الوحدة اليمنية كانت هدفاً محورياً لثورتي سبتمبر وأكتوبر

نجل المناضل السبتمبري والأكتوبري الراحل عبد الرزاق صالح مجلي لـ “الثورة”

معروف عبر التاريخ اليمني أن اشتداد الصراعات السلطوية الداخلية تعزز الأطماع الخارجية في اليمن كموقع استراتيجي هام
كمواطنين يمنيين نقف ضد العدوان نرفض بيع أو تأجير شبر من أراضي اليمن لطرف خارجي
المؤتمر وأنصار الله وحلفاؤهم والمجلس السياسي الأعلى أثبتوا مستوى عالياً من الوطنية والنجاح في الحفاظ على وحدة الصف

حاوره / محمد محمد إبراهيم
وعمر الثورة اليمنية الأم 26 سبتمبر 1962 المباركة، يصل الـ 55 عاماً، صار على الأجيال اليمنية الشابة أن تتلقى قصص هذه الثورة التي يجتمع عند قيمها كل أبناء اليمن مهما اختلفوا- من ذاكرة الجيل الثاني بعد الرعيل الأول من ثوار وأبطال ثورتي سبتمبر وأكتوبر.. وهو ما دار في هذا الحوار الصحفي الذي أجرته صحيفة “الثورة” مع شيخ مشائخ مديرية جبن –محافظة الضالع- نجل المناضل السبتمبري والأكتوبري الراحل الشيخ عبد الرزاق صالح مجلي، رحمه الله.. حيث استعاد الحوار من ذاكرة الابن محطات هامة شهدها وساهم في صناعتها الأب على طريق النضال السبتمبري والأكتوبري وصولاً إلى تحقيق الهدف المحوري من الثورتين المتمثل في استعادة الوحدة اليمنيية وإنهاء حالة التشظي والتشطير.. رابطاً بين الماضي والحاضر عبر جسر الأحداث المتشابهة والتي يتمثل أهمها في العدوان السعودي الذي يشهده الوطن اليوم وهو ما شهده عقب ثورة 26 سبتمبر 1962م..
الشيخ القبلي البارز في محافظة الضالع خالد مجلي، قدم طرحاً، مقارناً بين الزمنين، متطرقاً إلى حكايات نضال والده في جبهات الدفاع عن الثورة السبتمبرية والتهيئة بنقل السلاح على ظهور الجمال والدواب إلى ردفان لتفجير ثورة 14 أكتوبر ضد الانجليز.. معتبراً ما يجري اليوم في المحافظات الجنوبية بالحالة المؤقتة بمدى استمرار اليمنيين في الشتات والتشظي، وفي الوقت الذي يجتمع صفهم سيرحل الغزاة عما قريب وستتكشف الحقائق وتثبت الأيام أن اليمن مقبرة الغزاة.. داعياً كافة القوى والقيادات الوطنية والوحدوية في اليمن عموما وفي المحافظات الجنبوية خصوصا، وكذلك من يقفون في صف العدوان إلى الرجوع عن غيهم وموقفهم المخزي تجاه المجازر التي يرتكبها العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي، وأن على الجميع نسيان الخلافات الداخلية والاتحاد صفا واحدا لحراسة الثورة والوحدة اليمنية ومقومات الدولة والنظام الجمهوري.. إلى التفاصيل :
بداية شيخ خالد.. اليمن تعيش الذكرى الـ 55 لثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، وأنتم نجل المناضل السبتمبري والأكتوبري عبد الرزاق صالح مجلي.. ما هي أبرز حكايات العمل النضالي التي سمعتموها من والدكم..؟! وماذا يقول لكم عن المستقبل الذي يعشه وطننا..؟!
