يقدم كتاب “الإسلام إرث للجميع” الصادر عن مؤسسة الثقافة الإسلامية بمدريد، صورة صحيحة للدين الإسلامي للذين يعيشون في إسبانيا.
وقد قام الأزهر مؤخراً بترجمة أبرز محتويات هذا الكتاب في إطار متابعته للإصدارات التي تتناول قضايا المسلمين في الدول الناطقة بالإسبانية، لا سيما تلك التي تبرز الجانبَ الوسطي، وتنفي عن الحضارة الإسلامية تهم الغزو والاحتلال.
ويعنى الكتاب بالتراث الثقافي والحضاري الإسلامي في إسبانيا؛ بهدف القضاء على الانغلاق الفكري والأحكام المسبقة، وتعزيز احترام ثقافة التعددية وترسيخ مفهوم التعايش والمواطنة.
ويشتمل الكتاب المكون من 144 صفحة على مجموعة من النصوص والصور التي تُعَدّ معرضاً للثقافة الإسلامية في إسبانيا، وهو أقرب ما يكون إلى مشروعٍ ثقافي تربوي يهدِف إلى التعايش وإزالة الفرقَة والتعصب.
ويضم الكتاب بين دفّتيه نصوصاً تربوية وصوراً فوتوغرافية ملَوَّنة وفيرة التقطها مصورون معروفون، ويتعرض لمختلف جوانب الإسلام والحضارة الإسلامية (الدين، والتاريخ، والترفيه، والعادات الشعبية..).
ويتناول الكتاب فكرة تحقيق العدالة بالمجتمع، حيث يشعر الجميع أنهم مواطنون أحرار، مفيدون ومحترمون؛ وهو أمر يجب أن يتم بتعاون الجميع.
وبحسب الكتاب، فإنه من غير المقبول أن يكون هناك الملايين ممن يعانون من الجوع والحرمان في عصر العولمة وسباق الفضاء وتكنولوجيات الاتصال المتقدّمة، وهذا الأمر تتطلّب مواجهته تكاتُف الجميع.
ويشير الكتاب إلى أن التمييز بسبب اللون أو المعتقَد أو الجنس مرفوض في كل الأحوال، لا سيما التمييز ضد المهاجرين الذين كانوا يبحثون عن سبلِ عيشٍ أفضل في أوروبا، وبمرور الوقت أَثرَوا المجتمعات التي يقطنون بها بمساهمات إيجابية.
كما يشير إلى أن المعرفة هي أفضل طريقةٍ للقضاء على التحيز، وبها تنمحي الأحكام المسبقة، خاصة في ما يتعلق بالمهاجرين وما يلاقونه من كراهية وحالات “إسلاموفوبيا” في بعض الأحيان.
ويتحدث الكتاب عن الإسلام في إسبانيا؛ حيث يسلط الضوءَ على التراث الإسلامي الموجود في إسبانيا، التي كانت خاضعةً للحكم الإسلامي خلال ثمانية قرون. ويؤكد أن هذه الفترةَ كانت حافلة بمَظاهر التقدم والتنمية، بشكل فاقت فيه إسبانيا أوروبا كلَّها آنَذاك.
ويوضح أن العالَم الإسلامي قد أنشأ حضارة متطورة للغاية، وأن الأوروبيين عرفوا -بفضل المسلمين- الكثير في علم الفَلَك والطب والهندسة المعمارية والتكنولوجيا، كما كان العرب والفرس المسلمون هم من ترجموا أولى الدراسات اليونانية عن الفلسفة والعلم النباتي والطب، وهم الذين صنعوا جزءاً كبيراً من المنتجات الغذائية والأدوات التي ما تزال مستخدَمةً إلى الآن.
ويقدم الكتاب نبذَة عن نشأة الإسلام، وبَدْء الرسولِ محمد صلّى الله عليه وسلم في تلَقّي الوحي، ونشْر تعاليمِ الدين في أرجاء العالم، كما يتعرض لحكم الخلفاء من بعده، وتكوين إمبراطورية إسلامية امتدّ حكمها ليشمل بقعةً واسعة من المعمورة، حيث كانت فترة حكم المسلمين تتسم في أغلب أوقاتها بالتحلي بقيَم العدل والتسامح، واحترام المؤسسات السياسية والقانونية والدينية القائمة في البلدان التي قاموا بفتحها.
ويؤكد الكتاب أن هناك فَرقاً بين العرب والمسلمين؛ إذ غالباً ما يحدث خلط عند المتلَقّي بين الوصفين، فأكبر دولة من حيث عدد المسلمين في العالم هي إندونيسيا، وهي دولة ليست عربية، تليها دول أخرى أمثال: باكستان وأفغانستان وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة (مثل أوزبكستان وتركمانستان)، ودول أخرى؛ كالهند والصين -فضلاً عن الدول العربية- غير أن هؤلاءِ جميعهم، أي: المسلمين، يربطهم الدينُ وتَحكمهم تعاليمه السّمحة.
وجاء في تعليق الأزهر على الكتاب، أن الحقائق التاريخية المرتبطة بالوجود الإسلامي في إسبانيا لا يمكن إنكارها، فقد نهِلت أوروبا كلّها من الحضارة الأندلسية التي أضاءت دروب العلم والفكر والثقافة، فضلاً عن تفَوقها العمراني والفني وآثارها.