انتصار الدم على السيف
أحمد يحيى الديلمي
عندما تعتصر الناس الهموم وتتفاقم أزمات المعيشة واحتياجات الحياة اليومية تتسع الغشاوة على العيون وتضيق المسافة بين الحق والباطل ، ويعجز الناس عن التفريق بين الأبيض والأسود ، هنا يحدث الفرز بين من انقاد للشائعات وحملات التهديد والوعيد واستسلم وخضع ، وبين من هو صادق الإيمان تذرع بالصبر وكله يقين أن الله معه ولن يضيعه ، الأخير يزداد قوة على الثبات وقدرة على التحدي ومواجهة أعتى الصعاب بينما الأول إما أنه ينزلق إلى منحدر الخيانة والعمالة أو يتوارى خلف ستار حديدي خوفاً من أن يلمحه أحد في ساحة النور ، هذه الكلمات تختزل المشهد اليمني برمته اليوم ، فالشعب يتعرض لأبشع جرائم الحرب والإبادة الشاملة ، مجازر تلو المجازر ، الأشلاء البشرية تتناثر والعالم يلوذ بصمت مخزٍ ، هذا الصمت وفر بيئة خصبة لتنمر وتوحش الأعداء، وجعلهم يتمادون في ارتكاب أبشع الجرائم ، وكلما زاد صمت العالم زادت وحشية الأعداء ، بُحت الأصوات وتورمت الأوداج والمآقي من كثرة الصراخ للاستغاثة وطلب النجدة ولا من مجيب ، وكأن الجميع يلوذ بقول الشاعر :
لقد أسمعت إذ ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي
مع أن أركان الجرائم المادية والقانونية متوفرة وواضحة للعيان ويد الفاعل المباشر تقطر بالدم ، إلا أن العالم بما في ذلك المنظمة الدولية كلهم يلوذون بالصمت إلى حد التواطؤ ، مما جعل الحرب كونية على شعب فقير يبحث عن لقمة العيش وما يسد رمقه ، فكيف النهاية !!؟
كل المؤشرات تؤكد أن صمود الشعب وتضحيات أبنائه الجسيمة هي التي ستحدد سيناريو النهاية مهما طال أمد العدوان ومهما تمادى المعتدون ، ومهما تراخت المواقف واكتفى البعض بالإشفاق أو التواري خلف أسوار الخوف ومهما تلطخت أيادي العرب والمسلمين بدماء الأبرياء من اليمنيين أو شاركت دول كبرى مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا ، كل هذا لن يغير من الحقيقة شيئاً ، وإن زعم الجميع أنهم يدافعون عن شرعية ساقطة لا وجود لها إلا في أذهانهم ، فإن الشعب اليمني في النهاية سينتصر لأنه يؤمن بأن قضيته عادلة ، ويراهن على حَّكم عادل محيط حرم الظلم على نفسه وحرمه على عباده ، وهو ما جعل الأمور تتبدل وردود الأفعال تنقلب رأساً على عقب ، ها هي صيحات الفزع والإدانة والتنديد تتوالى وتتصاعد عقب كل جريمة وتصل إلى حلقات السجال وخلق أزمات حقيقية بين النظام السعودي المتزعم للعدوان وعدد من الدول الغربية التي أفزعتها الجرائم البشعة ، ما ظل سنوات في خانة القلق والتبرم وحبس الدول في نطاق تناقض المواقف وازدواج المعايير خرج إلى العلن وبرز في شكل عراك سياسي واقتصادي واحتجاجات دولية على ممارسات النظام البشعة ، كما هو الحال مع آخر موقف لفريق المحققين الدوليين وما ورد في تقريرهم من إيجابيات لأول مرة رغم تحفظنا على التفاصيل الأخرى ، إلا أنها تمثل خطوة هامة في طريق محاسبة المجرمين ، وكذلك السويد وكندا وألمانيا والنرويج وهكذا دواليك عقب كل جريمة تتزايد صيحات المواطنين الغاضبة في دول تحترم إرادة شعوبها ولن تظل صامتة ، حتى أمريكا ورئيسها المتغطرس الفاشل الذي جاء ليشعل الحروب في العالم ، هذه الدولة ستضطر يوماً إلى التفاعل والانصياع لردود أفعال الشارع الغاضبة ، بغض النظر عن المناورات السياسية المرحلية فإنها لن تصمد وسيضطر ترامب نفسه إلى التوضيح بأنها مجرد مواقف انتهازية شكلية بهدف الابتزاز والحصول على أكبر المكاسب والأموال من هؤلاء البدو الأجلاف ، كيف لا وترامب نفسه أثناء حملته الانتخابية قال عن النظام السعودي بأنه نظام القبيلة المتشدد والمتخلف ونعته بالبقرة الحلوب ، وبالفعل سرعان ما امتدت يده إلى ضروع البقرة لحلب ما استطاع من اللبن ، إلا أنه لم يكتف وسيظل على نفس المنوال حتى يصبح نظام آل سعود على الحصيرة ، وكذلك أمراء الإمارات في هذه اللحظة سيدرك أمراء المجون كيف أنهم أخطأوا وسيعرفون حجم الجريمة التي ارتكبوها في حق أنفسهم قبل غيرهم ، وهذه هي القدرة الإلهية التي أرادت للعالم أن يشاهد مشهد ملحمة الإمام الحسين بن علي، السبط، عليه السلام تتجسد في الواقع من جديد وأمام الأعين في القرن الحادي والعشرين عندما ينتصر الدم على السيف لأن هذا الدم الطاهر المهدور من قبل هذه القوة الغاشمة لا يختلف كثيراً عن دم الحسين وستعقبه تحولات جذرية تسقط عروش الظلم وتطهر العالم من أوكار الفساد ، هذه ليست نبوءة ولكنها الحقيقة بدأت تتجلى أمام أعيننا يوماً بعد يوم وتؤكد أن الظلم مهما تمادى والظلمة مهما تجبروا فإن مآلهم إلى نهاية مخزية ، ولا عزاء لجموع المرتزقة والعملاء الذين استسلموا وانقادوا لبريق المال مصدقين الدعايات الكاذبة التي قالت إن العالم يحارب من أجلهم ، وهم إنما أسهموا في قتل الآلاف من أبناء جلدتهم ودمروا مقدرات الشعب علموا أو لم يعلموا، هذه الحقائق تمثل فعلاً ترجمة للكثير من المشاهد التاريخية بما في ذلك ملحمة الحسين عليه السلام التي إن شاء الله ستتكرر في الواقع اليمني وسيسمع صولتها العالم ، وليس ذلك على الله ببعيد .. والله من وراء القصد ..