غياب التخطيط فساد وتخبيط
عبدالرحمن علي علي الزبيب
التخطيط أهم عناصر نجاح الأعمال وعامل هام لتنظيم العمل وفقاً للإيرادات المتاحة واختصار للجهد والمال لتحقيق الأهداف المنشودة.
بتشخيص عام لأهم اسباب اخفاق المؤسسات والهيئات يقع في مقدمها غياب التخطيط في جميع المرافق والمؤسسات مما يؤدي الى التخبط والعشوائية في اعمالها وانحرافها عن تحقيق اهدافها .
وبالإطلاع على تعريف علماء الإدارة للتخطيط، نجد أن هناك عدة تعريفات نورد أهمها في التالي :
عُرّف فايول التخطيط بأنه “التنبؤ بالمستقبل و الاستعداد له فهو بعد النظر الذي يتجلى في القدرة على التنبؤ بالمستقبل و التحضير له بإعداد الخطة المناسبة “.
كما أن هناك تعريفاً آخر للتخطيط بأنه :”الأسلوب العلمي الذي يتضمن حصر الموارد البشرية والمادية واستخدامها أكفأ استخدام بطريقة علمية وعملية وإنسانية لسد احتياجات المؤسسة ولتحقيق اهدافها” .
وكلا التعريفين هام جداً، فالتعريف الأول تضمن أن التخطيط “تنبؤ بالمستقبل والاستعداد له” والتعريف الثاني أوضح بأنه حصر الموراد واستخدامها بشكل منظم لتحقيق اهدافها” .
لاتتوقف فوائد التخطيط في اختصار الجهد والمال وتحقيق الأهداف بفاعلية وكفاءة بل أيضاً التخطيط يكافح الفساد ويحد من تفشيه .
كون التخطيط يوضح بشفافية أين تذهب المؤسسة بانشطتها ومواردها، ويتم كشف اي فساد بسرعة بعكس غياب التخطيط الذي يجعلها مخفية ونشاطها غير شفاف ولا واضح، وعند مراجعة أعمالها وانشطتها تكون هناك صعوبة كبيرة ويتم بذل جهود محاسبية وقانونية كبيرة حتى الوصول إلى اكتشاف الفساد المتخفي في أنشطة لم تظهر بسبب انعدم خطة للمؤسسة أو الهيئة .
البعض يذهب تفكيره إلى أن التخطيط يكون فقط في القيادات العليا للدولة والحكومة والهيئات والمؤسسات، وهذا خطأ والصحيح أن التخطيط يجب أن يكون من أعلى قمة الدولة والحكومة والمؤسسات إلى أصغر موظف.
يجب أن ينخرط الجميع ضمن خطة عامة للمرفق وخطط تفصيلية لكل الكادر بلا استثناء حتى بواب وحراسة المنشآه.. يجب أن يكون ضمن خطة عمل المؤسسة ومشاركاً في صناعتها وتنفيذها فيما يخصه وكل كادر معني بالمشاركة في صياغة الخطة لأنه المكلف أيضاً بتنفيذها .
بالتخطيط أيضاً يتم تقييم اداء الحكومة والمؤسسات والهيئات وتظهر إخفاقاتها ونجاحاتها بشفافية في خطتها، وبالإمكان اتخاذ اجراءات لوقف استفحال الخلل والفساد بسبب الانحراف في تنفيذ الخطة المرسومة مسبقاً .
ولأهمية التخطيط في إنجاح الأعمال والأنشطة تم إنشاء وزارة متخصصة بالتخطيط في معظم حكومات العالم ومن ليس لديهم وزارة تخطيط يوجد جهاز مركزي للتخطيط.. ولكن ؟
لا يعني وجود وزارة تخطيط أن هناك نجاحاً في التخطيط ويعتبر فقط خطوة أولى فقط في الاتجاة الصحيح يجب أن تليها خطوات أخرى نحو تفعيل اداة ووسيلة التخطيط في جميع المؤسسات والهيئات بلا استثناء وأي مؤسسة ليس لديها خطة عمل عامة وتفصيلية هي مؤسسة غير ناجحة وتتكرر اخفاقاتها وفشلها .
