احمد اسماعيل الاكوع: الإنسان الجميل الذي اشتهر عطاؤه الإبداعي قبل أن يشتهر اسمه وشخصه
محمد محمد المقالح
الصديق والزميل احمد اسماعيل الاكوع رحمه الله صحفي وكاتب وشاعر وله في كل هذه الحقول باع طويل لكن أحدا من المعنيين في كل هذه الحقول لا يعرف الشيء الكثير عن حياة وعطاء وإبداع هذا الإنسان الجميل!.
.كيف؟
احمد اسماعيل الاكوع الصحفي عمل في الصحافة والعمل الإعلامي والفني ابتداء وانتهاء ومثلما اشتغل في التحقيق الصحفي والاستقصائي وكتابة المقال الصحفي والتحليل الإخباري نجح أيضا في عمله في إدارة الصحيفة والإشراف على العمل الصحفي عموما .حتى تدرج إلى مناصب عليا في إدارة التحرير .
ومن نافلة القول إن هذا الصحفي الكبير لم يشغل كل هذه الأعمال الصحفية والإعلامية في صحيفة مغمورة أو موقع اخباري عابر كما هو حال عديد من صحفيي اليوم بل بدأ وتكون وتدرج في ولدى أهم واكبر صحيفة يمنية على الإطلاق بل هي الصحيفة الأولى في اليمن رسميا وهي الصامدة حتى اللحظة إصدارا وتوزيعا منذ انشائها عام 1962م والأيام الأولى لثورة 26سبتمبر المجيدة وحتى اللحظة وفيها أيضا أي الثورة الصحيفة تدرج احمد الاكوع في الإدارة حتى وصل إلى منصب مدير تحريرها ونائبا لرئيس تحريرها قبل أن يركن كمستشار ككثير من المخلصين وغير المرضي عنهم.
والمعنى أن احمد الاكوع لم يأت إلى هذا الموقع في “الثورة” من خارج الصحيفة أو من خارج الحقل الصحفي كما هو حال آخرين وفي أزمنة مختلفة في الثورة وغير الثورة بل من داخل مؤسستها العملاقة وفي ردهات أرشيفها ومكاتبها وساحات استطلاعاتها وافتتاحياتها اليومية وقبل ان يكون مدير تحرير عمل في رسائل القراء وفي السكرتارية والتحرير وغيرها من حقول ومجالات مهنة المتاعب.
أما احمد الاكوع ككاتب فقد كان كاتب مقالة من الطراز الأول مهنيا حيث كتب ولأشهر ولسنوات طويلة افتتاحيات الصحيفة اليومية فضلا عن عموده اليومي الذي كان ينشر في الصفحة الأخيرة للثورة .
و الحقيقة انه وبمساعدة ابنته أحلام المعتزة بابيها والمهمومة بما أنتجه من فكر وأدب وإبداع والتي لولاها وجهودها هي ووالدتها وأخواتها لما ظهر هذا الكتيب التابيني ولما اطلعت شخصيا على ملف هذا الكتاب وعلى بعض إنتاجه في الثورة وبعض هذه الافتتاحيات الهامة و التي أرخت للسياسة اليمنية في أزمنة مختلفة وقد وجدت أن في أرشيفه مقالات الافتتاحية وغيرها من المقالات ما يصلح أن يكون كتابا مستقلا بل كتبا وعلى ابنائه أن يهتموا به ككاتب وان يجمعوا مقالاته وفي هذا الكتاب التعريفي يوجد بعضها.
أما فقيدنا العزيز احمد الاكوع كشاعر وشاعر غنائي فله من القصائد المنشورة وغير المنشورة ما يغطي ديوان شعر كاملاً وجاهزاً هو الآخر للطباعة أيضا ويكفي أنكم تسمعون ومنذ ريعان شبابكم أغنية الثلاثي الكوكباني الشهيرة “يا راعيات الغنم فوق الجبال عندي لمحبوب قلبي ذكريات ) والتي ساهمت في صياغة وجدان جيل كامل من اليمنيين بل ولها ذاكرة وسميعة وذواقون للفن اليمني في مناطق أخرى من الجزيرة العربية كمسقط عمان وغيرها.
ومع شهرة هذه الأغنية بشهرة الثلاثي الكوكباني الأكثر إبداعا وتوثيقا للحن والأغنية اليمنية الشعبية إلا أن الكثير من الناس لا يعرف أن احمد اسماعيل الاكوع هو شاعر الأغنية وكاتب كلماتها الجميلة وقد كان هذا هو حالي أيضا حتى اطلعت على ملف كتابه التأبيني هذا.
