فساد ناعم يغزو ميدان التعليم الأساسي في اليمن

استطلاع /أحمد الطيار –

بدأت المجاملات تغزو ميدان التعليم في اليمن كنوع من الفساد الناعم وهو ما يقود إلى انهيار العمل التدريسي في الميدان من جهة والأضرار نفسيا ومعنويا بالمعلمين والمعلمات الملتزمين بواجبهم في الميدان من جهة أخرى .
وتنتشر حاليا في مدارس أمانة العاصمة والمحافظات مزايا تحويل المدرسين والمدرسات للمواد العلمية والنظرية إلى إداريين لا علاقة لهم بالتعليم مطلقا فيما يتحمل أخرون مسألة الاحتراق والضغط من العملية التعليمية داخل الفصول المزدحمة بأكثر من 80 طالبا وطالبة ويحافظ هؤلاء الإداريون والإداريات على صحتهم وجمال مظهرهم من الضغط والاحتراق النفسي مقابل وجود من يدعمهم ويسهل لهم هذه الوظيفة من مسئولين كبار في المكاتب والوزارة رغم انهم مسجلون في واقع كشوفات الرواتب على انهم مدرسون وعليهم حصص يومية في الجدول كمخالفة صريحة وواضحة لقانون المعلم وتعكس الطريقة الغشاشة والمجاملات الحزبية الكبيرة.

