
كتب/ عبدالله كمال –
أينما وليت وجهك ستجدهم بمختلف فئاتهم العمرية فهناك الأطفال وهناك اليافعون والشباب وأيضا الشيوخ والمسنون بهيئاتهم البائسة المبالغ -أحيانا- في بؤسها يسألون الناس إلحافا وكل له أساليبه وفنونه في استدرار الشفقة والعطف.
ما إن تتوقف في جولة حتى تمتد الأيدي أمامك في مظهر يبعث في نفسك مشاعر مضطربة فهناك من يلحْ بالسؤال حتى يخيل إليك أنه يطلب منك ما يغنيه في حين يستهل الآخر من الدعاء ما يحملك على الدهشة من أين يأتي بكل ذلك القاموس الغني بمفردات الدعاء آخر يعرض عليك مأساته بأسلوب تلين له الحجارة.. كل له قصته التي لا أحد بإمكانه الجزم في كونه صادقا فيها أم خلاف ذلك.. غير أنه لا يخفى عليك أن ثمة من يمتهن التسول لأجل التكسب والاستكثار مما يجود به الناس.
ليست جولات وإشارات المرور هي المكان الأوحد لوجودهم فكل مرافق الحياة العامة نادرا ما تجد مكانا يخلو من المتسولين جماعات ووحدانا في المطاعم.. المحطات على أبواب محلات الصرافة مواقف الباصات وحتى الطرقات ما غدا يعكس مظهرا مشوها للبلاد برمتها..
ليس هؤلاء فقط هم من يعانون من الفقر والفاقة ولذلك مدْوا أيديهم فهناك من هو أشد حاجة منهم بالتأكيد ولكنه لم يمتلك الجرأة على النزول إلى الشارع والتسول من الآخرين أعطوه أو منعوه بل هم كما قال تعالى:” يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف”.
قدرت إحصائية صادرة عن مركز الدراسات الاجتماعية وبحوث العملفي العام2009عدد المتسولين بـمليون ونصف المليون متسول ومتسولة لا زلت تفيد إحصائيات غير رسمية بأن العدد في تزايد مستمر.. في حين لم تصدر أي إحصائية رسمية دقيقة عن عدد المتسولين في البلاد.
أما في أمانة العاصمةحيث تقدر إحصائية مشروع مكافحة التسول عدد المتسولين فيها بـ 12000 – 13000 متسول ومتسولة فإن هناك من يرى أن العدد يفوق ذلك بكثير .
أم هديل التي تتخذ من جولة القيادة مكانا لكسب رزقهافهي حسب قولها لا “تتهبش” في أماكن عدة كما يفعل الكثيرون تقول إن زوجها هجرها هي وخمسة أطفال قبل خمس سنوات كان آخرهم لا يزال في الشهر الثاني من عمره بسبب خلافات أسرية وانقطعت أخباره فمكثت في البيت تنتظر ما يجود به أهل الخير إلا أنه كان لا يكفي لسد رمقهم ففكرت في البحث عن عمل ولم تجد العمل المناسب الذي يكفل لها دخلا يفي بمتطلبات حياتها هي وأطفالها الخمسة.. فلم يكن أمامها من طريق إلا الاتجاه إلى الشارع لمد يدها وكان ذلك كافيا لمتطلبات حياة أسرتها.
وعن التكسب تقول أم هديل: نعم هناك أشخاص أعرف أنهم يكسبون الكثير من مد أيديهم فهناك من يصحب أطفاله ويقوم بتوزيعهم على أماكن عدة منذ وقت مبكر ولا يلتقون إلا في آخر اليوم لإحصاء ما كسبه كل منهم كما أن هناك أشخاص يستغلون أسرهم بكاملها لكي يكسبوا أكثر.
وبخصوص التسول في شهر رمضان تضيف أم هديل: هناك من يعتبره موسما للكسب أكثر.. وهناك من المتسولين من يمارس التسول فقط في هذا الموسم نظرا للمكاسب الكبيرة التي يجنيها لأن رمضان شهر الرحمة والناس يتصدقون فيه أكثر من بقية أشهر السنة.
تلك حالة واحدة من مئات الآلاف من الحالات التي ضاق بها الوطن فامتدت طائلتها لتغزو دول الجوار فبين الفينة والأخرى تتحدث وسائل إعلام تلك الدول ولا سيما المملكة العربية السعودية عن ضبط أرقام كبيرة من المتسولين اليمنيين ما يسيء إلى سمعة اليمن ويشوه صورتها.
ظاهرة شائكة ومعقدة غدت ظاهرة التسول ولها فنونها ومظاهرها حتى أنها تكاد تكون علما قائما بذاته رغم أنها كمشكلة ليست وليدة سنة أو سنتين إلا أن المعالجات التي اتخذت لم تكن ذات جدوى أو بالأصح لم تكن ذات جدية فالظاهرة في توسع مستمر وكل يوم يظهر لها محترفون جدد.
الخطير في الأمر هو أن يتحول التسول إلى ثقافة يمارسها البعض للتكسب دونما وازع من دين أو ضمير أو أخلاق.. في بلد تجاوزت نسبة الفقر فيه52% حسب آخر تقرير للبنك الدولي في اليمن والذي أكد أن وجود أكثر من 12 مليون فقير من إجمالي عدد السكان المقدر بما يقارب 24 مليون نسمة.
قد تبرز الكثير من المبررات لاستشراء الظاهرة بهذه الصورة المفزعة ومن تلك المبررات الوضع المعيشي الصعب نتيجة للأوضاع التي تمر بها البلاد وتزايد نسبة الفقر في أوساط السكان وتدني مستوى دخل الفرد والبطالة وتدني الوعي لدى المجتمع …. إلخلكن تلك المبررات مهما بلغت فإنها لا تبدو مقنعة بالمقارنة مع اتساع حجم الظاهرة وانتشارها بالشكل الملاحظ والملموس. كما أن ذلك لا يعفي الجهات المعنية خاصة وأن الدور الرسمي في مكافحة هذه الظاهرة يكاد يكون غائبا بدليل عدم وجود إحصائية رسمية معتمدة لعدد المتسولين في البلادبالإضافة إلى أن المشروع الوحيد لمكافحة التسول والموجود في أمانة العاصمة عاجزعن القيام بدوره بالشكل المطلوب كما أكد لنا المدير السابق للمشروع راشد الأشول الذي قدم استقالته نظراٍ لعدم وجود ميزانية تمكن المشروع من تنفيذ خطته.
كما أنه لا توجد جهة حكومية تبنت دراسة حقيقية وجادة للظاهرة على ضوئها يتم معرفة المعالجات والحلول اللازمة ومن ثم وضعها موضع التنفيذ.