اليمن وسوريا.. ساحتان تعكسان ازدواجية المعايير الدولية
علي إبرهيم مطر
لم تترك السعودية أسلوباً للقتل إلا واستخدمته في عدوانها على اليمن في سبيل كسر هذا الشعب وتحقيق انتصار مزعوم عليه، منذ بداية حربها التي لم تطبّق يومًا القوانين الدولية، فهي جريمة عدوانية شُنت دون مسوغ على بلد لم يقم يومًا باستفزازها أو تهديد أمنها.
3 سنوات لم تترك خلالها السعودية جريمة حرب إلا ونفذتها، بحسب ما أكدت منظمات دولية عدة، أكثر من 35415 يمنيًّا سقطوا ما بين شهيد وجريح، ما يقارب الـ 14 ألف شهيد منهم تم توثيق شهادتهم، ومنهم ما يقرب من 3000 طفل و2000 امرأة، أما عدد الجرحى فقد بلغ بحسب إحصائية المركز القانوني للحقوق والتنمية، 21,812، بينهم 2.722 طفلًا، و2,233 امرأة، فيما تجاوز عدد النازحين مليونين وستمائة وخمسين ألفا. وأعداد المنازل المدمرة والمتضررة جراء قصف العدوان تجاوزت الـ409,356، حتى المساجد لم تسلم من بطش آل سعود، فقد دمرت طائرات العدوان 826 مسجدًا، إضافة إلى ما لحق بالمنشآت والمؤسسات من قصف ودمار وهذا ما أكدته وزارة حقوق الإنسان اليمنية، فضلاً عن انعدام الأدوية وانتشار الأوبئة وسوء التغذية وأمراض الفشل الكلوي.
وبحسب تقارير دولية، فإن ما تقوم به الرياض داخل الأراضي اليمنية يعد جرائم حرب لا تسقط بمرور الزمن، طبقًا للقانون الدولي والمعاهدات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية جنيف 1949م، وهي بحسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية خروقات خطيرة لاتفاقيات جنيف الموقعة عام 1949م وانتهاكات خطيرة أخرى لقوانين الحرب، متى ما ارتكبت على نطاق واسع في إطار نزاع مسلح دولي أو داخلي.
وتؤكد عدة صحف أجنبية ومراكز دراسات أن السعودية خالفت أحكام القانون الدولي الإنساني، ولا سيَّما الاتفاقية الرابعة التي تعنى بحماية المدنيين أثناء الحروب، حيث قام التحالف بقتل متعمد لآلاف اليمنيين، وشن هجوم جوي أسفر عن خسائر في الأرواح وإصابات بين المدنيين. وفي أكثر من مناسبة طالبت منظمات دولية منها “هيومن رايتس ووتش” بإجراء تحقيقات دولية حول ما تقوم به السعودية.
كما ترتكب السعودية دون أدنى شك جريمة ضد الإنسانية بحق اليمنيين لانطباق ما تقوم به من جرائم على المادة 7 من نظام المحكمة الجنائية الدولية التي تقول إن أي فعل من الأفعال المشار إليها يشكل جريمة ضد الإنسانية “متى ما ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم”.
ومن كل ما تقدّم، لم يعد من المقبول السكوت عن هذه الجرائم، والسماح للمسؤولين السعوديين بالإفلات من العقاب. فالمسؤولية عن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية يتحملها، إلى جانب الحكومات، الأشخاص الطبيعيون المتهمون بالتخطيط لارتكابها، ومع أن اليمن لم توقع على نظام المحكمة الجنائية لكنه يمكن اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لعرض هذه الجرائم وإحالة ملف السعودية إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، عبر استخدام قرار الاتحاد من أجل السلام. إلا أن ذلك لا يعني أننا سنرى تحقيق العدالة بحق هؤلاء القتلة، لأن المجتمع الدولي ليس حاضراً لتحمل مسؤولية هذه المحاسبة، كما أن السعودية ستبقى على نهجها، طالما أن واشنطن تقف الى جانبها وتمنع محاسبتها مثلها في ذلك مثل “إسرائيل”.
والمفارقة في هذه الأزمة أن مجلس الأمن الدولي يتصرف بشكل متخاذل تجاه اليمن، فهو يتعاطى مع هذا الملف بمعايير مزدوجة حيث يتغاضى عن الجرائم التي ترتكبها السعودية، فمجلس الأمن لا يتحرك، وفي حال تحرك فسيواجه بالفيتو الأمريكي الذي يكيل بمكيالين في قضايا حقوق الإنسان فيتغاضى عن السعودية التي تشتري سكوت الإدارة الأمريكية عنها بصفقات السلاح والاستثمارات الضخمة التي يعقدها ولي العهد السعودي محمد ابن سلمان مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وفي حين يستنفر مجلس الأمن الدوليّ جهوده في ملفات عدة، يغيب إذا ما ارتبط الملف بانتهاكات واشنطن والكيان الصهيوني وحلفائهما، ويتم التغاضي عن كل قواعد القانون الدولي، كما يحصل اليوم مع السعودية وجرائمها اليومية في اليمن، ومع “إسرائيل” في جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، مع العلم أن القانون الدولي يسمح لمجلس الأمن أن يتدخل بصفة إنسانية لوقف الانتهاكات مباشرة، والذي يقضي بالضغط لإجبار الدولة المتدخل فيها على القيام بعمل ما، أو الامتناع عن القيام به، كما فعلت أمريكا في العراق والصومال وكوسوفو وأخيراً في ليبيا لإسقاط نظام معمار القذافي، حيث أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1973 والذي يطلب فيه الإرساء الفوري لوقف إطلاق النار.
مع الأسف، غاب اليمن ومعاناة شعبه عن مجلس الأمن الدولي، لأن واشنطن هي المتحكمة بقراراته، وهي التي تتدخّل مع حلفائها بحجة حماية حقوق الإنسان، تحت غطاء الشرعية التي تحظى بها الأمم للتدخل بشؤون الدول، مستخدمة شعار حماية حقوق الإنسان وإرساء الديمقراطية وحجة تهديد السلم والأمن الدوليين.
ويأتي ذلك من خلال التشهير ببعض الدول في ميدان حقوق الإنسان خاصةً عبر المنظمات غير الحكومية الدولية التي تعتمد تقاريرها وتقدّم كمشاريع قرارات ضد الدولة المستهدفة وهذا ما تقوم به واشنطن بحق سوريا اليوم حيث تضغط الولايات المتحدة الأمريكية لشن حرب ضد سوريا تحت ذريعة الكيميائي، فيما تتغاضى عن السعودية التي لم تقم أي احترام لحقوق الإنسان في اليمن بل هي تقتل أطفاله بدم بارد دون رادع.