– بداية نهنئ الشعب اليمني العزيز والغالي بهذه المناسبة الوطنية التي تأتي في هذه الظروف والتحديات والمؤامرات التي تحيق باليمن ووحدتها وسلامة أراضيها.. بالنسبة لحكايا النضال التي سمعناها من الوالد المناضل السبتمبري والأكتوبري الشيخ عبد الرزاق صالح مجلي فهي كثيرة ولا يتسع المقام لسردها في هذا المقام.. ولكن يمكن الإشارة إلى بعضها حيث يؤكد الوالد في أحاديثه عن الثورة السبتمبرية والأكتوبرية وهي الأحاديث التي كانت تملأ مساءاتنا العامرة بالحضور الأسري والاجتماعي والمعرفي.. وكان الوالد رحمه الله حين يسرد القصص النضالية لا يشرح لنا بطولاته بل كان يتحدث بنكران ذات كما عهد الثوار الحقيقيون مسلطا الضوء على أدوار الآخرين من رفاقه أكثر من حديثه عن ذاته، وكنا كثير ما نلح عليه في طرح الأسئلة لكن يتحدث قليلا ثم ينصرف إلى ما قدمه الآخرون.. ولمن لا يعلم فالوالد رحمه من مواليد جبن محافظة الضالع– وكانت جبن تتبع محافظة البيضاء حسب التقسيم الإداري في الماضي- عام 1936م، وما أن وصل عمره الثامنة عشرة حتى صار شيخ مشايخ جبن وعمره 18 سنة، ثم عامل وقائد منطقة جبن، وكان رحمه الله وبشهادات كثير من رفاقه شخصية قيادية مؤثرة منذ الصغر، ربما لمجالسته الطويلة-التي كان يتحدث عنها باعتزاز وانتماء كبيرين- لوالده -جدي- الشيخ صالح مجلي.. حيث كان جدي هو ربّ أسرة آل مجلي في جبن ومن بعده أخيه الشيخ علي مجلي رحمهما الله جميعاً، وقد جالسه الوالد كثيراً ورافقه في رحلاته التي كان من أهمها رحلته إلى تعز حيث قابل الإمام أحمد في صالة حسب ما حكي لنا..
ما كان سبب الزيارة.. وماذا قال والدك عن الامام أحمد..؟!
– ليس ثمّة سبب محدد يذكر، ولكن كون جدي شيخ مشايخ جُبَن كان لا بد أنه يزور الإمام (الحاكم) لمناقشة القضايا المتصلة بالمديرية مثلاً.. الأهم من ذلك أن الوالد حكى لنا أنه قابل الإمام أحمد برفقة جدي علي مجلي، وكان لدى والدي الرغبة بأن يسافر إلى جمهورية مصر العربية للتعليم، ولعلم جدي بهذه الرغبة فقد طرحها على الإمام أحمد.. غير أن ذلك لم ينجح…
هل رفض الإمام تلبية رغبة والدك..؟! ومتى كان ذلك..؟!
– لا.. لم يرفض، لكنه لجأ إلى حيلة ذكية، حيث فاجأ الوالد بسؤاله له: «تشتي تقع شيخ مثل أبوك أم تشتي تدرس في مصر»؟ فرد الوالد على سبيل الاعتزاز دون ان يدرك ما سيترتب على رده من قرار الإمام في التهرب من حجج تلبية رغبة والدي في التعليم: (لا.. اشتي أتعلم أقع شيخ مثل بوي).. فقال الأمام: “خلاص.. ارجع البيت واجلس عند أبيك أحسن لك”..
أما متى كان ذلك فلم يذكر الوالد تاريخا محدداً.. لكنه كان على ما اعتقد وحسب مقارنة الأحداث فقد كان في مطلع الخمسينات بعد ثورة 48م الدستورية التي كانت قد بذرت الهاجس الثوري لدى رموز الحركة الوطنية حسب ما كان يتحدث الوالد..
ماذا عن انضمام والدكم إلى مسار النضال الثوري والوطني..؟!
– حسب ما كان يتحدث به وهو ورفاقه من مشائخ مديرية جبن أنهم كانوا أول من أيد الثورة في المنطقة خصوصاً وهي جاءت بعد محاولتين ثوريتين هما ثورة 1948م الدستورية، وثورة 1955م.. وحدث أن طلبت قيادة الثورة في صنعاء من مشائخ جبن، تجنيد شباب ليذهبوا للقتال مع الثورة والدفاع عنها، فجندوا من المديرية كاملة، وقالوا من يقود هؤلاء الشباب؟ عرضوا الأمر على كثير من المشائخ وكانوا كبار السن فلم يستجب أحد منهم، فبادر الوالد رحمة الله عليه وقال: أنا سأقود الحملة، فقال جدي علي-الذي كان يومها شيخ مشايخ جبن بعد أخيه جدي صالح-: إذا أنت ستقود الحملة يجب أن يوقع لك الجميع، بأنك شيخ مشائخ الضمان في المديرية.. قالوا وأنت يا شيخ علي..؟ قال: «أنا متنازل بها له.. الآن هو زمان هؤلاء الشباب ونحن ندعمهم بالرأي والمشورة»، وبالفعل تم ذلك، وانطلق بالحملة وهو على رأسها للحروب على الملكيين..
