استطلاع/ جمال الظاهري
خلا البيان الختامي لـ (مؤتمر حضرموت الجامع) من ذكر اسم اليمن, وضمن بيانه الختامي مطالب واضحة باستقلال ذاتي وبالسيادة السياسية الكاملة (لإقليم حضرموت)، وبحرية الخروج من الدولة الاتحادية – التي لا وجود لها أصلاً.
مخرجات البيان بنت على أساس فرض الأمر الواقع, في حين أن اليمن تخوض حرباً شرسة ضد تحالف عدواني عالمي اشتركت فيه أطراف دولية وإقليمية لها مطامع ومشاريع استعمارية لم تستطع تمريرها عبر عملاء الداخل فشنت عدوانها على اليمن أرضاً وإنساناً.
“الثورة” ومن خلال هذا الاستطلاع طرحت السؤال التالي .. لماذا وفي هذا التوقيت يعقد هذا المؤتمر ومن يقف خلفه؟ على عدد من الدكاترة والسياسيين وهذا ما خرجت به, نتابع:
انتكاسة للنخب السياسية
عبد الحفيظ النهاري – نائب رئيس الدائرة الإعلامية بالمؤتمر الشعبي العام:
-جاء البيان الختامي الذي صدر عن ما أطلق عليه (مؤتمر حضرموت الجامع ) بتاريخ 22 مارس 2017م، في سياق العدوان العسكري على اليمن والاحتلال لأجزاء منه، وفي سياق الأطماع الاستعمارية القديمة والجديدة، واستهداف اليمن أرضا وإنسانا، وتدمير مكتسبات ثورة 26 سبتمبر 1962م و14أكتوبر 1963م، ومكتسبات دولة الوحدة والديمقراطية 1990م.
ومن خلال هذا السياق يمكن لنا قراءة نص البيان واستخراج استراتيجيات الخطاب السياسي فيه.
فمن حيث الظاهر انطلق البيان من مخرجات الحوار الوطني، واتخذ منها فيما يتعلق بالأقاليم (التي لم تحظ بإجماع كل القوى المشاركة فيه( مرجعية ظاهرية، لأسباب تكتيكية، تتعلق في جانب منها بتبرير استمرار الحرب العدوانية علي اليمن، ومن جانب آخر بنوايا فصل حضرموت، ورغبة في اجتزائها وضم ولائها وقراراها للسعودية أو اقتسامها بين السعودية والإمارات.
تقسيم اليمن بالقوة
وفيما يتعلق بشرعنة واستمرار العدوان علي اليمن، فإن البيان قد حرص (بناء علي تكتيكات دول العدوان وبالذات السعودية والإمارات) على شرعنة العدوان على اليمن واستمراره، وذلك من خلال الصبغة الوحدوية الظاهرية للبيان، ومرجعية مخرجات الحوار الوطني، وتكريس شرعية الرئيس المستقيل، والمنتهية ولايته وصلاحيته، وشرعنة مخرجات الحوار الوطني المختطفة والمزيفة، وخاصة ما يتعلق بتقسيم اليمن إلي ستة أقاليم، وتبرير استكمال العدوان والاحتلال للعاصمة والمحافظات الشمالية الغربية المصنفة تحت مسمى (إقليم آزال)، وذلك لتمرير فصل حضرموت تحت غطاء إعلان استقلال الأقاليم بالصلاحيات المزعومة، التي لم تخضع لإجماع المشاركين في مؤتمر الحوار، واستكمال فصل الأقاليم وتقسيم اليمن وتجزئته بالقوة العسكرية الأجنبية المحتلة.
يحدث هذا في مواجهة رفض المؤتمر الشعبي العام لمشروع الأقاليم ورفضه القطعي المساس بوحدة اليمن أرضا وإنسانا في مؤتمر الحوار، وكذلك رفض مكون أنصار الله للتقسيم، ولوضع إقليم آزال بالكيفية التي رتبت نظريا لعزل إقليم آزال، بناء على تصنيف مذهبي وطائفي وعدواني بغرض حصار أبنائه.
النخبة الاقتصادية الحضرمية
يأتي البيان والمؤتمر الحضرمي على طريق تحقيق حلم السعودية القديم في امتلاك منفذ بحري علي البحر العربي (المحيط الهندي) يتجاوز مضيق هرمز (هروبا من مواجهة إيران عسكريا ولوجستيا).