للأسف الشديد أن هناك قصوراً كبيراً في تفعيل أداء وزارة التخطيط وعدم وجود آليات إلزامية لجميع المؤسسات والهيئات بلا استثناء حتى المستقلة منها لوجوبية رفع خططها وإشراف وزارة التخطيط عليها فيما يخص خططها ووفقاً لقوالب علمية محددة وتتضمن معلومات شاملة وتفصيلية عن جميع انشطتها وموضح فيها مؤشرات قياس لجميع الأنشطة والأعمال ليتم كشف أي قصور أو خلل وتصحيحه قبل استفحاله .
بمتابعة آليات إعداد وتنفيذ خطط بعض المؤسسات التي مازالت ترسم خططاً لعملها وجدنا أنها خطط شكلية جداً لا تلامس الواقع وإنما تبرر الاخفاق والقصور في عملها حيث لاحظنا في إحدى الجهات وجود موظف في أقصى مبنى المؤسسة يعمل في جهاز كمبيوتر بصمت، وعند سؤالنا عن هذا الموظف تم التوضيح أن هذا الشخص هو المختص بالتخطيط، فتفاجأنا بهذه الإجابة، والذي تبين ان تلك الجهة تعمل بخطة عمل شكلية لترفعها للجهات العليا بأنها تخطط وتستمر بروتين محَدد ومعلومات جامدة لا يمكن قياسها ولا يفهم الآخرون ماهي الخطة والأنشطة ويستحيل تقييم اداء المؤسسة وفقاً لهذه الخطة التي اعتبرناها مثل المتاهة التي تضيع فيها الجهات الرقابية ويتوقفون عن متابعة تلك الخطة، وكأن هذا العمل ممنهج لتحقيق ذلك .
الصحيح في إعداد وتنفيذ خطط عمل المؤسسات أن يشارك جميع الكادر بلا استثناء في إعداد الخطة لأنهم معنيون بتنفيذها وفقاً لما خططوا لها وأن تكون هناك فقط محاذير وضوابط عامة لضبط اي انفلات أو انحراف للخطة عن أهداف المؤسسة .
تتكاثر أخبار ومعلومات عن تفشي الفساد في الهيئات والمؤسسات واخفاقها وكلاً يشخص ويبرر ويدافع بمبررات غير واقعية ومنها تدهور الوضع الاقتصادي ومعوقات كبيرة، ويجعل البعض من هذه المشاكل مبرراً لتغييب التخطيط وهذا خطأ كبير، تدهور الوضع الاقتصادي وتزايد المعوقات مبرر للتخطيط لا تغييبه .
وفي الأخير :
نؤكد على وجوبية التخطيط وأن يصدر قرار من أعلى سلطات الدولة بإلزامية الحكومة ومؤسساتها وهيئاتها التابعة لها والمستقلة بإعداد خطط لعملها تتضمن التوزيع الصحيح لإمكانياتها وجهودها في أنشطة تحقق أهدافها ولاتنحرف عنها وتفعيل وزارة التخطيط وإدارات التخطيط في جميع الهيئات والمؤسسات لتفعيل وسائل وأدوات التخطيط في جميع انشطتها ونشر هذه الخطط بشفافية ليعرف الشعب أين أخفقت تلك المؤسسات وأين نجحت وأين تذهب أموال الشعب هل لتحقيق اهداف تلك المؤسسات ام انحرفت لتحقيق اهداف شخصية، وبما يؤدي إلى تسهيل الرقابة ومكافحة الفساد بسرعة وبجهد أقل وفاعلية أكبر للحد من الفساد وضياع الأموال والإمكانيات العامة الذي يستفحل ويتفشى في بيئة خالية من التخطيط الصحيح، وأن يكون من ضمن نقاط تقييم إدارة المؤسسات والقائمين عليها هو بوجود خطة عمل مسبقة أم لا، وكذا مدى الالتزام بخططها إن وجدت، كون غياب التخطيط فساداً وتخبيطاً .
* عضو الهيئة الاستشارية لوزارة حقوق الإنسان + النيابة العامة
law771553482@yahoo.com