وفيق إبراهيم
هذه الساعة اليمنية ليست بحساب الدقائق بقدر ما تُجسّدُ بدء العد العكسي لتراجع الهجوم السعودي الإماراتي الذي يستهدف اليمن منذ ثلاث سنوات ونصف السنة بأعنف آلة حربية قتلت البشر والشجر ودمرت حجر الحضارة بتغطية غربية عربية وإسرائيلية.
إنه خليج النفط الذي تمكن من أخذ الموافقة الأميركية على الهجوم والأوروبية بالاستتباع وما تبقى من أعضاء مجلس أمن. فبالتعاون الاقتصادي الذي أرغمهم على الصمت كأهل الكهف لا يرون مشروع «إبادة» بلدٍ بكامله. إنما كيف تبدو مظاهر هذا العدّ العكسي للهزيمة ولا تزال القوات السعودية والإماراتية الغازية تحتل ثلاثة أرباع اليمن وتوقع القتلى بالغارات العمياء والقصف العشوائي، والإجابة المنطقية حاضرة فمتى كانت نتائج الحروب تُقاسُ بعديد قتلاها وليس بما حققته من نتائج. هناك أربع نتائج متلاحمة تدفع إلى الاعتقاد بأن أزمة آل سعود اليمنية أصبحت عميقة وبنيوية وأولها: نجاح أنصار الله وحلفائهم في صدّ معظم الهجمات وتوسيع الحرب إلى خارج اليمن لتشمل مناطق في السعودية والإمارات تعتبر عصب الالتقاء بين الاقتصاد الغربي العامل هناك والاقتصادات الداخلية لبلدَيْ العدوان، فعندما يستشعر الغربيون العاملون في السعودية والإمارات والبحرين خطر فعليا على حياتهم واستثماراتهم فلن يتأخروا في الرحيل بما يؤدي إلى التسبب بانهيار في علاقات اقتصادية تقوم على نهب شبه جزيرة العرب بالتعاون بين الغرب والعائلات المحلية الحاكمة. كما أن قاعدة الانطلاق الأساسية للدفاع عن اليمن في مناطقه الجبلية في الشمال لا تزال منيعة تواصل تزويد كل الجبهات بالبشر وصبر المجاهدين الشجعان وما معركة الساحل الغربي وأعالي صعدة وبقية الجبهات إلا عيّنات عن عجز سعودي إماراتي يستعملُ عيوناً فضائية أميركية وإسرائيلية ولديه حساب أسلحة مفتوح ويتشارك مع «إسرائيل» ودول عربية وأوروبية في الحصار البحري حول اليمن، ولا ينتج شيئاً. اذهبوا إلى سواحل جيبوتي والصومال وأريتريا حيث القواعد الإسرائيلية والأميركية والإماراتية تواصل مراقبة الممرات البحرية من دون كبير فائدة فهؤلاء اليمانية أهل البحر والجبل ينفُذُون من دون أن يراهم أحد، فهذا بحرهم وذاك جبلهم وهم خبراء بمسالكهما. ثانياً: تخسر السعودية والإمارات في كل «دقيقة عدوان» حجة دعم وإسناد كاننا تتذرّعان بهما لتأمين تغطية داخلية لغزوهما الدموي فتزعمان أن عبد ربه منصور هادي لا يزال رئيساً شرعياً وأن المناطق الجنوبية موالية لهما بدليل أنها لم تحاربهما وتواليهما. ويتبين بالملموس أن هادي استقال من منصبه الرئاسي قبل أن يفرّ من مركزه الرئاسي في صنعاء تحت جنح الظلام بلبوس امرأة منقبة إلى السعودية. وبعد ثلاث سنوات ونصف السنة على الانتشار السعودي – الإماراتي في نحو 75% من أراضي اليمن ومعظمها جنوبية اندلع نوعان من الصراع الدموي: الأول صراع بين حليفي العدوان السعودي والإماراتي وأنصارهما في القوى اليمنية الجنوبية على مَن يستأثر أكثر بالمناطق الساحلية المطلة على بحار الخليج وعدن والأحمر وحول المناطق الاستراتيجية التي تربط السعودية باليمن أو تلك التي تريد الإمارات بناء مرافئ استراتيجية فيها للربط بين دبي وأبو ظبي والعالم، كما تنشب يومياً صراعات للسيطرة على المناطق اليمنية الواعدة بالنفط الغزير والغاز والممكن تحويلها مواقع جذب سياحية واقتصادية، إلا أن هناك جانباً أكثر خطورة يتعلق بحركة احتجاجات يمنية ضخمة تتواصل في الجنوب بشعارات تصرّ على طرد من تسمّيهم بالاحتلالين السعودي الإماراتي وهي احتجاجات شعبية عارمة يقودها حراك جنوبي رفع أخيراً وبشكل كامل غطاءه الداخلي عن العدوان السعودي الإماراتي، مطالباً بطردهما من أراضيه نهائياً، وهذا مؤشر إلى بدء