ولكن لماذا كل هذه الشهرة لما كتبه أو أبدعه الفقيد احمد الاكوع بينما صاحب هذا العطاء الإبداعي نفسه مغمور أو غير معروف كثيرا بحجم شهرة افتتاحيات الثورة أو أغنية يا راعيات الغنم فوق الجبال ؟
الجواب ببساطة لأن الشهرة في اليمن وفي عقود كثيرة من حياة احمد الاكوع كانت ولا تزال لطلاب السياسة وليس للسياسيين ولمترزقي الصحافة وليس للصحفيين وللباحثين عن شهرة دون جهد أو إبداع لا لمن يهمه العطاء قبل الحديث عن شخصه كحال صاحبنا رحمه الله وهو الذي انشغل في خدمة بلاده في أي مكان أو موقع وضع فيه أو وضعته الأقدار عليه ..
احمد الاكوع مهني ومخلص وبسيط وواحد من الناس الطيبين لم يبحث عن مكان له في السياسة والأحزاب والارتزاق أو في الصحافة السياسية المدنسة بالمال السياسي بل انه وحين أوقف عن عمله لأسباب سياسية ذهب ليصدر صحيفة محدودة التداول باسم ” صحيفة الجزيرة” أسبوعيا واصدر منها أعداداً محدودة قبل أن تتوقف بعد ذلك لأنه لم يكن قادراً على مواصلة العمل الصحفي المستقل بدون دعم حكومي أو حزبي أو ارتهاني للخارج المعادي لليمن.
احمد الاكوع عانى طويلا في عمله وحبس وأوقف كثيرا لأسباب سياسية بحتة لا علاقة لها بالسياسة بقدر ما لها علاقة بالوشاية وضيق أفق السلطة وأجهزتها التحتية.
واذكر شخصيا انه حين كتب استطلاعات ميدانية هامة ومهنية عن زيارته للجمهورية الايرانية عام 1995م فقد لاقى عنه وتوقيفا وتهما كثيرة فقط لأنه كتب ما شاهده ورءاه بعينه عن ايران ولكن لان حقيقة ما يحدث في ايران حينها كان مخالفا لصور مزيفة كان يحرص النظام والنخب المتسعودة على نقلها عن ايران وهي الثقافة ذاتها لنظام الارتهان العربي السعودي واتباعه عموما حين كان ولا يزال إعلامه وكتابه يشيطنون إيران الثورة ويقدمونها كعدو لليمن والعرب عموما ولكن دون أن يجيبوا لماذا هي عدو وكيف ولماذا هي ” شيطان” بذلك السوء الذي حملته نفوسهم عنها
هكذا إذا تحمل احمد الاكوع عنه لم يكن يتوقعه لأنه كتب بمهنية وبعيدا عن السياسة وعندما قدم احمد الاكوع إيران كما رآها ثارت ثائرة الأجهزة والأقلام السعودية والطائفية والعنصرية ضده متهمين له بالتشيع وخدمة إيران ومشروعها المجوسي الصفوي “البطيخي” وغيرها من التهم والأوصاف الشتائمية التي لا تحمل أي مدلول من واقع سوى الإساءة والشتيمة ليس إلا وهي حجة الضعيف ومن لا يملك مشروع أو قضية أمام من يراهم أعداء أو خصوماً دون أن يسأل اعداء وخصوم لمن؟ طالما هو ولا مشروع له حتى يعاديه الآخرون والمهم أوقف احمد الاكوع بعد قرابة الـ15 حلقة من مقالاته الاستطلاعية عن ايران في صحيفة الثورة واذكر أن احد الكتاب المعروفين كتب محرضا كما ابلغني الفقيد نفسه أن احدهم طرق بيته ذات يوم وعندما فتح الباب وجد كومة هائلة من الكتب ضد من اسموهم المجوس الرافضة وعليها رسالة تحذير أو تهديد لا فرق.
في هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن احمد الاكوع تم التحقيق معه في اليمن وفي خارج اليمن وفي مطارات عديدة بينها مطارات دبي ودمشق وغيرها وكان يطلق سراحه دائما بعد أن يتبين أن الأمر مجرد التباس أو اشتباه او وشاية ولكن دون اعتذار أو تعويض
*احمد الاكوع الإنسان هو أجمل وأظرف ما في هذا الرجل….. بساطة وابتسامة دائمة ولا ضغينة أو حقد لأحد وهذا هو الاكوع الأخ الصديق الذي عرفته واحبيته وتوثقت صلتي به في زيارتنا الصحفية المشتركة للجمهورية الإيرانية بدعوة كريمة من الخارجية الإيرانية حينها لعدد من رؤساء تحرير أكثر من أربع صحف رسمية وحزبية بينها صحيفة الثورة ممثلة بمدير تحريرها المرحوم احمد اسماعيل الاكوع ومدير تحرير صحيفة الوحدوي حينها الزميل عبد الله الخولاني ومدير تحرير صحيفة الصحوة حينها الزميل ناصر يحيى ومدير تحرير 26سبتمبر الزميل عبد العليم الجابري وأنا كمدير لصحيفة الأمة حينها .