ما هي المعارك والمواقف التي ذكرها لكم الوالد وكان له دور فيها..؟! وماذا عن قصة صعوده إلى عيبان وفك الحصار عنها..؟
– كما أشرت لكم أن الوالد كان لا يحدثنا كثيراً عما قام به من نضال تواضعاً منه ونكران ذات، ولكن المعارك والمواقف التي كان لها بصمات واضحة علمنا أغلبها من رفاقه خصوصا أولئك الذين دون مذكرات وأجريت معهم لقاءات في مناسبات وطنية مختلفة.. وكان من أهم الجبهات التي شارك فيها الوالد.. المشاركة في فك حصار كوكبان وعيبان.. ولعل أهم ما حدثنا في هذا السياق ونحن صغار بأن عيبان وما حولها كانت ملكية وكان من الصعوبة على القوات المسلحة النظامية سواء المصرية أو اليمنية الصعود إلى عيبان لأن القوات الملكية متمركزة هناك، فكان أن استطاع الوالد ومجموعة من القبائل الذين معه من البيضاء وبحماية الجيش أن يصعدوا إلى الجبل بحيث يضعون موقع قدم، وكان الشهيد محمد محمود الزبيري والقاضي عبدالرحمن الارياني قد جاءا صباح ذلك اليوم فوجدا أن الطريق مُغلقة ولا أحد يستطيع فتحها.. وحين عادوا وهم برفقة قائد القوات المصرية في اليمن اللواء محمد فوزي في عصر ذلك اليوم وجدوا الطريق قد فُتَحَت.. سألوا عن من وكيف تم فتح هذه الطريق..؟! فردوا عليهم من كانوا شهوداً على كيفية فك الحصار وفتح الطريق بـ:”أن قبائل من البيضاء وقيفة تمكنوا من ذلك بقيادة شيخ شاب اسمه (عبدالرزاق صالح مجلي).. وبحكم علاقة القاضي عبدالرحمن الارياني بأهل البيضاء وقيفة ومشائخها سأل عن الشيخ عبد الرزاق مجلي.. ومن هو.؟ فقيل له: إنه ابن الشيخ صالح مجلي.. فكتب أبو الأحرار محمد محمود الزبيري رحمه الله رسالة طويلة لا أتذكرها ولا يتسع المقام هنا لنشرها، لكن مختصر القول أن الزبير أشاد في الرسالة بشجاعة وبسالة الوالد عبد الرزاق مجلي، مختتماً تلك الرسالة بقوله: «إنك يا بني بصعودك وفتحك لهذا الاتجاه انما تذكر بصعود أول رائد إلى الفضاء أو إلى القمر»..
أما فك الحصار عن كوكبان فيذكر لنا الوالد إن كوكبان كانت محصنة بالملكيين وأن هناك مناضلين من القوات المسلحة والمشائخ استطاعوا أن يقتحموا البوابة، لكنهم دخلوا إلى كمين أعده الملكيون، فأحكموا حصار أولئك المشائخ والأفراد والذين كان الوالد من ضمنهم، وكان أفراد من الملكيين الذين نصبوا الكمين على معرفة بجدي صالح عندما كانوا عُكْفةً للإمام في جُبَن، فعرفوا الوالد وعرضوا عليه الإفراج عنه فقط، إلا أنه رفض ذلك إلا بخروج حميع زملائه، وقال: (لقد أتينا للدفاع عن الثورة والجمهورية إما ننتصر أو نفنى دونها) وفعلاً تحقق لهم النصر بإذن الله.. كما شارك الوالد بعدها في معارك كثيرة ومواقع متعددة لا يتسع المجال لذكرها.. غير أنه من الواجب الإشارة إلى أنه اشترك مع الشيخ أحمد ربه العواضي ومجموعة مشائخ ومقاتلي البيضاء في فك حصار نقيل يسلح الشهير الذي يعتبر منفذ العاصمة صنعاء الجنوبي إلى ذمار وتعز وإب وباقي محافظات الجمهورية التي تقع جنوبا من صنعاء..
تذكر بعض المذكرات أن مشايخ من قبائل من البيضاء ومنها مديرية جُبَن، كانوا ملكيين بل رافضين للثورة وكان لوالدك دوراً مميزاً في الحوار معهم وتعريفهم بفكر وأهداف الثورة وحقيقتها…. فماذا عن ذلك الدور..؟!