تستغل السعودية النخبة الاقتصادية الحضرمية بالسعودية لدعم اتجاهات الانفصال وضمان تبعية حضرموت للسعودية وتمارس الضغط علي تلك النخبة لتمويل ودعم مثل تلك الاتجاهات، وكذلك تفعل الإمارات.
رفض التسهيلات
واجهت السعودية وأمريكا «القوى الرجعية والاستعمارية» لفترة طويلة خيبات في تحقيق طموحاتها تلك ابتداء بتوحيد الجنوب في دولة الاستقلال، ومرورا بوحدة الشطرين، ثم بسياسة الرئيس الوحدوي علي عبدالله صالح الوطنية الصارمة في رفضه منح أية تسهيلات للأمريكان في جزيرة سقطرى، أو منح السعودية منفذا بحريا علي بحر العرب عند ترسيم الحدود اليمنية – العمانية، وفي مفاوضات الحدود مع السعودية وتوقيعها، وكان ترسيم الحدود مع سلطنة عمان الشقيقة الخطوة الأولى للدفاع عن استقلال ووحدة التراب اليمني.
وضع استثنائي
ويأتي مؤتمر حضرموت المسمى (بالجامع) وما صدر عنه من بيان، في ظروف يتعرض فيه اليمن للعدوان والاحتلال العسكري المباشر، وهو وضع استثنائي يقوّض كل ما يمكن أن يترتب عليه من إجراءات إقليمية تحت الغطاء العسكري الأجنبي.
وبالنظر إلي تكرار البيان لما أطلق عليه خصوصية حضرموت الثقافية، فإن في ذلك تزييف كبير للتاريخ، وادعاء لا تقبله أغلبية أبناء حضرموت.
وفي وضع الاحتلال العسكري المباشر لدول العدوان وعلى رأسها السعودية والإمارات فإن دعاوى انفراد حضرموت باستغلال الثروة النفطية عن بقية الأقاليم، تصبح غير واقعية لأن الاحتلال هو من سيستغل وينهب ثروات اليمن الطبيعية ويوظفها في خدمته.
إجراءات باطلة
وتعدّ مثل هذه المطالب ـ التي تبدو في ظاهرها صلاحيات إقليمية لامركزية ـ تبريرا لنهب المعتدين والمحتلين العسكريين الجدد لثروات الوطن ومقدراته، وهي استكمال لمطامع العدوان الأجنبي والإقليمي علي حد سواء.
وبالتالي فإن تصنيف أية مطالب أو قرارات من هذا النوع إنما يخدم المحتل والمستعمر الجديد ـ القديم، وهو ما يجعلها باطلة وغير مشروعة وطنيا.
تهديد للوحدة وشرعنة للاحتلال
إن ما تضمنه بيان ما يسمي بـ ” مؤتمر حضرموت الجامع” يهدد وحدة اليمن ووحدة ومصالح المحافظات الجنوبية والشرقية، ويقوض أهداف ثورة 14 أكتوبر المجيدة، ويعرض الاستقلال للخطر، ويعيد البلاد إلى مربع الاستعمار القديم ـ الجديد الذي يكرس مصالحه من خلال تفكيك وحدة اليمن أرضا وإنسانا.
لذلك فإن أي حديث تفصيلي عن مطالب ما أطلق عليه ” مؤتمر حضرموت الجامع” غير ذي قيمة، لأن أهدافه المضمرة تختبئ وراء أهدافه المعلنة والتي تتخذ – ظاهريا – مما سمي بمخرجات الحوار غطاء لتحقيق اجتزاء حضرموت وفصلها عن الجسد اليمني، بينما يكمن الهدف الباطني في الانفراد باحتلالها عسكريا وسياسيا واقتصاديا من دول الجوار ومن الدول الاستعمارية التي تقف وراءها.
وهو ـ أي البيان والمؤتمر ـ خطوة أولى باتجاه شرعنة الاحتلال، وأشبه باتفاقيات الانتداب والحماية والوصاية الاستعمارية التقليدية.
