يبدو أن العلاقات التاريخية والقوية التي كانت تربط الفلسطينيين ببعض الدول العربية لم تعد كذلك، وباتت تتأثر تدريجياً بالعوامل والمتغيرات السياسية حتى وصلت إلى مرحلة خطيرة، تشكل خطراً على وجود الفلسطينيين بتلك الدول.
فمع تطور المتغيرات في المنطقة، خاصة بعد جلوس الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على كرسي الحكم في البيت الأبيض، وكشفه عن مخططاته وصفقاته في المنطقة العربية، بدأت ملامح جديدة تظهر لعلاقة بعض الدول العربية بالقضية الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين على أراضيها.
فقد كشفت مصادر فلسطينية مرموقة داخل دولة الإمارات، أن السلطات الإماراتية تعد مخططاً كبيراً لترحيل آلاف الفلسطينيين عن أراضيها خلال الفترة المقبلة، وتغيير العلاقات مع السلطة الفلسطينية.
المصادر التي تحدثت لـ”الخليج أونلاين”، طالبة عدم ذكر هويتها لحساسية منصبها الدبلوماسي في دولة الإمارات، ذكرت أن “هناك قائمة طويلة قد تصل إلى 4 آلاف فلسطيني مقيم ولاجئ في الإمارات سيجري ترحيلهم خلال الشهور القليلة المقبلة”.
وأوضحت أن الأسباب التي دفعت دولة الإمارات إلى خطوة الترحيل المفاجئة لم يكشف عن تفاصيلها حتى هذه اللحظة، وما يزال يحيطها الكثير من الغموض، فيما تحاول السفارة الفلسطينية هناك على قدم وساق استيضاح الأمر ومحاولة إيجاد حلول واقعية وعملية قبل تنفيذه”.
وذكرت أن هناك سياسة جديدة تنتهجها أبوظبي مع الفلسطينيين وقضيتهم بشكل عام، فخلال السنوات الأخيرة وقفت بجانب طرف متمثل في النائب المفصول عن حركة “فتح”، محمد دحلان، ضد طرف آخر وهو الرئيس محمود عباس.
ولفتت المصادر الفلسطينية ذاتها إلى أن النهج المتبع من قبل دولة الإمارات كان واضحاً للجميع بدعم تيار دحلان؛ “ما خلق فتوراً كبيراً في العلاقات الدبلوماسية بين السلطة الفلسطينية والمسؤولين في دولة الإمارات، حتى وصل إلى الهجوم المباشر عبر وسائل الإعلام، وتخفيض الزيارات الرسمية التي يجريها عباس للإمارات”.
– رسائل خاصة
وأشارت إلى أن الإمارات وبأمر مباشر من الشيخ محمد بن زايد، حاكم إمارة أبوظبي، تسعى إلى تقليل الوجود الفلسطيني داخل الدولة، خاصة المناصرين للرئيس عباس من أبناء وقادة حركة “فتح” والسلطة، وهم سيكونون على رأس القائمة التي صدر بحقهم قرار الترحيل.
وذكرت أن السلطات الإماراتية ستنفذ خطوات الترحيل التي ستشمل العائلات الوافدة والعاملين والمقيمين تدريجياً؛ لكي لا تلفت نظر وسائل الإعلام المحلية والعربية تجاه سياستها الجديدة ضد الفلسطينيين، متوقعة أن تبدأ ترحيل أول دفعة في شهر يناير من العام المقبل على أبعد تقدير، على أن يستكمل العدد المستهدف (4 آلاف) حتى منتصف العام المقبل.
واعتبرت المصادر الفلسطينية خطوة الترحيل بأنها “غير قانونية”؛ لكون قرار الترحيل الذي اتخذ بحق آلاف الفلسطينيين “كان سياسياً وليس له أي علاقة بتجاوزات في القانون الداخلي لدولة الإمارات المتحدة”، متوقعة أن يشهد هذا القرار حالة من الغضب الفلسطيني والعربي الكبير، خاصة مراكز حقوق الإنسان التي تعنى باللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية.
وبينت المصادر أن قرار الترحيل في حال طبق بشكل رسمي سيكون بمثابة “رسالة خاصة” للرئيس عباس، لا سيما في ظل توتر العلاقات الفلسطينية مع واشنطن، وإعلان الرئيس الأمريكي القدس عاصمة لـ”إسرائيل” وتوقيع قرار نقل سفارة بلاده إليها.
وختمت المصادر حديثها بأن الإمارات “ترسل بتلك الخطوة رسالة أخرى غير مباشرة إلى إسرائيل، التي تسعى جاهدة لتوطيد العلاقات معها وصولاً للتطبيع الكامل؛ إرضاءً لإدارة ترامب وتنفيذاً لأوامر صفقته الجديدة”.
يذكر أن دولة الإمارات انتهجت سياسة الترحيل في العام 2009م مع مئات الفلسطينيين من حَمَلة الجوازات الفلسطينية والأردنية المؤقتة والوثائق المصرية عن أراضيها، دون الإعلان عن أسباب مباشرة لقرارات الترحيل.
وتقوم السلطات الأمنية في الدولة بإبلاغ “المرحّل” قبل يومين بقرار ترحيله، دون أي مراعاة للفترة التي أقامها، التي قد تتجاوز الـ40 عاماً وأكثر، ودون الإدلاء بأي سبب للترحيل، وأن عليه مغادرة البلاد ضمن المدة المحددة؛ ما خلق حالة من الغضب والبلبلة داخل الأوساط الفلسطينية، وسط مناشدات للمنظمات الحقوقية والإنسانية والسلطة بالتدخل العاجل لإنقاذهم.
وبحسب منظمات حقوقية، فإن الشخص الذي يطلب منه مغادرة الإمارات، تؤخذ بصمة عينه ويصور من جميع الجهات كالمجرمين، ويعرض على شاشة بيضاء وسوداء يراها الجميع في مقار وزارة الداخلية، وتلغى إقامته، ويطالب بعدها بالمغادرة، وتحرّم عليه أيضاً دول الخليج، ولا يوجد في العالم دولة تقبل دخول الجواز الفلسطيني أو الوثيقة المصرية للاجئين الفلسطينيين دون وجود إقامة عليه، بل وإذا ما رفض المغادرة بحجة عدم وجود بلد تقبله فإن البديل هو السجن.