– صحيح.. وهذه طبيعة أي عمل ثوري يظل في وجهة نظر المجتمعات غير مبرر حتى يعرفوا أهدافه ومساعيه خصوصا من ثقاة المجتمع وشخصياته المؤثرة.. وبالتالي كان هناك أناس من كبار مشائخ المنطقة، ملكيون، ومنهم “جرعون”، كما كانت رداع وقيفة وقبائل أخرى رافضة للجمهورية والثورة، وعلى ما أتذكر من أحاديث كثير من رفاق الوالد الثوريين الذين كانوا ينضوون تحت قيادته، رحمه الله: أن الوالد كان على علاقة جيدة بالآخرين، من المشائخ والشخصيات الاجتماعية المؤثرة، فنجح – بحكم ثقة الناس به وبمنطق ما يتحدث به عن الثورة السبتمبرية وأهدافها الحقيقية، وأنها لم تأتِ لتخرج اليمن إلى طريق غير ديني عكس ما كان الملكيون يروجون له، بل هي ثورة تحترم القيم والمبادئ والإنسان والدين- أن يجمع هؤلاء المشايخ والناس ويضمهم إلى صف الثورة.. غير أن الأهم هو القيم التي كان الوالد مستميتاً عند خطوطها هي أن الثورة السبتمبرية الخالدة (26 سبتمبر 1962) كانت هي اللبنة الأولى لانعتاق اليمنيين من ظلم الحكم الإمامي الذي لم يثر عليه الشعب اليمني من منطلق من يحكم البلاد ومذهبه أو قبيلته أو سلاليته، بل لأنه نظام فردي قائم على الاستبداد.. كما كان كثيراً ما يردد على مسامعنا بأن ثورة الـ 26 سبتمبر 1962م هي المنطلق الأساسي لثورة الرابع عشر من أكتوبر وهي مبتدأ المسار الصحيح باتجاه إعادة تحقيق الوحدة اليمنية.. لذلك كان الوالد على مدى حياته حتى مماته في العام 2000م، متمسكاً بقيم النظام الجمهوري بكل حذافيرها رافضاً الانضمام إلى تنظيم سياسي بالمطلق..
مقاطعا- لكن حسب كثير من المراجع والمذكرات أنه كان محسوباً على الناصريين في زمن الرئيس الحمدي بحكم ملازمته له، وكذلك بعد اغتيال الشهيد الرئيس الحمدي..؟
– أعرف أن ذلك كان يقال ويردّد، لدى كثير ممن انجرفوا في تصنيف المناضلين السبتمبريين والأكتوبريين، لكني هنا أتحدث عن رأي والدي، وثقافته التي أبت التأطير في أي حزب سياسي، ليس رفضاً للحزبية بل إيماناً بأن الثورة السبتمبرية والأكتوبرية هما حزب الجميع، وهما ثورة واحدة كل اليمنيين من كل مناطق اليمن قدموا فيها تضحيات جسام.. وبالتالي لم يكن هذا التصنيف يحمل أي أهمية في رأي المناضلين الوطنيين.. وبالنسبة لملازمته للرئيس الراحل إبراهيم الحمدي، فكانت منطلقة من كون الرئيس الحمدي والوالد رحمهما الله على انسجام كبير في مسار النظام الجمهوري والثورة السبتمبرية، فقط، لكنه كان يختلف معه فيما يتعلق بفكر الحزبية (الأيدولوجيات).. وأتذكر أنه كان يرد على كل من يسأله أو يصنفه على القوى الناصرية بحكم ملازمته للحمدي بقوله: “أنا مع الحمدي مادام مع الثورة والجمهورية وأميناً عليهما أما غير ذلك فلا”..
أشرتم إلى إيمان والدكم بواحدية الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر.. هلا وضحتم لنا أبرز ما كان يقصه والدكم الراحل المناضل عبد الرزّاق مجلي في سياق تكاملية الثورتين وذوبانهم في نموذج تحرري واحد…؟!
-كان على إيمان كبير بذلك، نعم، بل كان له ولرفاقه من مناضلي مديرية جبن، أدوار نضالية في شمال الوطن بحكم التقسيم الإداري حينها حيث كانت مديرية جبن تابعة للبيضاء.. وفي جنوب الوطن حيث كانت عدن مسرحاً لكل رموز الحركة الوطنية ومتنفساً كبيراً قبل مضايقة الإنجليز لتلك الرموز، وحين قامت ثورة 26سبتمبر كانت تمدها بالزخم الثوري وعودة المناضلين فيها مع رفاقهم من أبناء محافظات الجنوب إلى جبهات الشمال.. وبالتالي لم يقتصر نضال الوالد رحمه الله على الثورة اليمنية 26سبتمبر 1962م بل شمل النضال ضد المستعمر البريطاني ودعم ثورة 14 أكتوبر 1963م.. ومما عرفناه في هذا السياق، إنه بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م مباشرة تولى الوالد قيادة مديرية “جُبَن”.. وقبل انفجار ثورة 14 أكتوبر 1963م بشهر واحد وصلت إلى مدينة جبن صفقة سلاح ثقيل ومتوسط وخفيف، من صنعاء، وتم تخزينها في بيتنا وفي بيوت بعض رجال جبن ، تم بأمر مدير المديرية الوالد الشيخ عبد الرزاق مجلي إحضار الجمال والدواب لنقل تلك الصفقة إلى ردفان قبل وجود خط السيارات.. وتم تسليم الأسلحة للثوار في ردفان الذين فجروا ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م ضد الاستعمار البريطاني..