انتفاضة جنوبية تترقب حركة تسليح وتنظيم لإيقاع هزيمة كاملة بالمعتدين الاثنين وتغطياتهما الإقليمية والدولية. لقد توصل قادة هذا الحراك إلى أن خلافاتهم السياسية مع إخوانهم في القوى الشمالية يجب أن لا تكون سبباً لفتح حدود بلادهم أمام المحتلين الطامعين بثرواتهم وأراضيهم، فاعتبروا أن الإقفال المؤقت لملف النزاع الداخلي ضروري في سبيل رد العدوان الخارجي على أن تعاود مسألة التفاوض الداخلي بعد صد العدوان وطرده على عقبيه. وهذا منطق وطني سليم، يربط النزاع الداخلي متفرغاً لمقاومة الاحتلال. بذلك يكون اليمن بكامل أجنحته خارج الوصايات ما ينزعُ التغطية الداخلية اليمنية بشكل كامل عن الحلف السعودي الإماراتي، باعتبار أن منصور هادي وباعتراف يمني وعربي ودولي لا يسيطر حتى على الكرسي الذي يجلس عليه في مراكز السعوديين في الرياض حيث يقيم. وهكذا يتبين أن العدوان السعودي الإماراتي أصبح بلا سند يمني يتسربل به في أي من المناطق الداخلية المحتلة. فخسر الغطاء الداخلي كلياً دافعاً بالمؤسسات المدنية والدولية إلى كشف التضليل الإعلامي الذي تمارسه الشبكات الإعلامية الخليجية والدولية ونفاقها في إظهار وتعميم شرعية قانونية وسياسية مفبركة للهجوم على اليمن، أما مسألة التغطية من مجلس الأمن الدولي، فالجميع يعرف أن التأييد الأميركي الفرنسي البريطاني مسألة طبيعية، لأن هذه الدول هي التي تؤيد الهجوم السعودي لأسباب اقتصادية واستراتيجية، أما روسيا والصين فامتنعتا عن التصويت لحاجاتهما إلى علاقات اقتصادية عميقة بالطرفين السعودي والإماراتي. وهكذا فضحت المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان الأساليب المفبركة للعدوان وتشنّ هجوماً إعلامياً إنسانياً على الهمجية السعودية التي تقتل الأطفال والنساء والعجائز منذ سنوات ثلاث وتتهم أنصار الله بقتلهم. وهذا ما دفع بكندا والولايات المتحدة الأميركية نفسها وبريطانيا وفرنسا الى إدانة قتل المدنيين والتهديد بوقف بيع الأسلحة والذخائر فيما أوقفت إسبانيا نهائياً صفقة أسلحة لمصلحة السعودية. هنا أول غيث تراجع الدور السعودي العالمي وقوة الإقناع لديه المستندة على الرشى الاقتصادية، هناك إدانات واضحة وجد الإعلام المتواطئ نفسه مضطراً إلى عرضها ولم يعد بإمكان الأمم المتحدة تجاهلها كما كانت تفعل قبل أشهر. ألا يشكل هذا «التملص» الغربي التدريجي من «أبوة» حرب اليمن إقراراً بالمراوحة السعودية الإماراتية عسكرياً أي بدء التراجع وصولاً إلى الهزيمة الكاملة. فهناك شمال ووسط يقاوم بالسلاح الى جانب جنوب منتفض سياسياً ويستعد للتشكل عسكرياً ما يعني أن الخسارة السعودية في اليمن لم تعد بعيدة. يكفي أن الأمم المتحدة اعترفت بأنصار الله فريقاً سياسياً يستحق التفاوض معه لحل الأزمة، وذلك بعد رفض سعودي إماراتي للتفاوض معه بذريعة أنه إيراني مجوسي. وعلى الرغم من منع السعوديين لوفد أنصار الله من الانتقال إلى الأمم المتحدة لبدء المفاوضات المغطاة دولياً، فهناك اتجاه إلى تشكيل وفد جنوبي يشارك إلى جانب أنصار الله في مفاوضات لسحب المحتلين السعودي والإماراتي. يتبين بالاستنتاج أن العدوان السعودي يتراجع عسكرياً فاقداً تغطيته الداخلية ومكشوفاً أمام الرأي العام الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان الذي يضغط على دوله لسحب تغطيتها العسكرية والإعلامية والسياسية للاحتلالين السعودي والإماراتي. لا يدعو هذا التحليل إلى التخلي عن البندقية لأنها الأساس في استمرار تلقين المحتل دروساً في الجهاد، لإعادة بناء يمن حديث بكامل مناطقه من أعالي صعدة إلى بحر عدن وحدود عمان والسعودية على أساس ديموقراطي يحميه من غدر الأشقاء وظلم ذوي القربى.
Prev Post
قد يعجبك ايضا