم الدولة والحزب شخصيات هشة غير مجربة، سلمت اليمن الديمقراطية لعصابات السعودية في صنعاء، كما سلمت الحزب لاعدائه في ما بعد بما سمي باللقاء المشترك، وها هو الحزب يتجرع مرارة هذه السياسات الخاطئة للقيادات الانتهازية.
نعم تأتي الذكزى الـ 55 لثورة أكتوبر والغصص تعصر قلوبنا، والعدوان يحاصرنا بالقتل والتجويع، ويعبث بمنجزات وثروات بلادنا، ويعربد بأجوائنا، ويستهتر بكرامتنا، ويرتكب ابشع الجرائم بحق أهلنا في كل مكان على ارض اليمن.
لقد حول الاحتلال الجنوب إلى سجن كبير ينتهك فيه أعراض الرجال قبل النساء، فهناك 230 سجنا ومركز احتجاز قام المحتل الحماراتي وعملاؤه باستحداثها لقهر اليمنيين واضطهادهم وإذلالهم وكسر إرادتهم.
لقد تعرضت تجربة الثورة في الجنوب للمحو والتجريف، وقامت قوى التخلف والإرهاب بضرب كل ما يمت للوطنية بصلة، وحارب الاحتلال كل القيم الوطنية والإسلامية ووصل الأمر إلى قتل ائمة وخطباء المساجد، وسحل كل من يعارض الاحتلال.
حكم الوصاية الإخواني العفاشي اوجد أوضاعا مهدت لقبول الاحتلال والتعاون معه، بل وصل الأمر ببعض الجماعات والوجاهات إلى إنكار يمنية الجنوب، وإنكار أي علاقة له باليمن، وحملوا الثورة والثوار مسؤولية ما حدث للجنوب من كوارث.
هنا تبرز تداعيات الوعي الزائف والمدمر الذي غرسته قوى التخلف والإرهاب التي سيطرت على الجنوب بعد حرب 94 القذرة.
لقد كان هم هذه العصابة وفي الطليعة منها الجماعات المتأسلمة كيف تنهب وتسرق وتدمر. لقد دمروا كل قيم الدولة والنظام والقانون الذي كان سائدا في الجنوب، وأبدلوا كل ذلك بالفوضى والاستهتار، والقبح والتخلف، والتنكر لكل ما هو وطني.
اليوم يرزح الجنوب تحت الاحتلال البدوي لدول ليس لها تاريخ، كل ما تملكه هو المال والهمجية. ولإنقاذ الجنوب من هذه الأوضاع لابد من رص الصفوف واستنهاض قيم التحرر والاستقلال والسيادة لقلب الطاولة على الاحتلال البدوي وإخراجه مذموما مدحورا.
إننا في هذه الذكرى الغالية والوجود المؤلم للاحتلال نتذكر شهداءنا الميامين الذين بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل انتصار قيم الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية.
نتذكر لبوزة ومدرم وسالمين وفتاح وعنتر وصفا طويلا من الشهداء الاماجد الذين عطروا تراب الوطن بدمائهم الزكية، وفي نفس الوقت ندعو الأجيال، ومن بقي من الثوار وأبناء الثوار إلى رص الصفوف والثورة في وجه الاحتلال لاستعادة الكرامة المصادرة.
وللحقيقة والتاريخ فإنه لم يبق من ثورة أكتوبر إلا الحسرة والتألم على ما يجري في الجنوب من عبث بأقدار الماضي والحاضر، حتى مقابر الشهداء والمناضلين تم محوها والاستيلاء عليها، وسرقة رفات الشهداء من المراقد.
الوضع صعب، لكنه ليس عصيا على التغيير، فاليمنيون عبر التاريخ اثبتوا انهم لا ينكسرون، والثورة قادمة لا محالة، وقد بدأت تباشيرها.