والمهم هنا الإشارة إلى أن الهدف المحوري الذي ترتكز عليه الثورتين حسب أحاديث الوالد هو إعادة تحقيق الوحدة اليمنية كأهم حلم في وجدان اليمنيين، معتبراً إن ثبات النظام الجمهوري في صنعاء ورحيل آخر جندي بريطاني من عدن، هي بداية حقيقية وامتحان أصعب أمام المناضلين الوطنيين الذين ضحوا تضحيات كبيرة في محافظات الشمال ومحافظات الجنوب، وان التخلف يوم واحد عن إعلان الوحدة بعد الاستقلال خذلان واضح من القيادات في الشطرين لتلك التضحيات الجسام..
برأيكم شيخ خالد لماذا لم تعلن الوحدة اليمنية حينها..؟ وماذا كان رأي والدكم المناضل عبد الرزاق مجلي من هذا التأجيل..؟!
-القيادات في الشطر الجنوبي اعتبروا ما حدث في صنعاء من حركة 5 نوفمبر 1968م والتي أزاحت السلال وجاءت بالقاضي عبد الرحمن الإرياني حركة “رجعية” لا تلبي استحقاقات الوحدة اليمنية.. فذهبت الأحداث باتجاه آخر باتجاه الصراع في الجنوب والذي احتدم بعد الاستقلال بين الجبهة القومية وجبهة التحرير.. وبالنسبة لرأي الوالد ورفاقه من المناضلين السبتمبريين والأكتوبريين فقد شكل هذا التأجيل صدمة كبيرة وأصبح الدرب الوحدوي في نظرهم ملغماً بتحديات جمة، تتطلب مزيدا من التضحيات والصمود على مبادئ وقيم الثورة السبتمبرية الأم والثورة الأكتوبرية الوليدة.. ومما أتذكره عن حقبة السبعينيات وما شهدته من توترات في مناطق التماس وما كان يبذله الوالد ورفاقه من جهود لإطفاء النزاعات والمواجهات والصمود أمام المد الاشتراكي الذي كان يحاول اسقاط النظام في الشمال في حرب 1972م بين الشطرين..
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام هو أن القيادي اليساري في الشطر الجنوبي علي عنتر الذي أسقط كثيرا من المناطق التماسية، وتحت هدف اجتياح الشمال وإسقاط نظامها وتحقيق الوحدة بالطريقة التي يريد، فيما صمدت جبن، فكان يقول لجنوده من يمنعكم من إسقاط مديرية جبن، فقالوا له: “الشيخ عبدالرزاق مجلي” فقال: “هل معه جيش..؟ قالوا: لا.. معه شباب من المنطقة. فقال: اقنعوه، فقالوا: رافض ولم يقتنع.. بل يقول لنا: أي مطالب سياسية يجب أن تكون عبر صنعاء وعدن وليس عبر قتل الأبرياء”.. فقال عنتر يومها كلمة شهيرة (أدوا لي بن مجلي، وأنا أحبه في جبينه، واقتله بيدي، هذا رجال ولا يقتله إلا رجال).. وللحقيقة كانت قناعة الوالد أن الهدف والمشترك الأسمى بين ثورتي سبتمبر وأكتوبر لا يمكن له أن يتحقق سلمياً فكان يشتري سلاحاً ويخزنه بأي مبالغ مالية من حر ماله، أو أي اعتمادات يحصل عليها من الدولة وهي ضئيلة.. وأتذكر أنه بعد حصار السبعين وتأمين الثورة والجمهورية أصدرت الدولة قراراً بسحب الأسلحة الثقيلة من المشائخ والقيادات القبلية، غير أن الوالد رفض تسليم السلاح أولا لأن معظمه من حُرّ ماله الأمر الآخر، لأنه يسعى لتثبيت الأمن في المنطقة كونها حدودية وضعيفة.. وحدثت خلافات مع قيادات النظام الجمهوري في صنعاء.. وللانصاف في حق الوالد حسين المسوري، الذي كان معنيا حينها بسحب الأسلحة، أخذ المسألة بعقلانية، وحول القضية إلى القضاء العسكري الذي حكم لصالح الوالد الذي اقنع القضاء بحجة منطقه وحساسية موقع المديرية الحدودي.. وهناك قصص كثيرة جداً كان يحكيها الوالد حول المعاناة والتضحيات والحروب الشطرية التي شهدتها اليمن، وكيف شكلت الوحدة اليمنية 22 مايو 1994م مخرجاً من تلك المحن والمصائب التي كانت تنزل على المواطن خصوصا في المناطق الحدودية…..