الحقد الأعمى والأنانية
إن أي تبسيط في الحديث عن تبرير لمحتوى البيان ولانعقاد المؤتمر، إنما هو تفريط باستقلال ووحدة اليمن وتفريط بنضالات ودماء الشهداء والوطنيين وتضحيات ثورتي 26 سبتمبر 62 وثورة 14 أكتوبر 1963م، وتفريط بسيادة اليمن واستقلاله وبنى وأسس دولة الوحدة.
وما كان ليحدث ذلك لولا انتكاسة النخب السياسية الوطنية التي تكلست وتقوقعت في مربعات السلطة على حساب نضالاتها وتضحياتها الوطنية السابقة، حتى أصبحت مصالحها الذاتية مقدمة على المصلحة الوطنية، ودفعها صراعها وحقدها الأعمى وانتقامها من بعضها وأطماعها الذاتية، إلى هدم كل ما ساهمت في بنائه، وتورطت في تفتيت الوطن وإعادته إلى مربع ما قبل الثورة والاستقلال والجمهورية والوحدة والديمقراطية، ولتكن النخبة السياسية والوطنية كمن ” نقضت غزلها بعد حين”، بسبب حقدها الأعمى الذي جعلها لا تميز بين المصلحة الوطنية والمصلحة الذاتية أو الحزبية.
أصبح الشعب اليمني اليوم بسبب عمى وحقد النخب السياسية والوطنية التقليدية وطمعها، أمام تحديات جديدة ومواجهة ومنازلة جديدة وطويلة مع الاستعمار القديم ـ الجديد ومع الهجمة المرتدة ضد اليمن أرضا وإنسانا.
(الموفمبيك) والبداية
وإجمالا فإن ما يحدث اليوم في حضرموت وغيرها إنما هو تنفيذ لمخطط ومؤامرة تقسيم وتجزئة اليمن بدأ رسمه في (الموفمبيك) من قبل الدول العشر الراعية لهذا المخطط، وعندما لم يتحقق عبر فرضه في الحوار، اتجهوا لتنفيذه بالعدوان والاحتلال العسكري، وبتدمير مقدرات ومكتسبات اليمن الجمهوري المستقل والموحد والديمقراطي، ومحاولة سحق الإنسان اليمني وقتله وإعادته إلى عهود ما قبل التحرر والاستقلال.
كيانات انفصالية ضعيفة
الأستاذ/ إدريس الشرجبي – رئيس تكتل ناصريون ضد العدوان وعملائهم قال:
هذا المؤتمر جاء في إطار مخطط الانفصال والتمزيق لشرعية العميل هادي الواقعة تحت الاحتلال السعودي الإماراتي، ويمكننا القول بيقين إن هذه الشرعية المدعومة من المحتل باتت تشكل وبوضوح كامل شرعية انفصالية تسعى إلى تمزيق الوطن والهوية الوطنية إلى كيانات مناطقية وجهوية وحزبية.
اليوم هذا المؤتمر يؤسس لكيان انفصالي لمحافظة حضرموت بهوية حضرمية مستقلة عن الهوية الوطنية لكي يتم احتلالها وفي أحسن الأحوال الهيمنة عليها من قبل مملكة بني سعود وهذا احد أهم أهداف عدوانها, ويتضح هذا جلياً في البند الذي يعطي لهذا الإقليم الانفصالي حرية التعاطي باستقلال كامل مع محيطة الجيوسياسي – يعني مع السعودية ودول الخليج.
كيانات انفصالية ضعيفة
وما يجري في حضرموت من رفض محافظها أي تعيينات من العميل هادي يدل بوضوح أيضا على أنها تنفلت من شرعية هادي المزعومة وبما يخالف رؤيته التي كشفت عنها مكالمته المشهورة مع بن مبارك فهاهو إقليم حضرموت لا يقبل شبوة, بل وينص البيان الختامي للمؤتمر, على انه يكفل لهم الانفصال عن الوطن برمته، وكذلك الحال في مارب, كيان انفصالي بهوية حزبية إخوانية، أما في إقليم عدن فهو إقليم انفصالي بهويات مناطقية متصارعة – ابيني وضالعي – وان تدثر بمسميات الحراك الجنوبي, – ابدأ إنها أي الأقاليم كيانات انفصالية صغيرة ومتعددة, وربما تكون إحياءً للسلطنات السابقة.