والحقيقة أن تلك الرحلة الصحفية كانت بالنسبة لي واحدة من أجمل الرحلات السياحية في حياتي وكان من أضفى عليها تلك المسحة من السعادة والإخوة وروح الزمالة هو الزميل المرحوم احمد اسماعيل الاكوع الذي حول الرحلة بكاملها إلى ابتسامة دائمة وكان أن خففت علينا “قفشاته” التلقائية التي كانت تبدو بريئة ببراءة وحسن نية احد وبدون قصد كثير من ضنك السفر وكثير من ضنك الثقلاء من الناس .
لن استطيع أن أوفي صديقي حقه في هذه العجالة وقد وعدت في منشور على صفحتي في الفيس بوك -ولعله ينشر في هذا الكتاب- بأنني سأكتب عن هذا الرجل في مذكراتي إذا مدني الله بالعمر والعافية.
وعودة إلى المناسبة وكتاب المناسبة هذه فقد ضم هذا الكتاب التأبيني المتواضع عدداً من برقيات العزاء والكتابات التابينية لزملائه وبعض مقالات كتبها المرحوم في صحيفة الثورة وإحدى قصائده وعدداً من أجزاء تحقيقاته المنشورة بالإضافة إلى نبذة عن حياته وخطاب التعريف الذي كتبته ابنته أحلام على أن الأهم هو البوم صور عن مراحل حياة فقيدنا العزيز احمد اسماعيل الاكوع.
في هذا السياق لا بد أن أقدم شكري وتقديري العاليين لزميلي ورفيق دربي الأستاذ ابو بكر عبد الله والأستاذ عبدالرحمن الاهنومي اللذين كلفاني بمراجعة الكتاب وإجازة طباعته وعمل مقدمة له وقد شعرت بالسعادة لذلك وفاء لصديقي المرحوم احمد ولاصدقائي الاحياء في رئاسة التحرير وأبناء وزوجة الفقيد.
وفي هذا أيضا لابد من الإشارة إلى أن أهم انجاز ونجاح كبيرين لاحمد اسماعيل الاكوع في حياته هو نجاحه الكبير في تربية ابنائه السبعة الذين حرص على تربيتهم احسن تربية وتعليمهم جميعا وبتخصصات مختلفة فبشرى وهي الكبرى بشرى طبيبة مخبرية، وأحلام مهندسة واروى صحفية أومبرمجة وابتهاج لغة انجليزي وحنان لغة فرنسي ومحمد وهو الولد الوحيد مهندس وأخيرا دعاء وهي آخر العقنود طالبة هندسة في إحدى جامعات ماليزيا، لم تتمكن بسبب الحصار من حضور جنازة وتأبين والدها وعزائها الوحيد أن أباها سعيد بمواصلتها دراستها ونجاحها فيها، أما زوجته وأم أولاده الأخت المناضلة بحق بهيجة عبدالكريم العمري، حفظها الله فقد شجعها المرحوم على مواصلة دراستها وبالفعل تعلمت وتثقفت بعد زواجها وتدرجت في التعليم حتى الجامعة قسم اللغة الانجليزية وكما قالت ابنتها أحلام في رسالة عبر صفحتها في الفيس بوك وفي ذلك “يعود الفضل لوالدي فقد تزوجها صغيرة ثم ساعدها في إكمال دراستها الإعدادية ثم الثانوية ثم اللغة الانجليزية ورافقت والدي في كل حياته الصحفية والعملية فكانت خير من تعين زوجها وتدعمه في كل وقت ” وهذا ما نعوله نحن عليها بعد ان اصبحت اما وأبا لابنائها.
وقبل أن اختم هذه المقالة الافتتاحية معتذرا عن التقصير اقترح على ابنائه وزوجته أن يهتموا بمذكرات والدهم وبإصدار تحقيقاته ومقالاته الصحفية في عدد من الكتب، آمل أن تتكفل صحيفة الثورة بطباعة ما هو جاهز منها للإصدار ليس لأن هذا وفاء من زملائه وهم أصل الوفاء في رئاسة وهيئة التحرير ولكن لأن هذا حقه أيضا حق رجل افنى حياته كلها من اجل إصدار وتطوير وتوزيع صحيفة اليمن الاولى صحيفة الثورة.
عزائي ومواساتي لزوجة صديقي وزميلي احمد الاكوع، كماهي لابنائه وجميع أهله وذويه وزملائه، سائلا المولى أن يتغمده بالرحمة والغفران وان ينفع اليمنيين بما خلفه من عطاء فكري وإبداعي كبير.