ما هي قراءاتكم شيخ خالد أو توصيفكم للمشهد اليمني الداخلي.. في ظل العدوان والحصار؟!
– قراءاتنا للوضع اليمني يمكن اختزاله في مسارين، الوضع الإنساني حيث الكارثية والمأساوية بكل تفاصيلها بسبب العدوان الذي إلى جنب ارتكابه المجازر البشعة بحق المدنيين، طال أيضا الجانب الخدمي الصحي والطرقات ومرافق التعليم والتجمعات السكنية وصالات الأعراس والأسواق، وكذلك بسبب الحصار الجائر الذي خنق المعيشة للمواطن ومنع الدواء عن المرضى وسجن اليمنيين داخل الوطن وخارجه.. أما قراءة الوضع في المسار المقابل لهذه المأساوية فهناك مسار الصمود التاريخي الذي لم يكن يتوقعه العدوان ودوله المتحافلة والمتكالبة على اليمن.. لإخضاعها وإذلال شعبها.. وبالتالي هناك تداعيات كارثية ترافق معها تواطؤ دولي كبير غيب الدور الإنساني للأمم المتحدة بل فضحها على حقيقتها في الوقوف إلى المال السعودي.. لكن هناك صمودا يمنيا مشرفاً على مختلف الجبهات للعام الثالث التوالي رغم حجم التحالف..
إلى أي مدى أضعفت الصراعات السلطوية الداخلية اليمنيين..؟ وكيف أضحت اليمن هدفا للأطماع الخارجية..؟
– الصراعات والنزاعات الداخلية ومنذ الربيع العربي في 2011م لعبت دوراً كبيراً في إضعاف اليمنيين بالتأكيد، معززة بذلك أطماع المتربصين باليمن ووحدته وثروته وموقعه الاستراتيجي.. صحيح أن هذه الأطماع ظهرت في البداية على شكل مبادرات سياسية تحمل شعارات الحفاظ على أمن اليمن واستقراره ووحدته.. لكنها كانت تستهدف استمالة هذا الطرف أو ذاك.. تمهيداً لفكفكة القوى السياسية اليمنية، ووصولا إلى هذا العدوان غير المسبوق في تاريخ اليمن السياسي.. ولا زالت دول تحالف العدوان حتى اللحظة تراهن على شق الصف الوطني الذي تبقى وشكل الوجه المشرق لهذا الصمود التاريخي.. وهنا في النقطة رغم أننا نؤمن إيمانا صادقا بأن قيادة شريكي هذا الصمود ممثلة بالزعيم علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية الأسبق رئيس المؤتمر الشعبي العام، والسيد عبد الملك الحوثي قائد ثورة 21 سبتمبر على إدراك تام برهانات دول تحالف العدوان.. وأنهما مع عقلاء وشرفاء اليمن المواجهين للعدوان والحصار والحروب أي كان شكلها سيخرجون اليمن إلى بر الأمان.. إلا أننا ندعو عبر هذا المنبر صحيفة “الثورة” إلى مزيد من الحيطة والحذر من تحقيق أهداف العدوان، وأن يتماسكوا أكثر مما مضى، فكلما كان تماسكهم أكثر عزز ذلك انتصار الجبهة الداخلية على العدوان والغزاة والمرتزقة..
للعام الثالث على التوالي.. واليمن تحت ذريعة إعادة الشرعية… برايكم ما الذي حققه العدوان..؟!
– هناك كثير من الاختراقات التي حدثت على الأرض خصوصا في المحافظات الجنوبية والشريط الساحلي، وفي مارب، لكنها اختراقات مؤقتة.. صحيح أن العدوان حقق أهدافه المعلنة في شل الأجواء وإحكام الحصار، لكن هناك أهدافا خفية خلف تلك المعلنة والمدثرة بشعارات زائفة أو حجج واهية، ومن تلك الأهداف التي تنم عن حقد دفين، قتل المدنيين الأبرياء في الأسواق والتجمعات السكنية والتجمعات البشرية في صالات العزاء والأعراس، وفي موارد المياه والجوامع والمنازل، كل هذه الجرائم محاولة لإيلام المجتمع اليمني في قواه البشرية.. وكذلك تدمير البنية التحتية التنموية في المجال العسكري والصحي والصناعي والتعليمي وغيرها كما طالت المآثر التاريخية والمقابر.. ورغم كل هذه الأهداف المعلنة والخفية التي يسعى العدون من وراء تحقيقها إلى إخضاع الشعب اليمني، لكنها باءت بالفشل، فلم ولن تنكسر الإرادة اليمنية، وهذا انتصار كبير في أن العام الثالث للعدوان يمر فيما اليمنيون صامدون في الوقت الذي بات المعتدي يبحث عن مخرج يخلصه من الورطة في المستنقع اليمني القاتل.. إذ لم تعد المسألة مسألة صمود ودفاع فحسب بل تغيرت معادلة المعركة إلى الهجوم والوصول إلى العمق السعودي..