هذا المسار يتوافق مع أطماع الإمارات التي ترغب بأن يكون هناك إقليم ضعيف لا يمكنه النهوض بميناء عدن لضمان عدم وجود أي منافسة لميناء دبي، وبالنسبة لمحاولاتهم في محافظة تعز فقد فشلت وان كانت قد دفعت بكيانات حزبية متعددة ومليشيات إرهابية متصارعة وهذه التوليفة فاشلة ولا يمكنها إنجاز أي كيان انفصالي.
مقدمة لإعلان الاستقلال
الدكتور/ أحمد عبدالملك حميد الدين – رئيس جامعة ومحاضر سابق- ركز على الشق القانوني والسياسي وعلى التداعيات التي ستعيد الصراعات القديمة وقال:
البيان ورقة سياسية لا تستند إلى مرجعية قانونية أو دستورية وحتى الاستناد إلى الشرعية الشعبية لأبناء حضرموت بعيدا عن الدولة اليمنية وعما كان يسمى الدولة الجنوبية والمساعي الانفصالية لبعض أبناء الجنوب, هي بذلك تعد انقلاباً على الشرعية الدستورية النافذة, وتقوم على تكييف قانوني خليط بين اللامركزية السياسية ” الاتحادية “والحكومة المحلية “الأقلمة” ومقدمة واضحة لإعلان الاستقلال التام وإنشاء دولة ذات سيادة.
ضم تدريجي
ومن الناحية السياسية فقد حرك هذا البيان المياه الراكدة في الصراع الخفي بين محافظات الجنوب وسيؤدي إلى صراعات ستظهر على السطح, كنتيجة لما يمثله هذا الإجراء من انفصال على الانفصال, وتجزئة للمجزأ, ويدخل هذا في دائرة ” الفوضى الخلاقة ” التي تقف وراءها القوى الدولية وتنفذ بأدوات إقليمية تديرها بعض دول التحالف, وربما مقدمة لمراحل لاحقة تجعل من حضرموت دولة تابعة أو ضمها بالتدريج لما تتمتع به من منافع اقتصادية وجغرافية.
تعبير عن أزمة الحكم
الدكتور/ أحمد العرامي – أستاذ جامعي- ربط الأمر في سياق سياسي تاريخي فقال:
بعد قيام الثورة تعددت المؤتمرات بسبب أزمة نظام الحكم ابتداءً من مؤتمر عمران وكان الخلاف على السلطة يتخذ شعار رفض الحكم الفردي وتأسيس قيادة جماعية وانتهى كل ذلك بحركة 5 نوفمبر 1967م وفي الجنوب استمر نفس الصراع لكن بشعارات تقدمية تخفي صراعات مناطقية.
وبعد الوحدة ظهرت أزمة الحكم فانعقدت المؤتمرات الشعبية بدعم حزبي فعقد مؤتمر القوى الوطنية بدعم من الحزب الاشتراكي ودعم المؤتمر الشعبي العام مؤتمر الأحزاب والمنظمات الجماهيرية وأقام التجمع اليمني للإصلاح مؤتمر الوحدة والسلام وتعددت المؤتمرات مثل مؤتمر الصرارة ومؤتمر بكيل وغيرها.
وفي عام 2010م عندما لاح شبح الأزمة بدأ الحوار الذي انتهى باللجنة الرباعية وعندما فشل الحوار ألقى كل طرف باللوم على الآخر وكتب نصر طه مصطفى مقالاً بعنوان (شبحة أعمى في ظلمي) حمل فيه اللقاء المشترك سبب فشل الحوار.
سلخ الهوية الوطنية
وبعد التوقيع على المبادرة الخليجية انعقد مؤتمر الحوار الوطني الذي تميز عن كل المؤتمرات السابقة من الناحية الشكلية فقط وطول الفترة وصرف مبالغ مالية لكنه فشل في إيجاد حلول واقعية وفي ظل هذه الظروف انعقد مؤتمر حضرموت الجامع كتعبير عن أزمة الحكم, ولكن خطورته تكمن في انه يسلخ الهوية اليمنية ويؤسس لهوية مناطقية.