في مدرسة للبنات بأمانة العاصمة يبدو أن الفساد ينمو فيها بشدة حيث يوجد بها عد من الإداريات يقارب عدد المدرسات العاملات في الميدان وهؤلاء الإداريات يتمتعن بمزايا الراحة وعدم إرهاق انفسهم بالتعليم في الصف والاحتراق والضغط على يد الطالبات بل جل عملهن رصد الغياب الإشراف على دور معين أو الإشراف على الطابور أو الإشراف على لوحة معينة أو حتى الإشراف على الزي المدرسي وهكذا هناك أعمال بسيطة يتم تفريغ مدرسة فيزياء أو رياضيات أو كيمياء أو لغات لها وتنتهي الاستفادة منها في الميدان لان قريبها شيخ قبلي أو مدير مكتب أو وزير أو غير ذلك وهو لايرغب لها أن تتعب في الفصل مع الطالبات .
نماذج للمجاملات.
معلمة شابة حديثة التخرج توظفت مباشرة بوساطة من مسئول كبير عملت في الميدان سنة واحدة وبعدها ترقت إلى إدارية كمسئولة عن رصد الغياب في شعبة واحدة أي ثلاثة فصول فقط كل ذلك من خلال استلام كشف من رئيسة الفصل يوميا عن حالة الغياب وهكذا تمضي يومها في المدرسة مرتاحة البال بدون تعب أو شعور بالمسئولية فيما زميلاتها يواجهن المصاعب داخل فصل طاقته 70 طالبة في الفصل والغريب أن تلك المدرسة تخصصها الأساسي لغات .كما توجد معلمات أخرى تخصصهن مواد علمية للمرحلة الثانوية تم تحويلهن لمشرفات فنون ورياضة وحتى طابور الصباح كل ذلك لان لهن أقارب مسئولين في الحكومة ويحرصون على أن لا تتعبن انفسهن بالتدريس .
أوضاع مأساوية
لا يعرف الكثير من مسئولي التربية والتعليم ماذا يعاني المدرس والمدرسة في الميدان وكيف يلاقون تعبا وضغطا نفسيا في فصل مزدحم ب70 طالبا أو طالبة كما في أمانة العاصمة وبعض المحافظات وما تسببه لهم من إرهاق وضغط وحريق دم كما يقولون ذلك أن السبب الأول والأخير يكمن في أن هؤلاء المسئولين لم يكونوا يوما ما في الميدان بل صعدوا وفقا لسياسات حزبية ومجاملات قبلية ومشيخية وغيرها وهكذا هناك انفصام بين الإدارة التعليمية وبين الواقع على الميدان فالمدير لم يكن يوما عارفا بمشاكل المدرسين في المدارس ومستوى التعب الذي يعانونه كما لا توجد مراعاة لمكانتهم ومقدار الأعباء الملقاة على عاتقهم وفوق ذلك لا يحصلون سوى على رواتبهم ولا يجدون بدل علاج أو بدل مظهر أو بدل سكن ويعيشون أوضاعا صعبة في الدخل فهم اكبر فئة في المجتمع ليس لها دخل سوى راتبها .
معاناة
كل من يتحدث عن تطوير التعليم في اليمن لا يلقي بالا لوضع المدرسين والمدرسات في الميدان ولم نلحظ أية توجهات للارتقاء بوضعهم ومستوى معيشتهم لمواجهة الأعباء الملقاة على كاهلهم ونظرا للوضع السيء الذي يعيشه المعلم والمعلمة نجد الكثير من الحالات التي تسعى للهرب من الحصص المدرسية والتوجه ليكون إداريا أو إدارية حيث يحافظ على صحته على الأقل ولا يتعب ويحرق أعصابه يوميا وهذا ما يحدثنا به الأستاذ القدير عبد الغني الباهلي مدير مدرسة بصنعاء قائلا هناك اختلالات كبيرة تسود علمية التعليم حاليا ليس طرفه المعلم أو المعلمة بل الإدارة العليا للتعليم في اليمن فهذه الإدارة لم تراع وضع المدرس والمدرسة في الميدان ولم تحسن مستواه المعيشي حتى بات فقيرا فالمدرس الذي راتبه 60 الف ريال بصنعاء كيف يمكنه العيش به ودفع الإيجار ومصروف الأولاد والمنزل والعلاج وغيرها ¿ طارحا هذا السؤال على الحكومة والتي لم توفر للمدرس أي مزايا لا علاج ولا بدل مواصلات ولا بدل سكن أو حتى صرف بدلة سنوية أو أي مقابل وفوق ذلك يوجهون انتقاداتهم للمدرسين وان العملية التعليمة غير متطورة بسبب المدرس وهذا غير صحيح فلو أردت التطوير عليك أولا إعطاء المدرس حقوقه وتوفير مستوى معيشي لائق له بعدها سيتفرغ المدرس للعمل بذهنه وعقله وقلبه .
الازدحام
لا توجد في العالم فصول دراسية تزيد عن 30 طالبا بالفصل سوى في اليمن فهناك 70-100 طالب بكل مدارس أمانة العاصمة بنين وبنات بل وهناك فترات مسائية وهذا يلقى بضغوط على المدرس والمدرسة طوال 40 دقيقة حيث الإزعاج وعدم الهدوء والفوضى التي باتت سمة اليوم في الطلاب بالمراحل المختلفة ويشير المدرس سمير الثلايا إلى أن المدرس بالمراحلة الأساسية والثانوية يتعرض لكل أصناف التعسف من الطلاب وأولياء أمورهم ويواجه بعداء واضح منهم فلم تعد المسألة ذات احترام مباشر للمعلم ولم يعد الطلاب وأولياء أمورهم يكنون له التقدير بل يلقون عليه الملامة لفشل أولادهم وبناتهم دراسيا دون أن يكون للادارات المدرسية أي تعاون مع المدرس وهذه المشكلة الجديدةويشير المدرب التربوي محسن الاكوع إلى أن هناك تراجعاٍ في المسئولية الأخلاقية والتعليمية لدى الطلاب اليمنيين بشكل عام نتيجة للظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسة التي تمر بها البلاد فلم يعد الاهتمام بالعلم قويا واصبح التعليم والذهاب للمدرسة أشبه بروتين يومي للطالب ويضاف لذلك الازدحام والذي يسبب تشكيل شلل من الطلاب والطالبات لاتهتم بالعلم وتركز على إزعاج المدرس فحسب كما أن وسائل العقاب المحددة لم تعد تجدي معهم وهم في مكان مزدحم الكل يصرخ ويعمل الفوضى وغيرها.
الاضطهاد الجديد
يظهر نوع جديد من الاضطهاد للمدرسات والطالبات في مدارس البنات تقوده المديرات خصوصا تلك التي تزيد مدة خدمتهن عن 25 عاما فهؤلاء يرفضن فكرة القيادات الشابة والتغيير أصلا لأنهن عملن في فترات سابقة لها أبعادها السياسية وغيرها وتصف احدى المدرسات ما يعانينه من مديرتهن من قسوة واضطهاد تتمثل في إضافة عمل لهن بعد الدوام الرسمي خصوصا أيام الامتحانات حيث تأمرهن تلك المديرة بالبقاء في المدرسة دون العودة للبيت وتهددهن بالخصم من الراتب وعمل محاضر عقابية أن لم يلتزمن بالحضور كما تمارس تلك المديرة قسوة شديدة على الطالبات واضطهادهن في أسلوب الزي المدرسي ولاتراعي مستوى المعيشة للكثير من الطالبات واللاتي ليس لهن مقدرة على شراء أنواع راقية من الزي والشرابات والأحذية.
تعليم مسيس
كشفت احدى منظمات المجتمع المدني التي تراقب التعليم وجودته في اليمن أن مشروع إعادة توزيع المعلمين الذي تم البدء فيه خلال السنوات الماضية وبدعم من البنك الدولي لم يتم استكماله وهذا المشروع أثبتت الإحصائيات والدراسات أنه لو تمت إعادة توزيعهم وفقاٍ للنصاب القانوني للحصص في التقويم المدرسي لتمكنت الوزارة من الاستفادة من الكثافة المتواجدة في الميدان من المعلمين والذين لا يؤدون حصصاٍ إلا أقل من 50% من عدد الحصص المطلوبة منهم أو لا يؤدون أية حصص وكذلك تغطية العجز والاحتياج الحقيقي والنوعي بدل التوظيف العشوائي ويمكن الوصول إلى صفوف بمعدل 25 طالبا في الصف لكل معلم وبذلك يمكن أن تكون فصولنا نموذجية وأفضل من الدول المتقدمة.

قد يعجبك ايضا