برأيكم ما الذي جعل اليمنيين يصمدون بهذه الصورة التاريخية..؟ وكم لا زال بمقدور اليمنيين الصمود ومواجهة العدوان..؟!
– إذا ما عدنا إلى التاريخ اليمني الحضاري والسياسي، سنلمس أن طبيعة اليمن عصية على الغزاة بل هي مقبرة الغزاة.. وإن طبيعة أهلها أباة على مشاريع التقسم والإخضاع والإذلال.. وإذا ما قرأنا محطات التاريخ التي تعرضت فيها اليمن للغزو كانت في ضعف وصراع ابنائها.. ومتى ما استشعروا خطر الصراعات وان بلدهم قد تسلب أو قد سلب جزءا منها من حكمهم وسيادتهم، تجمعوا وبإيمانهم بأنهم أصحاب حق وأنهم مظلومون.. فإنهم ينتصرون صموداً ليحيلوا أرضهم إلى مقابر للغزاة لا زالت شاهدة على صمود حتى اليوم، أو ينتصرون ويطردون الغزاة جبراً بعد إلحاق الهزائم والخسائر بهم.. وهذه أهم عوامل صمود اليمنيين في وجه العدوان للعام الثالث على التوالي..
أما كم لا يزال بمقدورهم الصمود.. فسيصمدون عشرات السنين ليس لأنهم أظهروا المعجزات في الصمود أمام تحالف 17 دولة وللعام الثالث على التوالي بل ولأن تاريخهم مليء بمعجزات الصمود والتضحية وطرد الغزاة البرتغاليين والشراكسة والعثمانيين والبريطانيين وغيرهم..
ماذا يعني لكم الاتفاق السياسي بين المؤتمر الشعبي العام وانصار الله والقوى الوطنية المناهضة للعدوان..؟!
– الاتفاق السياسي التاريخي بين رموز القيادة الوطنية ممثلة بالزعيم علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية الأسبق رئيس المؤتمر الشعبي العام وبين السيد عبدالملك الحوثي قائد مكون (أنصار الله)، يعني لنا ولليمن ككل شوكة النصر الذي جاء في الوقت الحرج لينقذ الوطن من التشرذم والشتات والدمار في ظل هذا التحالف العدواني بقياد نظام آل سعود.. هذا الاتفاق يعني لنا الدستور الذي جدد روح النظام الجمهوري والشرعية الشعبية الحقيقية، وأعاد لليمنيين ضبط بوصلة السلاح والكفاح والصمود في وجه كل من يعتدي على أرضنا.. نحن مع الاصطفاف، نحن مع من يواجه العدوان والحصار واستمرار الصمود حتى الأخذ بحقنا وثأرنا من قتلة أطفالنا ونسائنا ومن دمروا مزراعنا ومصانعنا ومعايش حياتنا..
هل نفهم من هذا استمرار الحرب.. وأنه لا سلام ولا مفاوضات..؟! وما رأيكم في ما يجري في الداخل من بعض الأحداث التي يتناولها الإعلام الخارجي بأنه صراع حوثي مؤتمري سيقود الوضع إلى الإنفجار..؟
-بالعكس من ذلك تماماً.. نحن مع السلام والخير والأمان.. إذا جنح العدوان إلى السلام وكف يد القتل والتنكيل باليمنيين.. أما في حال استمراره أو في حال حاول الغزاة الاستمرار على أراضينا فلا سلام، لليمن ولا سلام للمنطقة.. نحن مع من يريد السلام المشرف للوطن والمبني على صون سيادته، وليس الاستسلام لأي عدو أي كان جبروته.. وهذه هي المنطلقات التي استقيناها من ثقافتنا عبر التاريخ وعززها جوهر الاتفاق السياسي بين شريكي الصمود التاريخي..
وبالنسبة للأحداث التي قد تحصل هنا أو هناك فمؤلم لنا سماعها، كتصرفات غير مسؤولة تسيء للجبهة الداخلية المتماسكة للعام الثالث على التوالي.. وتعطي كما أشار سؤالكم لإعلام الخارج المعادي فرصة التخرصات والتكهنات.. المختلفة لكن إيماننا كبير بأنها لا تعبر عن القيادة العليا ولا تعبر عن العقلاء في الطرفين.. القيادة قادرة على احتوائها.. ولنا بما حققه المجلس السياسي بقيادة الأخ صالح الصماد ونائبه وأعضاء المجلس من احتواء وإنهاء كل التوترات التي تسبب فيها حادث جولة المصباحي في العاصمة صنعاء.. رغم أن الاعلام الخارجي كان قد صور للعالم أن العاصمة تشتعل وأن التحالف على أبواب العاصمة وأن وأن….. إلخ.
