خاطرة مع قطرات المطر
أشواق مهدي دومان
وحين تستهل السّماء حديثها عن المطر فتبدأ قطراته بالتنافس على من تنهمر السّابقة ،ولكنّ تلك القطرات تعلّمنا وتمنحنا درسا من روحانيّة السّماء ،فهناك انسجام وتآلف وتدافع وتدافق يحتكم بأوامر الله فلا تطغى قطرة على رفيقتها ،ولا تقدّم قطرة نفسها إلا وفي قرارة نفسها كرم وجود وترفّع بأنّي الباذلة روحي المتساقطة في غير بخل وشحّ لأروي الأرض القاحلة التي منح الله الإنسان إيّاها فخرّبها ودمّرها مسوخ البشر ،أعداء الحياة في وطن مبارك هو اليمن ،فأغرقوها بقنابلهم العنقوديّة ،وصواريخهم الفتّاكة لإزهاق روح كلّ حرّ، ولكنّهم رجال الله كانوا من يطهّر هذه الأرض بدماء طاهرة وأرواح زكيّة سبقت كلّ وأي قطرة من السّماء ،بل كانوا الأجود من مطر واستهلالات السّماء،
نعم : تسابقوا للبذل دون انتظار جزاء ولا شكورا من أحد ، ترفّعوا عن مواطن الردود لمن يستخفّ بتضحياتهم ،فكانوا الأجدر بقربهم وعشقهم للسّماء، بذلوا وبادروا ورووا أرضهم بدمائهم وقدّموا أرواحهم باستهلالات هادئة أرقّ من النّسيم بعد الفجر ،وأجمل من شمس تتزاحم مع غيوم السّماء لتستمر في عطائها وبذل نورها ودفئها لمن يسكن هذه الأرض فتتراشق مع قوس قزح وتنسجم وتأخذ كفّها بكفّه في براءة الأطفال وسمو مشاعرهم، فكأنّ تلك الشّمس وقوس قزح طفلان ما تخلّل روحيهما من سوء ظنّ البشر سوى الطّهر والبراءة ،وما زادتهما أنظار وعيون البشر سوى جمالا ورفعة و ثقة بصدق طهرهما ،وببراءة الأطفال أنصتا حين سمعا نجوى بين السّماء والأرض حين قالتا بكلّ يقين بأنّ:
أطهر من طهر ماء السّماء هي دماء شهداء الحقّ، وأزكى من ماء السّماء هي دماء جرحى الحقّ ،وحينها عقدت السماء والأرض صفقة يشهد عليها الله فهو الشّهيد بأنّ :
كلّ قطرة مطر من السّماء تسقي الأرض وترويها هي شهادة تكريم للأرض التي ارتفع منها وسمى منها رجال زادوا السّماء رونقا وجمالاً حين فتحت ذراعيها كأمّ حنون تضمّ بنيها الذين اغتربوا عنها ،فأراد الله أن يعودا إليها وتقرّ عيناها بهم ، فكان حضنها محطّة استقبالهم فقد أقرّ الله لهم مكانا عنده وهو المليك المقتدر فكانوا هم الأحياء الذين وصفهم عمّن سواهم من البشر بـ : ” أحياء ولكن لا تشعرون ” ،وأيضا هم وحدهم ذلك الفريق المخصّص لهم إقامة :
” عند ربّهم يرزقون ” ..
فمن روحي العاشقة لمنزلتهم القدسيّة أقول بفيض من العين يغبطهم :
هنيئا لمن يقاتل في سبيل الله فيُقتل أو يغلِب ،
هنيئا لرجال الله ،
هنيئا للشّعث ،الغبر ،المتبردقين فهم غيث الأرض وعشق السّماء ،ولله درّهم حين استهلّوا وهلّلوا للنّصر لكن ليس بألسنتهم وكلامهم ( مثلنا ) بل لقد خطّوا النّصر بدمائهم، وبأطراف الرّماح المضرّجة بها كتبوا أنّ:
” العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين ” ،
فإن لم تكن العزّة لهم فلمن تكون؟!
و إن لم يكونوا هم المؤمنين فمن المؤمنون؟!