وما توقعاتكم أو رؤيتكم لما يجب ان يأتي عليه السلام بين اليمن ودول الجوار خصوصا المملكة العربية السعودية..؟!
– اليمن عبر التاريخ متعايشة مع دول الجوار واليمنيون والخليجيون أشقاء إذا ما تحدثنا عن شعوب الخليج والشعب اليمني وحتى الأنظمة.. لكن ما حدث من عدوان وجرائم إبادة في اليمن سيؤثر في المستقبل العلاقات بين اليمن والخليج بالتأكيد.. خصوصاً إلى إذا لم يتم هناك حوار يمني سعودي حول حيثيات وأسباب ومسؤوليات ما ألحقه العدوان من قتل وتدمير لكل مقومات الدولة اليمنية ولكل مقومات وثروات وموارد الشعب اليمني.. أما إذا تحملت دول العدوان وعلى رأسها المملكة العربية السعودية كافة مسؤولياتها الجنائية والقانونية والأخلاقية عن تلك الجرائم فإن الحلول قريبة واليمن قيادة وشعبا، بلد يحب السلام ويريد السلام والتعايش إذا ما تم احترام سيادته ووجوده ووحدة أراضيه..
بالإشارة إلى المحافظات الجنوبية وتسلم القوات الأماراتية والسعودية لأدق التفاصيل فيها، وما ذكره الإعلام من تأجير جزيرتي سقطرى وميون وموانئ عدن للإمارات… كيف تنظرون لما يجري..؟!
– لسنا سياسيين أو لنا ضلع معرفي واسع في المجال الاقتصادي والجغرافي.. ولكننا كمواطنين يمنيين نرفض العدوان ونأبى أن يباع أو يؤجر شبر واحد من اراضي اليمن الحبيب.. وما نراه هو أن هناك تقسيما للكعكة بين دول تحالف العدوان خصوصا السعودية والامارات.. وستتكشف الأيام القادمة أن الامارات والسعودية ليستا سوى أدوات لقوى استعمارية أكبر.. لكن هذا الوضع كما ذكرت لكم سابقاً لن يستمر.. وعما قريب سيرحل الغزاة لأن اليمن ليست لهم وإن أصروا فهي مقبرة الغزاة.. أقول هذا وأنا على ثقة بالنصر انطلاقا من قضيتنا العادلة.. فأنا كيمني أعرف تاريخ بلدي وتضحيات أهلها في طرد الغزاة، والمسألة مسألة وقت قصير كفيل بأن ينهض الشعب اليمني مهما كانت ضروفه ويعود لم الشمل من جديد، ونواته الحقيقية في صنعاء (الاتفاق السياسي).. فالمحتل البريطاني رحل ودخلنا كيمنيين في صراعات لكن في نهاية المطاف توحدنا والتقينا وبنينا معا بلدنا..
إخواننا في المحافظات التي أصبحت مسرحا للفوضى يتعرضون لأبعش المعاناة، هناك من يريد إذلالهم وقد استشعر الكثير منهم مآلات الأحداث، وأدرك الجميع أن لا مفر من القبول ببعضهم البعض للحفاظ على ما تبقى من موارد اليمن وثروتها واستعادة ما سقط بيد الغزاة..
هل من كلمة أخيرة تود قولها في ختام هذا الحوار..؟!
– أريد أن أتقدم بالتهنئة القلبية الخالصة لعموم أبناء الشعب اليمني بمناسبة الذكرة الـ 55 لثورة الـ26 من سبتمبر الخالدة في الداخل والخارج ، وإلى المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الوطني ، داعيا في نفس الوقت عقلاء اليمن إلى النظر بعين المسؤولية إلى النفق المظلم الذي وصلت إليه بلادنا، فقد آن الأوان أن يجلس الجميع إلى مائدة حوار مشترك دون إقصاء لأحد، فالجميع خاسر والرابح الوحيد من هذه القيامة التي تعصف ببلادنا هم أعداء الشعب اليمني، وأعداء أمتنا الذين لا يريدون لنا الخير والسلام والرخاء..
اليمن بيتنا جميعا ونحن أهل وقد آن أوان المصالحة وتجاوز صفحة هذه الفتنة البغيضة، ولن يتوقف العدوان على بلادنا وشعبنا إلا إذا رأى المعتدون أن سيوف سبأ قد اتحدت مرة أخرى حينئذ لن يجرؤ علينا أحد.

قد يعجبك ايضا